غريزة أمومة أم طاقة حب.. "ما جنيت على أحد"
أشعر أحياناً بطاقة حب كبيرة بداخلي ورغبة في احتضان الجميع.. وتخف وطأة تلك الطاقة عند احتضان من أحبهم من أسرتي وأصدقائي صغاراً وكباراً.
والآن بعد أن تجاوزت منتصف الثلاثينيات من عمري المديد "بكل الصحة والسعادة كما أتمنى" لا أذكر أني رغبت يوماً بأن أكون أماً إلا ﻷسباب عديدة بعيدة تماماً عن رغبة الأمومة.
في مراهقتي المبكرة ظننت أني لا أحب ولا أجيد التعامل مع الأطفال، ولكنني اكتشفت بالصدفة أنني أجيد التعامل مع الأطفال وأحب التواجد واللعب معهم.
لفترة أخرى ظننت أنني ربما أكره أن أنجب أطفالاً ليعانوا في وطني كما أعاني وكثيرين غيري.. ولكني أيضا وجدت نفسي أفكر بشكل عقلي بحت تماماً وبلا أي عاطفة أمومية، إنني إن أنجبت يوماً فسوف تكون تربيتي ﻷبنائي عبارة عن مشروع فكري وتربوي ونفسي تماماً.. فكرت فيهم وكأنهم أبناء أحد أخر.. وكأنهم من أسرة أخرى.. وكأن واجبي تجاههم كواجبي تجاه أي طفل أخر في عهدتي سواء بدار حضانة أو بدار أيتام..
وهنا أفكر هل أنا وحدي هكذا، لا إنجابية؟
هل هناك فتيات يشعرن ويفكرن كما أشعر وأفكر في هذا الأمر، ولكن ﻷن المجتمع يتوقع دوراً مختلفاً منهن تظاهرن بعكس الحقيقة؟
وهل هناك بالفعل ما يسمى عاطفة أو غريزة الأمومة أم هي رغبة في العطاء وطاقة من الحب؟
وإذا كانت عاطفة أو غريزة الأمومة وهماً، وسبب انتشار هذا الوهم هو الدور النوعي المطلوب من المرأة من قِبل المجتمع، والأمر لا يتجاوز كونه عطاء أو طاقة حب زائدة يملكها بعض البشر، مما يعني أن كثير من النساء لا يشعرن بها ﻷنهن لا يملكن تلك الطاقة ولكنهن إضطررن للتماهي مع متطلبات المجتمع والدور النوعي المنوط بهن وادعاء "ربما بوعي منهن وربما بلا وعي" إنهن يملكن “غريزة الأمومة”!!
وربما أيضاً يعني ذلك أن بعض الرجال قد يملكوا تلك الطاقة ولكنهم لا يجرؤوا على المجاهرة بها خوفاً من نظرة المجتمع لهم، ﻷن الدور النوعي المنوط بهم هو الرجولة والذكورة، والتي هي في عرف المجتمعات “خاصة الشرقية” تعني الخشونة والقسوة أو على الأقل عدم التأثر بالمشاعر والعواطف، وإلا تم اتهامهم بالخنوثة.
رجال قليلون جداً بنسبة تكاد لا تذكر اعترفوا برغبتهم بأن يكونوا أماً، اعترفوا بحبهم ورغبتهم في ممارسة جميع مهام الأمومة من احتضان الأطفال ورعايتهم ومتابعتهم وتنشئتهم…إلخ.
ونساء قليلات جداً أيضاً بنسبة لا تكاد تذكر رفضن مهام الأمومة بشكل قاطع عقلاني بلا تحيزات أو عقد طفولية أو اجتماعية، فقط ﻷنهن شعرن أنهن لن يؤدين هذا الدور بالشكل اللائق ﻷنهن لا يشعرن بعاطفة الأمومة.
كل هذا لا مشكلة فيه حتى الآن..
المشكلة تظهر عندما يصرح أحد الطرفين لذويه بأنه لا إنجابي.. عن إرادة وليس عن إجبار من الطرف الأخر أو حالة مرضية تمنعه من الإنجاب.. إما سيُتهم هذا الشخص بالكذب وأن الطرف الأخر هو من يجبره على عدم الإنجاب؛ أو سيتم محاولة إقناعه بشتى الطرق بأن ينجب حتى يرضي أحداً أخر (والده أو والدته أو حتى حماته أو حماه).
ماذا لو لم يكن هذا الإنسان غير الراغب في الإنجاب يملك من طاقة الحب الكثير ولكنه لا يرغب في أن يغدقها على شخص واحد ويكرس كل طاقته واهتمامه لهذا الشخص فقط..
ماذا لو أن طاقة الحب تلك يمكن توجيهها للكثير من الأعمال والأفراد والأفكار في حالة عدم الإنجاب، وبالتالي تشتتها وضياعها واختذالها في كائن واحد فقط أو حتى عدة أطفال في حالة الإنجاب؟
لماذا يوجد أمهات قادرات على رمي أبناءهن في الشارع عقب الولادة مباشرة أو بعدها بفترة طالت أو قصرت؟ ألا يملكن غريزة الأمومة؟ أم هن لا يملكن طاقة الحب الكافية لاحتضان أطفالهن؟
وبالمقابل هناك من يأخذ هؤلاء الأطفال ويحتويهم دون أن يكونوا أبناءه ودون أي صلة دم بينهم ويقدم لهم كل ما يملك من حب وعاطفة..
هي مجرد طاقة حب.. يملكها الجميع بنسب متفاوتة، وكل إنسان حر في طريقة تصريف تلك الطاقة..
حتى الحيوانات تمتلك تلك الطاقة.. ولا أجرؤ على أن أدعوها غريزة أمومة.. ففي الفيديو التالي حيوان مفترس (نمر) ينقذ ويحمي وليد فريسته (قرد).. وبالنسبة لأفكارنا عن المملكة الحيوانية فذلك صيد سهل.. فهو (النمر) قتل الأم مسبقاً (القرد) وحصل على وجبة إضافية (الرضيع).. إلا أن طاقة الحب التي تكتنف أغلب المخلوقات الحية تجعل طاقة الحب في أوجها عندما ترتبط بكائن ضعيف كالأطفال..
وبالعودة لمملكة البشر نجد أن بعض من الناس عندها إحساس أعلى من الأخرين كما ذكرت وبالتالي فهم دائماً ما يحاولون مساعدة من حولهم وإخراج طاقة الحب الموجودة بداخلهم بشتى الصور.. كالاشتراك في بعض الأعمال الخيرية أو رعاية المرضى أو ذوي الاحتياجات الخاصة أو كفالة الأيتام أو حتى على أقل تقدير زيارتهم وقضاء الوقت معهم وإدخال الفرحة لقلوبهم..
أخرون في دول أخرى لا تعاني من الهوس الجنسي يقدمون ما سبق ذكره في السطور السابقة من طاقة الحب بجانب الأحضان المجانية.
العالم لا ينتظر أبناء أفضل وفقط، العالم ينتظر بشرا حاليين أفضل، لكل من لا يملك “غريزة الأمومة” ولكن يملك “طاقة الحب” الأعم والأشمل لا تدخرها من أجل فرد أو أثنين أو ثلاثة ولكن وزعها على العالم كله عن طريق توزيع تلك الطاقة على من هو موجود بالفعل وفي حاجة إليها..
ولا تسمع لمن يقول حتى تجد من تستند عليه عند الكبر، فعند الكبر ستجد من يمتلك طاقة حب ليعطيك العاطفة والمساعدة بلا مقابل في حين قد لا تجدها عند من هم من لحمك ودمك.
طاقة الحب لا تفنى ولكنها تستحدث من العدم.