المؤرخ الفني محمد شوقي يكتب: نوستالجيا رمضان
لم تكن مجرد أعمال فنية لكي تناسب شهر رمضان الكريم، ولكنها كانت أعمال فنية عظيمة خالدة، المسلسل الديني والتاريخي لم يكن فقط خلال شهر رمضان، بل كان من آن لآخر يعرض التليفزيون المصري هذه الأعمال العظيمة فأوقات كثيرة كان التليفزيون المصري يفاجئنا بعرض مسلسل ديني أو تاريخي بعيدًا عن شهر رمضان المبارك.
ولكن ارتبط المسلسل الديني، بالناس أكثر وأكثر خلال شهر رمضان فكان يُقبل علي مشاهدته الصغار والكبار، وكان مشاركة كبار النجوم في هذه الأعمال الدينية والتاريخية تُثقل العمل وتضيف إليه مثل محمود ياسين ونور الشريف وعبدالله غيث وأحمد مظهر ويحيي شاهين وشكري سرحان وغيرهم من القمم.
حتى كُتّاب هذه الأعمال كانوا يحرصون على كل كلمه ومعنى ولفظ وحدث تاريخي صحيح بعد مراجعة النص من كبار علماء الأزهر الشريف، حتى تخرج هذه الأعمال للنور في صورة صادقة تناسب تاريخ المسلسل، وكان كبار النجوم يخضعون للمخرج و الكاتب ولأحداث العمل ذاته، فعاشت هذه المسلسلات إلي وقتنا هذا، فكانت مسلسلات رمضان قبل أن يُطلق عليها الآن دراما رمضان فقلد كانت لا تخلو من المسلسل الديني الذي ظل ملازماً لشهر رمضان المبارك.
وبرغم أنه مسلسل ديني باللغة العربية الفصحى إلا أن له جمهور عريض ينتظره بشغف فأصبح أحد أهم علامات رمضان المبارك في التليفزيون المصري خاصةً مع وجود أسماء كبيرة من ألمع و أحب النجوم لعل أهم هذه المسلسلات التي علقت في الأذهان والقلوب حتى وقتنا هذا مسلسل "علي هامش السيرة"، تأليف عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وبه كوكبة من كبار نجوم الشاشة العربية أحمد مظهر وشكري سرحان ويوسف شعبان وزهرة العلا وصلاح منصور وسناء مظهر.
وكان عرضه الأول عام 1978 منذ أكثر من أربعين عاماً، وما زال يعرض الآن على كثير من الفضائيات العربية وموجود علي اليوتيوب ومحقق نسبة مشاهدة تزداد يومياً ويسرد المسلسل السيرة النبوية الشريفة من قبل مولد رسول الله.
ويأتي مسلسل "محمد رسول الله" 1980
ذلك المسلسل الذي أصبح بلا جدال أهم المسلسلات الدينية، على الإطلاق وفي تاريخ الدراما الدينية والتاريخية فقلد ارتبطنا بهذا المسلسل ذات الأجزاء الخمسة والذي يتناول سيرة الأنبياء من أول سيدنا إبراهيم إلى خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
حتى إن تتر هذا المسلسل الذي أصبح واحد من أهم الأغاني الدينية في تاريخ الغناء الديني، كلمات الشاعر الكبير عبد الفتاح مصطفى شاعر أم كلثوم وألحان الموسيقار الكبير جمال سلامة وغناء ياسمين الخيام
دعوة إبراهيم
ونبؤة موسي
ترنيمة داوود
وبشارة عيسي
صلى الله علي محمد
محمًداً رسول الله
لا يزال عالقاً في الأذهان ونتغنى به إلى الآن حتى شباب الآيفون والسيوسشال ميديا يجعلونه نغمة من نغمات، جوالهم المحمول.
أما مسلسل "لا إله إلا الله" 1985
فقد كان هذا المسلسل هو الآخر من المسلسلات الدينية الخالدة التي لا تُنسي في ذاكرة التاريخ والناس، وقد ضم خمسة أجزاء وتناول قصص الأنبياء ولكن بشكل مختلف وفيه أغنية التتر التي تعد أيضاً علامة مميزة في تاريخ الغناء الديني غناء محمد رشدي و ألحان جمال سلامة، وتعد حتى الآن مسموعة حتى في نغمات الموبايلات أيضاً كونها من الأغاني الدينية الخالدة.
غابت المسلسلات الدينية القوية بعض الشيء عن التليفزيون المصري في رمضان ثم عادت أقوى من ذي قبل بمسلسلين هما الأقوى في تاريخ الدراما الدينية وتاريخ بطليهما.
مسلسل "عمر بن عبدالعزيز" 1995
المسلسل الذي قال فيه بطله النجم الكبير نور الشريف والذي قال في هذا المسلسل "أفضل أعمالي الفنية على الإطلاق" فبرغم ما قدم نور الشريف من عشرات الأفلام السينمائية الخالدة وكذا المسلسلات فإنه أشار إلى هذا المسلسل بهذا التقدير والتكريم لدرجة أنه أوصى عند موته بعرض المشهد الأخير من المسلسل وهو مشهد احتضار وموت خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
مسلسل "أبو حنيفة النعمان" 1997 للنجم الكبير محمود ياسين
ويعد هذا المسلسل أحد أهم الأعمال الدينية والتاريخية معًا فهو ليس مجرد سرد لسيرة الإمام أبو حنيفة النعمان، بل يستعرض هذا المسلسل تاريخ الدلة الأموية والدولة العباسية والصراعات المحتدمة بينهما، ولكن يبقى هذا المسلسل الأقوى والأهم في تاريخ النجم محمود ياسين في دراما رمضان التاريخية خاصةً أن النجم الكبير محمود ياسين هو أفضل ممثل يجيد اللغة العربية الفصحى.
ولقد اجتذبت الأعمال التاريخية المخرج السينمائي الكبير حسام الدين مصطفى وقرر أن يبدأ كبيرًا وقد كان فبدأ بالمسلسل التاريخي "الفرسان" الذي نجح نجاحاً جماهيرياً كبيراً مما جعله أن يقدم في العام التالي مسلسل "الأبطال" ثم مسلسل “أبو حنيفة النعمان" ثم مسلسل "ابن حزم" ثم مسلسل "صلاح الدين" الذي ختم به أعماله كلها قبل أن يرحل عن عالمنا وكانت أعماله متميزة ناجحة فكان يعرف ما يريده المشاهد ويقدمه من خلال فن راقٍ، فهو أول من جعل المسلسل الديني والتاريخي مسلسلا جماهيريا، خاصةً وجوده في نهاية تتر المقدمة وهو بجوار الكاميرا معشوقته.
وبالفعل يُذكر لهذا المخرج الكبير التفاف الناس حول المسلسل التاريخي، خاصةً في وجود مسلسلات مهمة تحمل اسم مؤلف مثل أسامة أنور عكاشة و مخرجين مثل محمد فاضل ويحيي العلمي وإسماعيل عبد الحافظ.
اختفى المسلسل الديني مرة أخرى مع بداية ظهور الفضائيات وتدخل الإعلانات ثم عاد بشكل آخر من خلال المسلسل الأسطوري “إمام الدعاة الشيخ الشعراوي" 2003 الذي قدمه النجم الكبير حسن يوسف فكان مفاجأة العمل الدرامي الرمضاني ككل حتى إن أغنية المقدمة والنهاية المهداة من الفنان محمد فؤاد جعلت من هذا المسلسل بريق ووهجا أكثر فكانت هذه الأغنية يتغنى بها الكبار والصغار، وكانت النغمة الرئيسية في موبايلات مصر والعالم العربي حتي وقتنا هذا فأعاد هذا المسلسل ما كان في السابق.
ولكن هنا سيرة الشيخ الشعراوي رحمه الله جعلت المسلسل الأكثر ارتباطاً مع الناس لحب الناس للشيخ الجليل واختلف هذا المسلسل أنه مسلسل عصري بعيد عن اللغة العربية الفصحي فكان مسلسلا اجتماعيا توعويا أكثر منه مسلسلا دينيا.
ثم عاود النجم حسن يوسف العمل الديني سنوياً فيما بعد بمسلسلات "ابن ماجه" و" الإمام النسائي" و “الإمام المراغي".
ولكن لم تكتب لهذه الأعمال النجاح و كانت نسبة المشاهدة ضعيفة للغاية وذلك بسبب توقيت عرض المسلسل في الخامسة قبل المغرب والأسرة المصرية تقوم بتحضير الفطار فكان هناك شبه استحالة لمتابعة المسلسل، أيضا غزو الفضائيات التي بدأ يكتسح ويطغي و يملي شروطه والإعلانات، فكانت هذه هي نهاية المسلسل الديني بصفة عامة فلم يعد للمسلسل الديني مكان وسط زخم دراما رمضان وطغيان الإعلانات الممولة لهذه الدراما التي تساهم في تشكيل وعي المجتمع بشكل سلبي للغاية.
وبالرغم من ظهور بعض المسلسلات التاريخية والدينية بإنتاج بعض الدول العربية مثل سوريا، إلا أن هذه المسلسلات وإن كانت نجحت بشكل كبير في وقت عرضها و لكنها ذهبت في طي النسيان ولا يذكرها أحد رغم أنها كانت أكثر تقنية.
ولكن يظل المسلسل الديني والتاريخي المصري هو الأبقي والأهم رغم ضعف الإمكانيات المتاحة في ذلك الوقت ولكن صنًاع هذه المسلسلات كان لهم شأن فني عظيم وحب وصدق لما يقدمونه فعاشت هذه المسلسلات وكُتب لها الخلود.