مدينة دمياط الأثاث لكي تكون إضافة للصناعة المصرية
مدينة دمياط الأثاث، لم تكن فكرة وليدة أو جديدة، لكنها كانت فكرة قديمة لمشروع تم طرحه عدة مرات وبأشكال مختلفة، منها أفكار خرجت من العاملين بقطاع الأثاث أنفسهم، وبلورها سياسيون وقدموها للحكومة في الفترات السابقة، ولكن لم تتوافر الإرادة السياسية والظروف الاقتصادية حينها لتنفيذ المشروع.
ولحسن حظ الدكتور إسماعيل عبد الحميد طه، محافظ دمياط الأسبق، الذي تم وضع حجر الأساس للمشروع في عهده مرتين، المرة الأولى بحضور المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الأسبق أحد أبرز مؤيدي المشروع، إلا أنه رغم مرور عام كامل على البدء في المشروع لم يتم إنشاء سوى هنجرين فقط من إجمالي 54 هنجرًا بإجمالي 1500 ورشة، وتم افتتاح الهنجرين باعتبارهما نواة لمشروع مدينة الأثاث في برنامج افتتاح المشروعات القومية التي قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بافتتاحها أثناء زيارته لدمياط في مايو 2017، عندما افتتح مستشفى القوات العسكرية بدمياط الجديدة ومستشفى طوارئ كفر سعد، وفي تلك الزيارة وضع الرئيس عبد الفتاح السيسي حجر الأساس لمشروع مدينة دمياط للأثاث للمرة الثانية.
وفي تلك المرة وجه الرئيس كلمة للفريق كامل الوزير، الذي كان يشغل وقتها رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة قائلا: "يا كامل سنة واحدة وأستلم منك المشروع"، وقد كان وافتتح الرئيس في 2019 المرحلتين الأولى والثانية التي تتضمن منطقة الورش الصغيرة ومحطات الكهرباء والصرف الصحي والبنى التحتية، وتتبقى المرحلة الثالثة والأهم وهي المنطقة التجارية ومنطقة الخدمات التي تضم فندقين ومعارض الأثاث.
خمسة مليارات جنيه تم رصدها لإنشاء مدينة الأثاث وهي التكلفة الإجمالية للمشروع كاملًا، ولكنها لم تفِ سوى بالمرحلتين الأولى والثانية، نظرًا لارتفاع تكلفة المشروع نتيجة تكلفة تثبيت التربة الهشة، حيث استدعت عمل خوازيق خرسانية بعمق 45 مترًا في باطن الأرض لكي تتحمل إنشاء هناجر من طابق واحد.
نقل صناعة الأثاث من المحلية إلى العالمية، تطوير صناعة الأثاث من العشوائية لتعتمد على الوسائل التكنولوجية الحديثة، نقل الصناعة من الوراثة إلى التدريس، توفير 30 ألف فرصة عمل، تلك كانت أهم التصريحات الصحفية التي صاحبت وضع حجر الأثاث، وبعد مرور أكثر من عامين على الافتتاح وطرح مرحلتين من الورش الصناعية على العاملين بقطاع صناعة الأثاث، ومع إحجام الصناع عن الحجز والتعاقد على ورش المشروع؛ تم إطلاق عدة حوافز لتشجيع الصناع على الذهاب للمدينة، ومنها تمويلات بنكية وتقسيط قيمة الوحدات الصناعية على 7 سنوات إضافة لمهلة مدتها عام من دفع الأقساط، فضلا عن تعاقد المنتفعين بوحدات مدينة الأثاث لفرش مشروعات العشوائيات وهي فرش الوحدات السكنية بمشروعات الأميرات وغيط العنب وبشائر الخير.
مشروع مدينة الأثاث أحدث قيمة مضافة لموارد المحافظة، وأعادت للدولة331 فدانا كانت عبارة عن مزارع سمكية، ومستنقعات تحولت إلى أرض تصل قيمتها السوقية حاليًّا لأكثر مليار جنيه لو حسبنا قيمة بثلاثة ملايين جنيه سعر الفدان بالمناطق المحيطة.
فضلًا عن تطهير وتطوير المنطقة التي أصبحت حاليًا مدخلًا لمدينة دمياط، وتم نقل مقلب قمامة شطا، حيث كانت تجمع فيه نفايات مركز ومدينة دمياط، وكان منظرًا سيئًا وغير حضاري، فضلًا عن إنشاء محطة صرف عملاقة تخدم القرى المحيطة بالمشروع، وكذلك إنشاء محطة كهرباء تخدم المشروع والقرى المجاورة، فضلًا عن إدخال الغاز الطبيعي إلى المشروع، باختصار تم تعمير المنطقة وزادت جمالا بمشروع تطهير بحيرة المنزلة.
ولعل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دمياط عام 2017 ووضع حجر الأساس لمدينة الأثاث، وتحدثه لأول مرة عن كمية التعديات على بحيرة المنزلة، وبعدها أطلق مشروع تطوير البحيرات المصرية، وفي مقدمتها تطهير بحيرة المنزلة التي تحيط بمشروع مدينة الأثاث، كما تم تدشين قناة سورجان التي تقسم مدينة الأثاث إلى قسمين حيث تصل مياه البحر المتوسط إلى بحيرة المنزلة عن طريقها.
فوائد عديدة وعظيمة عادت إلى دمياط من إنشاء مدينة الأثاث باستثناء صناعة الأثاث وهي الغرض الذى أقيم المشروع لأجله، وكان بمثابة وصف دواء لعلاج مريض بناء على تشخيص خاطئ من البداية، وهو ما يحتاج منا الآن أن نجري مزيدا من الفحوصات والأشعة المقطعية والتحاليل لنقف على حالة المريض، قبل استكمال العلاج أو وصف علاج جديد ليتعافى المريض.
هذا التشخيص عبارة عن لجنة تقصي حقائق، يكون ممثلًا فيها ممثلون عن صناعة الأثاث من أبناء دمياط وخارجها ورجال الصناعة والتجارة والاقتصاد والتسويق، حتى نضع حلولًا جذرية وعلمية، وتكون انطلاقة جديدة للمشروع.
فعلى مدار الأيام الماضية، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي مبادرات وأفكارًا من سياسيين وأحزاب وأصحاب مصانع ومعارض أثاث، لإنشاء شركة مساهمة لإنقاذ صناعة الأثاث تكون مهمتها استيراد خامات الأخشاب وتسويق المنتجات داخليًّا وخارجيًّا فضلًا عن الاهتمام بالتصميمات الجديدة والأسواق والأذواق العالمية التي سيتم استهدافها.
كل تلك المبادرات جاءت لتنقذ صناعة الأثاث في المحافظة بأكملها وليس بمشروع مدينة الأثاث ذاتها، ويستحضرني هنا أثناء حضوري اجتماعًا بين المهندس المعتز بهاء الدين أول رئيس للمشروع والعضو المنتدب وأصحاب مصانع المنطقة الصناعية بمدينة دمياط الجديدة لحثهم على نقل مصانعهم من المنطقة الصناعية بدمياط الجديدة إلى مدينة الأثاث، وكان الرد ما هي المميزات التي تجعلنا نغلق مصانعنا ونأتي لنبدأ من جديد في مدينة الأثاث، ونحن كنا نعمل في ورش صغيرة بشوارع دمياط القديمة، تلك التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا وأتينا إلى المنطقة الصناعية بدمياط الجديدة وإنشائنا مصانع حديثة، وكان الرد نحن شركة غرضها الإتاحة أي نقدم لكم ورشًا وأرضًا لإنشاء مصانع ومعارض، فكان الرد من أصحاب المصانع "إحنا عندنا مصانع ومعارض نيجي عندك ليه، مادام لا يوجد مميزات في أن تكون منطقة حرة وإعفاء من الضرائب والجمارك على الأخشاب المستوردة أو حتى الماكينات الحديثة إحنا هنا كويسين".
حلول كثيرة نقدمها لمن يحاول أن يعمل على إنجاح مشروع مدينة الأثاث ، أولها أن يكون هناك نظام تمليك للورش أو ايجار بأسعار مناسبة لتغرى صناع الأثاث لنقل استثماراتهم وأعمالهم للمشروع، منع كبائن الرش والدهانات بشوارع المحافظة وتخصيص ورش وكبائن بالمشروع بأسعار مخفضة، أولا للحفاظ على البيئة، ثانيا لتوطين مهنة الدهانات بالمشروع، وأن تقوم وزارة التربية والتعليم بإنشاء مدرسة صناعية تختص بصناعة الأثاث وهو نفس الأمر لوزارة التعليم العالي بإنشاء كلية خاصةً بالأثاث لتقدم كل ما هو جديد في عالم التصاميم والفنون والدهانات الحديثة، وكذلك إنشاء معرض دائم للأثاث يكون بأسعار مقبولة حتى يستطيع العارض تقديم سعر مناسب للسوق.
ولا بد أن تقوم الحكومة المصرية بحظر دخول الأثاث المستورد بكافة أنواعه إلى السوق المصرية وأن يتم توقيع بروتوكولات مع الشركات الصينية والتركية وشركة إيكيا لافتتاح فروعا لها بمشروع مدينة الأثاث، وهو ما سيسهم في تطور المدينة ونجاحها لأنها سيعمل على توطين صناعة الأثاث المكتبي والفندقي بالمشروع وإدخال نوع جديد على صناعة الأثاث بدمياط الذى يقتصر على الأثاث الخشبي الكلاسيكي والمودرن، وهو ما سيوفر العملة الصعبة فضلا عن تدريب أبناء دمياط على نوعية من الأثاث لم تكن موجودة وإدخال تكنولوجيا جديدة إلى دمياط وخامات بديلة للخشب الطبيعي الذي ترتفع أسعاره بشكل دوري.
والتعاقد مع شركات عالمية متخصصة في صناعة الأثاث ضروري جدا ومهم للغاية لان تكون مدينة دمياط للأثاث مقرا لها وتصدير منتجاتها لإفريقيا والدول العربية.
الخلاصة هناك أفكار عديدة لإنجاح مشروع مدينة الأثاث بعيدا عن سياسة تنظيم العمل بالمشروع حاليا وإخفاء حقائق عن القيادة السياسية ، فلقد تم تأجيل طرح أكثر من 1000 ورشة بالمشروع لعلم مجلس إدارة الشركة أنه لن يكون هناك إقبالا عليها، كما أن أغلب من تعاقد على ورش المشروع جاء بغية الحصول على تعاقدات لفرش مشروعات العشوائيات كالأسمرات وغيط العنب وبشائر الخير وهذا لصغار الصناع أما الكبار فجاؤوا للمشروع للحصول على تعاقدات لفرش الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية وغيرها من الفرص الاستثمارية، لعل أبرزها أن أشهر تاجر للاثاث المودرن بمحافظة دمياط أغلق معرضه وقام بإنشاء أول مصنع بمدينة الأثاث ليقوم بالتعاقد على فرش عدد من المؤسسات والوزارات بالعاصمة الإدارية الجديدة، إذا أين هي الصناعة وأين هو الاستثمار، هل قمنا بإنشاء مشروع لتطوير صناعة الأثاث حقا أو فتح فرص أمام البعض للربح السريع جراء التعاقد على فرش مشروعات الدولة، هل مشروعات فرش العشوائيات ستظل للأبد، هل فرص فرش الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية ستظل للأبد.
نحن نتحدث عن مشروع صناعي كبير، عن مستقبل صناعة الأثاث عصب الاقتصاد الدمياطي، نحن نريد مشروعًا دائمًا وليس مرحليًّا، نريد أن نرى أسماء لمصانع ومعارض تكون برندات عالمية، وليس لمجموعة من الباحثين عن الفرص للثراء بالتعاون مع ضعاف النفوس من داخل المؤسسات التي تعمل على فرش مشروعات الدولة بالأثاث الدمياطي.