هل كل أمرٍ ورد في القرآن الكريم أو السنة يجب على المسلم فعله؟.. الإمام الأكبر يجيب
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إنه ليس كلُّ أمرٍ أو نهيٍ وَرَدَ في القُرآن والسُّنَّةِ وَرَدَ على سبيلِ الوجوبِ أوالحُرمةِ.
وشدد الإمام، خلال الحلقة الرابعة عشرة من برنامجه الرمضاني “الإمام الطيب”، على أن قدرًا كبيرًا من فَوْضَى الفتاوى المُعاصِرة، مرجعُه إلى خلطِ المستحبِّ بالواجبِ، والمكروهِ بالحرامِ، والاستدلالِ على وجوبِ المستحبِّ بمُجرَّدِ وُرودِ أمرٍ، وعلى حُرمةِ المكروهِ بمُجرَّدِ ورودِ نهيٍ، وفي ذلك ما فيه من افتراءٍ على شريعةِ الإسلامِ، مشددًا أن أخطر ما في هذا الأمرِ هو اقتحامُ هذا الفقهِ المُعْوَجِّ لحياتنا الاجتماعية، وبخاصةٍ الأسريَّة منها، وما نتج عنه من "فوضى الزواجِ وفوضى الطلاق"، وترويج مَقولةِ: أنَّ الأصلَ في الزواجِ التعدُّد، وأنَّ مخالفتَه مخالفةٌ للسُّنَّة.
وطرح الإمام تساؤلًا: هل كلُّ أمرٍ ورد في القُرآن الكريمِ أو السنة المُطهَّرةِ يجبُ على المسلمِ فِعلُه؟ وأجاب فضيلته أن العلماء أجابوا على هذا السؤال بالنفيِ، موضحًا أنَّ "الأمرَ" قد يُفيدُ الوجوبَ، وقد لا يُفيد وجوبًا ولا استحبابًا أصلًا، وإنَّما يُفيدُ مُجرَّدَ إباحةِ فعلِ المطلوبِ أو تركِه، مضيفًا فضيلته أن علماء الأصول قد أحصوا خمسةً وعشرين معنى تدلُّ عليها صيغةُ "الأمر" غيرَ معنى الوجوب.
وأكد فضيلته أن بيان فلسفةَ التقييدِ في مفهوم "الأمر" وصيغِه ودلالاتِه، تُضيِّقُ إلى حَدٍّ كبيرٍ من دائرة "الواجبات" في حياة المسلم العملية والاجتماعية، وتُؤمِّنُ له حريةَ الحركة في دائرةٍ لا نهائيةٍ من الجائزات والمباحات.
وأشار الإمام إلى أن هذه النظرة تكشف عن "الانسجام" الداخليِّ بينَ القُرآنِ والكونِ، وأنهما وجهان لحقيقةٍ واحدةٍ، وأنَّ القرآنَ أشبَهُ بكونٍ مسموع، والكونَ أشبهُ بقُرآنٍ مرئيٍّ يُتأمَّلُ، وأنَّ الميلَ إلى تكثيرِ الواجباتِ وتفريعِها وازدحامِ الفروضِ والسُّنَنِ يَقدَحُ في فضيلةِ التأمُّلِ العقليِّ التي يُعوِّلُ عليها القرآنُ في اكتشافِ الحقائق، والعلمِ بالموجوداتِ على ما هي عليه، وهو العلمُ المسمَّى بـ"الحكمةِ الإلهيَّةِ" التي ذكَرَها القرآنُ وأثنى عليها وعلى أصحــابِها في قولِه –تعالى (يؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).
وفي وقت سابق قال شيخ الأزهر الشريف، إن المظهر الآخر من مظاهر يسر الإسلام وتشريعاتِه؛ هو: "قلة التكاليف"، وبخاصة في مجال المعاملات، والمتأمل في هذا المجال يلحظ أن الآيات القرآنية التي جاءت لتشرع في مجال "المعاملات" أقل بكثير من تلك التي وردت في مجال العبادات، وقواعد الأخلاق والاعتبار بقصص الأولين، والإنذار، والترغيب في الثواب، والترهيبِ من العِقاب، وغيرِ ذلك من محتوياتِ القرآنِ الكريمِ وموضوعاتِه.