ضريح بلا جثمان.. قصة مقام "أبو الدرداء" الذي غير مسار خط الترام بالإسكندرية
في ناصية مميزة ببداية شارع أبي الدرداء بمنطقة اللبان، وبمجرد اتباعك لخط الترام تجد أن مساره ينحرف حول مبنى صغير أبيض اللون وبأطرافه خطوط خضراء، وهنا يقع المقام الذي يلتف حوله الكثير من الحاضرين إليه من مختلف محافظات مصر ليتباركوا به ويتوسلوا إليه بالرغبات.
شكل المبنى
المقام عبارة عن مبنى أبيض مستطيل الشكل على بعد خطوات من أقدم مقر لمديرية أمن الإسكندرية، ويلتف حوله الترام، مُكون من غرفة واحدة كبيرة بها أربع جثامين غير معروف هويتهم ولا علاقتهم بأبي الدرداء، مُزخرف من الخارج والداخل بنقوش إسلامية باللون الأخضر.
من هو "أبي الدرداء"
الشيخ جابر قاسم، وكيل الطرق الصوفية، ونقيب الأضرحة لأولياء الله الصالحين ومقامات آل البيت بالإسكندرية، يقول إن "أبي الدرداء" هو الصحابي الجليل "عويمر بن عامر الأنصاري"، وكنيته أبي الدرداء نسبة إلى ابنته "درداء"، ولقبت زوجته أيضًا بأم الدرداء، لافتا إلى أن ما يُعرف عنها أنها كانت فقيهة المسلمات.
جامع للقرآن
وأوضح "قاسم" أن أبي الدرداء واحد من الصحابة الذين أسلموا يوم غزوة بدر، وكان ضمن الخمسة الذين عملوا على جمع القرآن الكريم، وهم: "معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبيّ بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو الدرداء"، وكان يُلقب بحكيم الأمة، ولهذا ولاه معاوية بن أبي سفيان قضاء دمشق بأمر من عمر بن الخطاب.
شارك عمرو بن العاص في فتح الإسكندرية
واستطرد "قاسم" أن أبي الدرداء أحد أعلام مشايخ الصوفية الذي يأتي إليه المريدون، لزيارة مقامه والتبرك به، موضحًا أن أسباب إقامة هذا المقام، أن أبو الدرداء أسهم في فتح الإسكندرية خلال عام 21 هـ 641 م مع الصحابي عمرو بن العاص، وأقام فيها متفرغًا للعبادة والتدريس وتفقيه الناس، وكان يتخذ من مكان المقام الذي بني تكريمًا لاسمه وذكراه، مجلسًا لإلقاء دروس الفقه والحديث على تلاميذه.
ضريح بلا جثمان
وأكد "قاسم" أن مقام أبي الدرداء بمنطقة اللبان أقيم تخليدًا لذكراه فقط، لأنه صاحب بصمة في هذا المكان، إلا أنه لا يوجد فيه جثمانه، لأنه دفن في دمشق، ورغم أن جثمانه غير موجود بالضريح إلا أن ذكرى مولده كل عام يشهد حضور عدد كبير من الرجال والنساء الذين يرددون عبارات "بركات آل البيت"، بالإضافة إلى الأذكار والتبرك بمقامه.
أساطير عن كراماته
ولمقام أبي الدرداء كرامات وأساطير تُنسب إليه ويحفظها ويتداولها أهالي المنطقة ويتوارثها الأجيال نقلًا عن الآباء والأجداد، أشهرها أنه أثناء الحرب العالمية الثانية وخلال الغارات التي كانت توجه إلى مدينة الإسكندرية وبالأخص في حي اللبان، حيث يقع بجوار المقام مبنى قديم لمديرية الأمن كان يتجمع فيه الجنود لرد الهجوم المستمر على المدينة.
وخلال تلك الفترة حاول يوناني يعيش بالمكان مغادرة مبناه ذات ليلة للاختباء من الغارات، وإذ به يشاهد أمام المقام طيفا أبيض منيرا يصدّ بيده الطوربيد على ذراعه وينزله إلى الأرض لينقذ أهالي الحى، ولهذا يبرر أهالي المنطقة أنها لم يصيبها أي ضرر جراء القصف الذي كانت تتعرض له الإسكندرية.
أما الأسطورة الثانية فهي في عهد الأمير عمر طوسون، حينما شرع في ترميم خطوط الترام القديم بالإسكندرية واستعان بالمهندسين الأجانب، وخلال معاينة مكان الضريح أشار إلى أحد المهندسين معطيًا أوامر لنقله من مكانه فعُلقت يده ولم تعود للحركة وأصيب بالشلل.
وحينما سمع الأمير عمر طوسون بالواقعة أصدر أوامره بعدم نقل الضريح وقرر بناء مبنى جديد تخليدا للمقام، وتم إعادة رسم خط الترام بحيث يمر الخطين "الذهاب والعودة" حول مبناه الذي يتفقد الشارع ويدور من حوله الترام.
وحتى اليوم يظل مقام "أبي الدرداء" واحدا من العلامات المميزة بحي اللبان بالإسكندرية، الذي تُقام في ذكرى مولده سنويًا احتفالات كبيرة من المُريدين الذي يأتون لسؤاله عن شفاء مرضاهم وحل مشاكلهم وهداية أبنائهم وزواج بناتهم وغيرها من الأمنيات.