بين المنفعة العامة والمنفعة الخاصة
إن من الناس من إذا ظهرت له في الأفق منفعة خاصة، تراه مسرعًا نحوها، يطوي المسافات، يحدوه أمل منشود، وحلمٌ معقود، تراه قد استجمع القوى كلها، فنفض عن نفسه الكسل والخمول، وراح يُقبل على منفعته الخاصة بنَهَم شديد، وإرادة لا تَبيد، فإن اعترض سبيله ما يُقعده عنها، حاول جاهدًا الوصول إليها من كل باب.
وللناس في ذلك مذاهب ونوادر، فقد ترى شيخًا كبيرًا، كان بالأمس يشتكي من شدة الأَدواء، ويصرخ من كثرة الأعباء، ويلح في طلب الإعفاء، فلقد داهمه العمر، فوهن عظمه، واشتعل بالشيب رأسه، واتخذ عصا يتكئ عليه في ذهابه وإيابه، ولكن إذا لاحت في الأفق البعيد منفعته الشخصية، تراه قد ألقى عصاه، واستدعى شبابه وصباه، يسابق الناس ويزاحمهم بلا هوادة أو اصطبار، يُسرع المسير، ويمضى قدمًا نحو منفعته المنشودة، فعند المنفعة الشخصية ترى من الأمور العجب العجاب!!
أما المنفعة العامة، فقليلون أولئك الذين ينهضون بها، ويقومون بأعبائها، ويبذلون الغاليَ والنفيس في سبيلها، فإذا ما دقت طبول المنفعة العامة، ترى الساحة شاغرة، تنظر حولك فلا تكاد عينك ترى أحدًا، وتنادي بصوتك الجهير فلا تَسمع إلا همسًا، ترى الذي كان بالأمس يمتلك كل المهارات والطاقات للوفاء بحق مصلحته الشخصية، تراه وقد علاه الكسل، وأدركه العجز، وعلاه التعب والإعياء، وترى لسان شكايته يتعلل بالأعذار، التي تبدو في مجملها مكذوبة زائفة، صنعها بلسان التلفيق والتزييف، فكل أقاربه في دور الرعاية الطبية الفائقة، وهو يطوف عليهم أشواطًا بلا عدد.
ولكن!!.. يبقى المخلصون للمنفعة العامة رموزًا في ميدان العمل العام، يبقون شموسًا يغمرون المجتمع بدفء العطاء الدافق، الذي لا يبغون من ورائه جزاءً ولا شكورًا، يعلِّمون الناس التضحية والعطاء، وتقديم العام على الخاص، ويلهمون الناس ثقافة العمل المجتمعي العام.
وإنك لتقترب من أولئك الذين يؤثرون المنفعة العامة، فترى الحق ـ سبحانه وتعالى ـ قد عوضهم بركة في حيواتهم وأولادهم وأعمالهم، كما تراهم يتمتعون بسلام داخلي، ولذة خاصة لا يدركها إلا هم، فهم في حاجات الناس والله تعالى في حاجاتهم؛ إنهم يعمرون الأكوان، ويهيئون أسباب الحياة لبني الإنسان، ويحققون الغاية من استخلاف الله تعالى ــ لهم في الأرض، فطوبى لهم وحسن مآب.