أصحاب المهن الشاقة في رمضان بين لهيب النار وعطش الصيام
مع حلول الساعة السابعة صباحًا، ومع بداية بزوغ أشعة الشمس الحارقة ممتزجة بموجة حر شديدة، يتجه المزارع أحمد خضر إلى عمله في نهار شهر رمضان، قاطعًا مسافة طويلة حتى يصل إلى الطريق الواقع قبل مدخل القرية والذي يمتد على جانبيه أراضيه الزراعية حيث يبدأ عمله.
موسم حصاد في نهار شهر رمضان
مع عشرات من زملائه، يستهل أحمد عمله ممسكًا بـ “المنجل” لحصد محصول القمح الذي بدأ موسمه مع بداية شهر رمضان وينتهي مع حلول عيد الفطر، بحسب تصريحاته لـ"القاهرة 24"، ليباشر بعدها تجهيز التربة لزرع محصول موسم الصيف، متنقلًا بين الأدوات الزراعية المتفرقة لري وحصد وزرع المحصول، ثم السير لمسافة كبيرة خارج القرية للتخلص من النفايات الزراعية، حتى انتهاء عمله الساعة الثالثة والنصف عصرًا، ما يضطره في كثير من الأوقات إلى عدم تحمل مشقة الصيام والإفطار ليتمكن من مواصلة عمله.
لا يستطيع أحمد صاحب الـ48 عامًا وغيره من المزارعين، بالرغم من ما يتطلبه العمل من جهد وعناء لا يقوى بعضهم على تحمله خلال شهر رمضان، عدم انتهاز فرصة الالتحاق بموسم الحصاد الذي يأتي مرتين فقط خلال العام الواحد، لما يشهده من ارتفاع في أجرتهم اليومية والتي قد تصل إلى 130 جنيها، محاولًا ادخارهم باقي شهور السنة مع اغتنام أي فرصة أخرى، توفر له مصدر دخل إضافي، لتوفير متطلبات أسرته التي تتكون من 10 أفراد، وذلك بحسب لما ذكره في تصريحاته لـ"القاهرة 24".
17 ساعة بين لهيب النار و"عطش" الصيام
جاء عيد محمد من محافظة الفيوم باحثًا عن لقمة العيش التي تمكنه من أن يعيل أسرته التي تتكون من 5 أفراد ويسكنون ثلاث غرف فقط داخل منزل العائلة الذي يقع في إحدى قرى مركز أبشواي، ليعمل في إحدى مخابز "العيش البلدي" في القاهرة، الذي يستمر عمله فيه لمدة 17 ساعة يوميًا خلال شهر رمضان.
يبدأ عيد عمله منذ الساعة 8 صباحًا لساعات طويلة، حسبما قال في تصريحاته لـ"القاهرة 24"، متحملًا درجات الحرارة العالية المخلوطة بالصهد المنبعث من نيران "الفرن" لإعداد ثلاثة ونصف من "شكاير" الدقيق بوزن 175 كيلو يوميًا، دون إجازة إفطار أيام الشهر الكريم لنفسه، في ظل عدم مقدرة بعض زملائه القيام بذلك بسبب ظروف عملهم الصعبة، والذي أوضح أحد منهم أنه لا يقوى على الصيام إلا في الأيام التي يكون الجو معتدل بها فقط.
يضيف عيد في تصريحاته لـ"القاهرة 24"، أنه بالرغم من أن فيروس كورونا المستجد لم يؤثر على "يوميته" التي تصل إلى 150 جنيها، ولكن يصرف منهم حوالي 60 جنيها يوميًا على احتياجاته الشخصية، ثم يقوم بإرسال ما تبقى لأسرته والتي بالكاد ما يكفيها ذلك المبلغ.
في عيدهم القومي.. نواب يتحدثون عن مصير قانون العمل الجديد لضمان حقوق العمال
“لدي زبون لا أستطيع خسارته”
بعربة "الفول" الذي يعد الطبق الرئيسي الذي لا تخلو أي مائدة سحور منه عند جميع الأسر المصرية، يجوب محمد في شوارع وأحياء منطقة فيصل بالجيزة، بداية من الساعة الواحدة ظهرًا غير مبالي بدرجة الحرارة المرتفعة، ولا الشعور بالعطش الذي يهيمن على أغلب المتوجهين إلى أعمالهم في شهر رمضان.
يقول صاحب الـ29 عامًا في تصريحاته لـ"القاهرة 24"، إنه قبل شهر رمضان يبدأ عمله منذ الصباح الباكر وينتهي منه ظهرًا، ولكن في شهر رمضان يجوب بالعربة الشوارع المختلفة قبل عصر كل يوم حتى أذان المغرب، الذي يتجه بعده إلى منزله لتناول وجبة الإفطار وبعد ذلك يخرج مرة أخرى ليباشر عمله حتى الثانية عشر صباحًا، لافتًا إلى أنه تعود على عمله هذا وهو صائم لذلك لا يواجه الصعوبات التي تدفعه إلى عدم الصيام خلال شهر رمضان، موضحًا أن أول أيام من الشهر هي عادة ما تكون الأصعب.
وبالرغم من أن مهنة محمد الذي يمتهنها خلفًا لوالده بعد مرضه، ويمارسها منذ 20 عامًا، حيث كان يساعد والده في البيع بعد انتهاء يومه الدراسي، تأثرت بشكل سلبي بسبب الوباء الذي داهم العالم بأكمله منذ أكثر من عام مثل كثير كغيرها من القطاعات، حيث قل عدد الزبائن بنسبة 30% على حد قوله في تصريحاته لـ"القاهرة 24"، لم يترك تلك المهنة محاولًا البحث عن فرصة عمل توفر له مصدر دخل أفضل، قائلًا:" ليس لدي إلا هذا العمل، لدي زبون لا أستطيع خسارته"، موضحًا أن العائد المادي منها يكفي أسرته التي تتكون من ثلاثة أطفال وزوجته ووالديه.
"بتوكل على الله وهو بيعني على الصيام"
من مركز الصف في محافظة الجيزة يذهب "أحمد .ع" مستقلًا سيارة "نص نقل" إلى منطقة شق الثعبان الواقعة، كعامل في إحدى ورش "الرخام" ومسؤولًا عن الماكينة التي تقوم بتقطيع وتشكيل قطع المادة الصخرية، ليبدأ عمله من بعد أذان الفجر أي مع بداية فترة الصيام ولمدة سبع ساعات متواصلين.
يقول أحمد في تصريحاته لـ"القاهرة 24":" أنه بالرغم من ما يتطلبه العمل من مجهود بدني من حمل قطع صخور بأحمال كبيرة ووضعها على ماكينات التقطيع، إلا أنه يتحمل مشقة الصيام في تلك الظروف، مضيفًا:" الصيام تعود، اذا قمنا بالتركيز فقط على تتبع درجات الحرارة وما يحتاج العمل من مجهود لم يذهب أحد منا إلى عمله"، مشيرًا إلى أنه عند ذهابه للعمل دائمًا ما يتوكل على الله وهو من يعينه على القيام بعمله أثناء الصيام.
من حسن حظ الشاب الذي يبلغ من العمر 19 عامًا لم تتأثر صناعة الرخام في مصر بشكل كبير كباقي القطاعات، بوباء كورونا الذي اجتاح العالم في أواخر عام 2019 مخلفًا ركود اقتصادي عالمي، إلا في فترة ذروة انتشاره ما ساعد على خفض نشاط عملهم لتعود بعدها الأوضاع سريعًا كما كانت، ما ساهم في عدم تأثر يوميته التي تصل إلى 160 جنيهًا، وفقًا لما صرح به لـ"القاهرة 24"، وذلك ما دفع الشاب المقبل على الزواج، لتحمل مشاق الصيام والعمل معًا مستبعدًا فكرة البحث عن عمل آخر، حتى يتمكن من إعالة والده ووالدته وادخار مبلغ مبالي يساعده على توفير متطلبات الزواج.
اتحاد عمال مصر يطالب بإشراك ممثلي العمال في جميع التشريعات العمالية
رحلة "محصل" الغاز بين 25 عمارة سكنية في نهار رمضان
بين العمارات و الشقق السكنية المختلفة يجوب "كريم" اسم مستعار، حيث يمارس عمله كـ"محصل" بإحدى شركات البترول بداية من الساعة 12 ظهرًا غير مكترث باحتدام درجة الحرارة الذي يشهدها شهر رمضان.
يوضح كريم في تصريحاته لـ"القاهرة 24"، أن عمله يبدأ مع الساعة الثامنة صباحًا في الشركة، ثم يتوجه بعد ذلك لتحصيل فواتير الغاز من المستهلكين، حيث يتوجب عليه يوميًا التنقل بين 130 شقة بمعدل من 20 إلى 25 عمارة سكنية في اليوم الواحد، مظهرًا جلدًا أمام ظروف عمله الصعبة ومشقة الصيام قائلًا: "الصيام فرض، ومن تعود عليه يستطيع القيام به دون عناء".
بالرغم من أنه راتبه الذي يتقاضاه لم يتأثر بجائحة كورونا كثيرًا، إلا أنه لا يكفي احتياجات أسرته التي تتكون من 3 أطفال منهم اثنين يعانون من مرض الهيموفيليا، والذي يتطلب توفير حقن قد يصل سعرها إلى 60 ألف جنيه شهريًا، بحسب قوله في تصريحاته لـ"لقاهرة 24"، وهو ما لا يستطيع ادخاره من راتبه ما دفعه لاعتماده على الجمعيات الخيرية لتوفيرهم، في ذات الوقت الذي لا يستطيع ترك وظيفته متحملًا كل مشاقها ومتاعبها في شهر رمضان الكريم.