مسجد العطارين.. هنا أولي محطات تصوف نبلاء العصر الفاطمي وأعرق تراث إسلامي بالإسكندرية
الجامع الشرقي، جامع الجيوشي، مسجد العطارين.. جميعها أسماء تطلق علي مكان واحد في عصور مختلفة، باعتباره أقدم مساجد الإسكندرية، ومن المعالم الإسلامية الهامة، حيث أنه حين شُيد كان ثاني جامع بالمحافظة، وكان يُعرف باسم الجامع الشرقي الجديد، وذلك بعد الجامع الغربي؛ وهو الجامع العتيق الذي أسسه عمرو بن العاص عند فتحه لمصر.
بني مكان كنيسة
مسجد العطارين طبقا لما دّون عنه في تاريخ الأماكن التراثية بالإسكندرية، تم بناؤه علي أطلال كنسية كانت تُعرف بأسم "كنيسة القديس أثناثيوس "، وبعد تعرضها للدمار، بُني عليها بعد الفتح الإسلامي لمصر جامعا صغيرا، إلا أنه بمرور الزمن بدأ هذا الجامع في التهدم وتعرضت بعض الأسقف به للانهيار، وذلك في بداية العصر الفاطمي.
تسميته بجامع الجيوشي
ويروي الشيخ جابر قاسم؛ وكيل المشيخة الصوفية ونقيب أضرحة أولياء الله الصالحين بالإسكندرية، أن مسجد العطارين هو أول مكان في مصر كان يشهد تصوف ودروس علم الفاطميين، ومع بداية دخولهم مصر أطلق علي المسجد اسم "مسجد الجيوشي"، وذلك لأنه بعد أن جاء أمير الجيوش بدر الجمالي إلى مدينة الإسكندرية سنة 477 هـ، لإخماد الثورة التي قام بها ابنه الأكبر " الأوحد أبو الحسن " مع أهالي الإسكندرية، وبعد أن نجح في مُهمته ،جدد بناء جامع العطارين، وأقيمت به صلاة الجمعة، وتغير اسمه بعدها إلي "جامع الجيوشي".
وأضاف، أن الجامع استمر على حالته إلى عهد الأيوبيين حتى توقفت فيه إلقاء خطب الجمعة بأمر من صلاح الدين الأيوبي، وتعرض المسجد للإهمال حتى سقطت معظم أعمدته وظل مغلقا لعقود طويلة حتى مطلع القرن العشرين.
تسميته "مسجد العطارين"
وأفاد "قاسم"، أن المسجد واجه عدة عمليات ترميم، بدأت في عهد الظاهر ببيرس عام 660 هـ، ومرة أخري في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني الذي طوره بالكامل على الطراز العثماني، ولم يتبق منه غير اللوحة التأسيسية لبدر الدين الجمالي وعرف من وقتها باسم مسجد العطارين نسبة إلى محال العطارة المحيطة بالمسجد.
وبعد غلق المسجد لسنوات، تم إعادة افتتاحه بعد تطويره وترميمه في عام 2017، في عهد المحافظ محمد عبد الظاهر.
تكوين المسجد
يتكون المسجد من طابقين؛ الطابق الأرضي مخصص لصلاة الرجال، بينما خصص الطابق الأول كمصلس للنساء، وبالطرف الشرقي لواجهة المسجد مدخل آخر يؤدي إلي القبة الضريحية، وكتب أعلي هذا المدخل: "هذا ضريح سيدي محمد بن سليمان بن خالد بن الوليد جدد سنة 1319".
أما الواجهة الغربية فتؤدي إلي روضة المسجد ويعلوه هذه اللافتة المدون عليها جملة “جدد هذا المسجد المبارك في عصر الخديوي مصر عباس حلمي أدام الله أيامه سنة 1319 هـ”.
أسطورة النسب لخالد بن الوليد
وبحسب وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية في الاسكندرية، فإن هناك خلطا لدي الناس حول هوية صاحب الضريح بالمسجد الذي نسب إلى الصحابي خالد بن الوليد، مؤكدا أن هذا مجرد تشابه أسماء ولا صلة له بالصحابى الجليل، إنما هو أحد كبار الأئمة القدامى المُلقب بـ"زين الدين"، وأصله من المغرب الأقصى وجاء به والده إلى الإسكندرية وهو صغير، واستوطنها ونبغ فى علم الحديث، وكان يلقي دروسه فى هذا المسجد واتخذه مسكنا له إلى أن توفى في 14 ذي الحجة من سنة 717 هـ، فدفن فيه.
وأكد "قاسم" أن هذا المسجد له مكانة خاصة لدي الصوفيين من أتباع الطريقة الشاذلية، فسيدي أبو الحسن الشاذلي، مؤسس الطريقة الشاذلية، كان يلقي دروسه في هذا المسجد، وكذلك سيدي المرسي أبو العباس.
وأشار إلي أنه خلال فترة الاحتلال الإنجليزي، تم العثور على تابوت من العصر الفرعوني رجح أنه يرجع إلى الملك "نختنبو الثاني" أخر الملوك الفرعونية، وحتي الآن لا يعلم أحد كيف جاء تابوت فرعوني إلى الإسكندرية حيث لم تكن المدينة ذات حضارة فرعونية قبل تأسيسها على يد الإسكندر المقدوني.
ومن أشهر الأساطير المعروفة بين السكندريين عن أعتقاد البعض أن أسفله دفن الإسكندر الأكبر، ولهذا السبب تم عمل حفائر أكثر من مرة أسفل المسجد، وبالفعل تم العثور على تمثال كبير مقطوع الرأس يعود للإمبراطور "دقلديانوس"، ويتواجد الآن في ساحة العرض الخارجي في مقابر كوم الشقافة.