مشروعات التنسيق الحضاري ما بين الضرورة والرفاهية وإهدار المال العام
لم يعد التنسيق الحضارى نوعاً من الرفاهية، ولكنه ضرورة لإظهار جمال المدن والدول بشكل عام، فمحاصرة العشوائيات وتضييق الخناق عليها أصبح ضرورة هامة بل وملحة.
فمشروعات تطوير العشوائيات والتنسيق الحضارى الذى شهدتها مدينة القاهرة هو عودة لجمال سابق بهتت عليه العشوائيات، وماحدث فى عين الصيرة وحالياً مثلث ماسبيرو شيء يدعو إلى الفخر، حيث شهدت منطقة عين الصيرة بمصر القديمة تحولا كبيرا انعكس على الشكل الجمالى، وخاصة بمحيط متحف الحضارات وهى أعمال تطوير حولت المنطقة 180 درجة من النقيض للنقيض، ما جعلها من أفضل المناطق السياحية، حيث تم تطوير بحيرة عين الصيرة، ومحيطها وإنشاء عدد من المطاعم والكافيهات وإنشاء مساحات كبيرة من المسطحات الخضراء، وهو عكس ما حدث بدمياط، حيث تم إزالة اعمال تنسيق حضارى وتطوير كلفت الدولة أموال طائلة ،ولم يمضى عليها مابين 10 إلى 15 سنة لكى يتم تغيير ألوان الانترلوك والبلاط وزيادة مساحة الأرصفة على حساب حرم الطريق بتكلفة إجمالية 200 مليون جنيه طبقا لتصريحات محافظ دمياط.
مشروعات التنسيق الحضارى والتطوير مطلوبة ولكن لابد أن يكون هناك دراسة ومشاركة مجتمعية قبل تنفيذ أى مشروع ودراسة التكلفة والعائد الاقتصادى والحضارى لكل مشروع على حدة ، ومثال على ذلك مشروعى التنسيق الحضارى بمدينة دمياط فالأول هو مشروع التنسيق الحضارى لطريق الترعة الشرقاوية أو طريق " الدكتور على مشرفه " فهذا الطريق تم تطويره على عدة مراحل تشمل تغطية الترعة الشرقاوية وتجميلها وشق الطريق وتنظيم الأرصفة وكانت آخر مراحله قبل ثورة 25 يناير مباشرة وافتتحه الدكتور أحمد نظيف رئيس وزراء مصر الأسبق وهو المشروع الذي غير وجه المنطقة إلى 180 درجة بعكس ما يجرى حالياً .
وعلى الرغم من أن هناك أجزاء كبيرة بترعة الشرقاوية مازالت بحاجة لتغطية وتطوير، إلا أن قرار مسؤولى المحافظة جاء بنسف هذا المشروع وإعادة تنسيقه مره أخرى وبشكل أثر سلباً على حركة المرور في الطريق المكتظ بحركة السيارات وتوسيع الأرصفة على حساب حرم الطريق ، وهو الأمر الذي لم يلقى قبولاً عند المواطنين ، وخاصة وأن تطوير ورصف طريق الدكتور على مصطفى مشرفة "الترعة الشرقاوية" بطول 7.5 كم بتكلفة إجمالية 160 مليون جنيه.
.
أما المشروع الثانى فهو تطوير طريق كورنيش النيل والذى لم يمر على إنشاؤه 15 عاما والذي احدث حينها دويا كبيرا نظراً لتكلفته الكبيرة حيث تم ردم نحو15 متراً في حرم النيل بطول 3 كيلو متر ما عرف حينها بتدعيم جسر نهر النيل بسواتر معدنية بسبب وجود انهيارات طينية كادت تؤدي لانهيار المنازل الموجودة على الكورنيش وهو ما حدث فعلاً بأحد العقارات ، وبعد الإنتهاء من الكورنيش وزيارة رئيس الوزراء والسيدة سوزان مبارك وتم إختيار مدينة دمياط كأجمل مدينة حينها وتم تكريم الدكتور محمد فتحى البرادعى محافظ دمياط الأسبق بإيطاليا بسبب هذا المشروع، إلا أن أهالى دمياط، فوجئوا بإزالة الأرصفة والأعمدة الديكورية التى تم استيرادها خصيصاً لهذا المشروع وتم كشط الأسفلت تمهيداً لرصفه مرة أخرى بطول 3 كم بتكلفة 40 مليون
وآثار هذان المشروعين حفيظة أهالى المحافظة ، وهو ما أوضحته مواقع التواصل الاجتماعي ، وخاصة مع إجمالى تكلفتهما البالغة 200 مليون جنيه حيث ان الطريقين كانا بحاجه فقط لطبقة أسلفت، وكان من الأفضل استكمال عمليات تغطية الترعة التى تجرى حالياً وبدلا من تغطية 500 متر بقرية الخياطة كان من الممكن زيادة المسافة التي تحتاج لتغطية، وهو نفس الحال لكورنيش النيل فهو فى أمس الحاجة لاستكمال طريق الكورنيش بداية من منطقة الدعائم.
ومع تسليمنا أن مشروعات التنسيق الحضاري لم تعد رفاهية، بل أصبح ضرورة تفرضها النهضة الشاملة التي تشهدها مصر حاليا، ولكن مع ظهور فيروس كورونا وتأثر العالم أجمع وليس مصر أو محافظة دمياط فقط ، كان لابد من تحديد الأولويات، في ظل نشاط اقتصادي منخفض و قلة الموارد، كان يتعين على الحكومة أن تنفق ميزانيتها بحكمة على المشروعات المفيدة والمجدية والتى تعود بالنفع على مواطنيها ونؤجل نغمة هذه منحة وهذه مخصصات لا ينبغي إنفاقها بغير موضعها.
فمصر بحاجة حالياً إلى سياسة رشيدة ، وأطر قوية ترتكز عليها أعمال التخطيط والتنفيذ اللازمة لمشروعات عالية الجودة في مجال البنية التحتية العامة.
فهل يعقل أن تكون حالة الطرق بالمحافظة سيئة ، وهناك طرق كطريق المحور يحتاج لاستكماله ليكون محوراً مروريا هاما، ونضع ملايين الجنيهات فى مشروعات لا فائدة منها وقد تم إنشاؤها وتطويرها منذ سنوات قريبة ، وخاصة وأن أعمال التنسيق الحضاري جاءت باهظة التكلفة وضعيفة الجودة ومحدودة المنافع بالنسبة لأهالي المحافظة، وكلها مشروعات بمثابة أرض خصبة للفساد والتأخير والتجاوز في التكاليف ، وكان على أجهزة الدولة التدخل للحد من هذا الإهدار فى المال العام.
فمشروعا كورنيش النيل وطريق الترعة الشرقاوية عندما تم إنشاؤها منذ سنوات أحدثا تنمية غير مسبوقة وغير الشكل الحضاري لمدينة دمياط وأحدثا نهضة وتنمية عمرانية غير مسبوقة وارتفعت قيمة الأراضي والعقارات، بعكس ما يجرى حالياً.
فدمياط كانت بحاجة لمشروعات تساهم فى خلق الفرص الاقتصادية للجميع ،فدمياط التى كان يطلق عليها يابان مصر وكويت مصر وكان قطار السابعة صباحاً يحمل آلاف العمال يأتون لدمياط كل يوم للعمل، أصبحت دمياط طاردة للعمالة والمواطنين على حد السواء ، بل اضطرت سيدات البيوت للخروج من منازلهم كل صباح للعمل بمنطقة الاستثمار ببورسعيد.
خلاصة القول، أنه كان من الممكن، استغلال الملايين التى تم إنفاقها فى مشروعات التنسيق الحضاري بدمياط، فى مشروعات استثمارية تعود بالنفع على مواطنيها.