في ذكرى وفاتها.. عائشة التيمورية الثائرة على زمانها
في العصر الذي كانت المرأة فيه تلزم "ركن الحريم"، وتتعلم الفنون اليدوية المختلفة، ظهرت امرأة كسرت كل تلك القواعد التي تقيد المرأة وتحصرها في نطاق محدود، فحاربت بكل قوتها لتتخطى سور الجهل الذي يحيطها، ولم تستسلم ونجحت في أن تحفر اسمها في التاريخ، إنها الشاعرة والأدبية عائشة التيمورية.
من هي عائشة التيمورية
ولدت عائشة التيمورية عام 1840، في أحد قصور "درب سعادة" وهي أحد أحياء الدرب الأحمر حين كانت تلك المنطقة مقرًا للطبقة الارستقراطية ولعائلاتها العريقة، وكانت أسرتها ميسورة الحال ذات مستوى أدبى عالى.
كان والدها إسماعيل باشا تيمور رئيس القلم الإفرنجي للديوان الخديوي في عهد الخديوي إسماعيل، أي ما يعادل منصب وزير الخارجية حاليًا، ثم أصبح رئيسًا عامًا للديوان الخديوي، وكانت والدتها من أصول شركسية وتنتمي للطبقة الارستقراطية، وأخيها العالم الأديب أحمد تيمور ولكن من أم أخرى هي مهريار هانم وهي شركسية الأصل، وعمة الكاتب المسرحي محمد تيمور، والكاتب القصصي محمود تيمور.
رفض أمها ومساندة والدها
كانت التيمورية تحب المطالعة كثيرًا، وهذا ما ورثته عن والدها إلا أن والدتها وقفت في طريقها وأصرت على أنها يجب أن تتعلم الفنون اليدوية المختلفة، فهي بنت وهذا ما يتعلمه بنات عصرها ليس القراءة والكتابة، ولكن عائشة كانت من صغرها ترفض الاستسلام للقيود والتقاليد للبالية فأعلنت رفضها وعدم تقبلها لتلك الحياة، وكانت تفر من دروس التطريز لتلحق بمحافل الكتب، وكانت والدتها تعنفها كلما تراها تحاول أن تكتب.
تفهم والدها ميولها الأدبية وقام بتشجيعها ومساندتها وطلب من والدتها أن تتركها تسلك الطريق التي تريده، وكان يأخذها لمحافل الكتب وأحضر لها المعلمين ليحفظونها القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، ومعلم يعلمها علوم اللغة كالنحو والعروض، وآخر يساعدها على إتقان عددًا من اللغات الأخرى كالفارسية والتركية.
زواجها.. عائق أم مساندة
تزوجت عائشة التيمورية في الرابعة عشرة من عمرها من محمد بك توفيق الإسلامبولي، لكن مسئوليات الزواج لم تكن عائقًا لها أمام شغفها بقراءة الكتب ونظم الأشعار، بل كان معوان لها في مسيرتها الأدبية، فقد هيأت لها حياتها الرغدة أن تستزيد من الأدب واللغة، فاستدعت سيدتين لهما إلمام بعلوم الصرف والنحو والعروض هما، فاطمة الأزهرية، وستيتة الطبلاوية، وهن لهن الفضل في تأسيس عائشة التيمورية.
النتاج الأدبي للتيمورية
نشرت عائشة في جريدة الآداب والمؤيد عدداً من المقالات عارضت فيها آراء قاسم أمين ودعوته إلى السفور، فهي كانت تدافع عن الحجاب، وتقول أن الحجاب ليس عائق لتلقي العلم والأدب.
تركت التيمورية خلفها أرث الأدبي والشعري كبيرًا ومتنوعًا بين الأشعار والرسائل والروايات، فتركت ديوان "حلية الطراز" باللغة العربية، وديوان "الأشقوفة" باللغة الفارسية، الذي يضمن بين ثناياه خواطرها وتأملاتها الفلسفية فى الحياة، ورسالة "نتائج الأحوال فى الأقوال والأفعال" وهى رسالة مطولة طُبعت في القاهرة والأستانة وإيران، تحدثت فيها عن أساليب مناصرة المرأة.
كما كتبت مسرحية "اللقاء بعد الشتات" التي تعد أولى المسرحيات التي كتبت للمسرح المصري، لتحقق التيمورية لنفسها الريادة في هذا المجمال الأدبي، وتميز أسلوب عائشة بالسلاسة والحوار الجيد والبناء الدرامي السليم.
ونُشر لها عدة روايات ناقشة من خلالها قضايا عديدة منها ما يتعلق بالنوع، الدين، السياسة ومن أشهر كتباتها "نتائج الأهوال فى الأقوال والأفعال".
دور التيمورية في حياة أخيها
كان لعائشة التيمورية دورًا فعالًا في حياة أخيها أحمد تيمور، العالم والأديب الكبير، فقد توفى بعد ولادة أخيها بعامين فتولت هي مسؤولية رعايته ونشأته، فأصبح أحد رواد النهضة الأدبية في العصر الحديث حتى بلغت شهرة مؤلفاته أفاق العالمين العربي والإسلامي.
كما كانت لها دور كبير في حياة أبناءه فهي من قامت بالإشراف على نجليه محمد ومحمود تيمور، فجعلت من الأول رائدا للكتابة المسرحية وصاحباً لأول قصة قصيرة في أدبنا العربي، قبل أن يكمل شقيقه محمود وضع أسس الكتابة القصصية نظراً لوفاة شقيقه المفاجئ فى مقتبل شبابه.
انقطاع التيمورية عن الشعر والأدب
لم تتحمل التيمورية خبر وفاة ابنتها التي كانت ستُزف بعد بضعة أيام وحزنت عليها كثيرًا فظلت ترثيها لمدة سبع سنوات، من كثرة البكاء أُصيب بالعمي، ونسيت كل شئ إلا ابنتها التي كتبت فيها قصائد تجعل الحجر يبكي، وفي ظلت تلك الفترة أحرقت عدد كبير من قصائدها ولم يتبقى إلا القليل.