الساخر محمود السعدني.. كاتب سجنه قلمه
تمر اليوم ذكرى رحيل الكاتب والصحفي الساخر محمود السعدني، الذي رحل عن عالمنا في 4 مايو 2010 عن عمر يناهز 82 عامًا بعد إصابته بأزمة قلبية حادة، تاركًا خلفه تاريخًا يُخلد ذكراه، فـ "الولد الشقي" مازال يذكرنا بمغامرات السعدني الصحفية والمآزق التي واجهته.
بداية مسيرة السعدني
بدأ السعدني عمله كصحفي فور تخرجه في عددٍ من الجرائد والمجلات التي كانت تصدر في شارع محمد علي بالقاهرة، ثم عمل في مجلة "الكشكول" التي كان يُصدرها الراحل مأمون الشناوي، وظل يكتب فيها حتى تم إغلاقها، ثم اتجه للعمل كصحفي بالقطعة في جريدة "المصري" التي كانت لسان حال حزب الوفد في ذلك الوقت، وعمل أيضًا في دار الهلال.
وقام بإصدار مجلة هزلية بالتعاون مع رسام الكاريكاتير طوغان، ولكنها لم تدم كثيرًا فبعدد إصدار أعداد قليلة من المجلة تم إيقافها.
دفاع السعدني عن ثورة يوليو
كان السعدني مؤيد بقوة لثورة يوليو منذ قيامها، وانتقل للعمل في جريدة الجمهورية، التي أصدرها مجلس قيادة الثورة وكان رئيس مجلس الإدارة حينذاك هو أنور السادات، ورئيس التحرير هو كامل الشناوي، إلا أن بعد تولي السادات منصب رئاسة البرلمان المصري، تم الاستغناء عنه، فانتقل للعمل في مجلة روز اليوسف الأسبوعية مديرًا للتحرير، وكان ذلك قبل تأميم الجريدة.
صراعه مع السلطات وسجنه
كان سفر السعدني لسوريا السبب في تدهور علاقته مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وسجنه، فعندما ذهب هناك طلب منه أعضاء في الحزب الشيوعي السوري توصيل رسالة مُغلقة للرئيس عبد الناصر، ولم يكن يعلم محتواها والتي كانت تهديد لعبد الناصر، فتم إلقاء القبض عليه وإلقاؤه في السجن عامين تقريبًا.
وتم اعتقاله للمرة الثانية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، بسبب صراع السلطة الشهير الذي حدث بين أنور السادات عند توليه الحكم وعدد من مسئولي النظام، والذي انتهى باستقالة هؤلاء واعتقال السادات لهم وتقديمهم للمحاكمة بتهمة محاولة الانقلاب، فيما عُرف بثورة التصحيح مايو 1971.
وكان السعدني من ضمن تلك القائمة التي تم اعتقالها، وتمت محاكمته أمام محكمة الثورة التي أدانته وحكمت بسجنه، وحاول الرئيس الليبي السابق معمر القذافي التوسط له عند الرئيس السادات، إلا أن السادات رفض قائلًا أن السعدني قد أطلق النكات عليه وعلى أهل بيته.
وظل السعدني بين جدران السجن لمدة عامين آخرين حتى تم الإفراج عنه بقرار من الرئيس، إلا أن هناك قرارا رئاسيا آخر تم إصداره بفصل السعدني من عمله في مجلة صباح الخير التي كان قد تولى رئاسة تحريرها، ومنعه من الكتابة، ومنع ظهور اسمه في أية جريدة مصرية.
السعدني ينفي نفسه
بعد خروج السعدني من المعتقل وتضيق الخناق عليه فلم يجد جريدة يكتب فيها ولا حتى في صفحة الوفيات قرر أن يغادر مصر ويبحث عن عمل في الخارج. توجه لبيروت في البداية وبعد صعوبة شديدة في أن يجد جريدة يكتب فيها، استطاع أن يكتب في "جريدة السفير" بأجر يقل عن راتب صحفي مبتدئ، والسبب في ذلك هو خوف أصحاب الدور الصحفية البيروتية من غضب السادات.
ثم غادر إلى ليبيا قبل اندلاع الحرب الأهلية، وعرض عليه القذافي إنشاء جريدة أو مجلة له في بيروت إلا أن السعدني رفض ذلك خوفاً من اغتياله على يد تجار الصحف اللبنانيين والذين سيرفضون بالتأكيد هذا الوافد الجديد والذي سيعد تهديداً لتجارتهم الرائجة، كما عرض عليه القذافي أن يعمل في جريدة القذافي الأثيرة "الفجر الجديد".
وبعد اغتيال السادات، عاد السعدني لمصر واستقبله الرئيس حسني مبارك في القصر الجمهوري.
تراث السعدني الأدبي
ترك السعدني خلفة تراث عظيم من الكتب ولعل من أروع ما كُتب في أدب السيرة الذاتية هو كتابه "الولد الشقي" التي كان يقص فيها يومياته والمغامرات الصحفية والمآزق الذي عاشها من بداية مولده في محافظة الجيزة لقصة منفاه بالكامل، ووصف السعدني مذكراته قائلاً: "رغم الظلام الذي اكتنف حياتي، ورغم البؤس الذي كان دليلي وخليلي، إلا أنني لست آسفا على شيء فلقد كانت تلك الأيام حياتي".
ومن أعماله الأخرى "الطريق إلى زمش" الذي تحدث فيها عن أول فترة قضاها في السجن في عهد عبد الناصر، "الظرفاء" و"أمريكا يا ويكا" و"الموكوس في بلاد الفلوس"، و"المضحكون" الذي تناول فيه عددًا من ممثلي الكوميديا في مصر.
وكان أسلوب السعدني يتميز بتخليه عن البلاغة التقليدية ونحت قاموس جديد من الألفاظ التي تجمع بين الفصحى والعامية المصرية.