الإثنين 23 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

"داعش" وعقوبة الحرق

الإثنين 10/مايو/2021 - 08:46 م

 

في تاريخ المسلمين شهدت مدن وممالك وأمصار وبلدان على مدار التاريخ الإسلامي عجائب تجل عن الحصر والوصف في القتل تغريقـًا أو إغراقـًا، خصوصـًا في زمان الدولة الأموية، والدولة العباسية، والأندلس.

وكأن "فقهاء" داعش التعساء الضعفاء يفتحون كتب التراث، لينقلوا ما فعله أمثالهم في التعذيب وطرائقه وأساليبه وألوانه، ومن يقرأ كتب: تاريخ الأمم والملوك أو تاريخ الرسل والملوك المعروف بـ"تاريخ الطبري"، وسيرة عمر بن عبدالعزيز لابن الجوزي، وكتاب العيون والحدائق في أخبار الحقائق، وتاريخ ابن خلدون، وكتاب الأغاني، ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني، وكتاب الولاة وكتاب القضاة للكندي، ونشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي، وتجارب الأمم وتعاقب الهمم لابن مسكويه، والكامل في التاريخ لابن الأثير، ومروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي، والوافي بالوفيات للصفدي، ووفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي، وتاريخ الدول والملوك المعروف بتاريخ ابن الفرات، والعقود اللؤلئية في تاريخ الدولة الرسولية للخزرجي، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن تيمية، وكتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر المعروف بتاريخ ابن خلدون، وبدائع الزهور في وقائع الدهور لابن إياس، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب المؤلف لابن العماد، ونزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان للصيرفي، وعجائب الآثار في التراجم والأخبار المعروف بتاريخ الجبرتي، وخطط الشام لمحمد كرد علي، سيدرك أن التغريق يتكرر بحذافيره، فيما زاد عليه تنظيم "داعش" أمر التصوير الاحترافي بالفيديو، والقفص الحديدي الذي يغلقه أحدهم بقفلٍ، والذي وُضع فيه الأسرى العراقيون الأربعة في 2015، وتوحيد الزي الذي يرتدونه، وهو اللون البرتقالي لمن سيتم تغريقهم.

ولا يخفى على المتأمل أن كثيرًا من القضايا الخلافية الكبرى التي أثيرت في واقع العمل الإسلامي المعاصر، كانت بسبب نقولات كثيرة من كتب التراث وتفسيرها وفق ما تراه فصائل الجماعات الإسلامية المتعددة وبالذات السلفية منها. إن التراث والنقل عنه مع إلغاء عنصر الزمان هما نقطة الاختناق الأولى التي تعاني منها تنظيمات إسلامية مختلفة اعتنقت الفكر المتشدد ثم وقفت عائقـًا أمام جهود تجديد الخطاب الديني.

والقتل الوحشي أو التعذيب حتى الموت جريمةٌ لها جذور تاريخية، تختلط فيها العقوبة بالإيذاء والسجن.

أخذت عقوبة الإعدام شكلين عند القدماء، هما الإعدام السريع، وهو غير مصحوب بالتعذيب، وكان إما بالشنق أو بقطع الرأس بسيف ذي حدين. وتُوقع هذه العقوبة في حالات ممارسة السحر بطريقة غير مشروعة، وانتهاك حرمات المعابد أو رجال الدين، أو أية جريمة تمس الدين، والتقاعس عن الكشف أو التبليغ عن المؤامرات التي تُحاك ضد الفرعون، وعدم إطاعة أوامر الملك، والقتل والخطأ في ممارسة قواعد الطب، والحنث باليمين والبلاغ الكاذب والخطف، وفي بعض حالات الكذب، وكذلك من يشاهد جريمة قتل ولا يساعد الضحية إذا كان يستطيع ذلك؛ إذ كان يعتبر موقفه السلبي نوعـًا من الاشتراك في القتل. كما كان هذا النوع من الإعدام مصير كل من لا يقدم إقرار الذمة المالية أو يقدم إقرارات مزورة، أو في حال تقديم إقرارات لمصادر دخل غير مشروعة. وكان يعاقب بالإعدام أيضـًا قاتل الحيوانات المقدسة عمدًا.

أما النوع الثاني من التعذيب فكان الإعدام المصحوب بالتعذيب، وتعددت صوره وأشكاله، وكان للقاضي مطلق الحرية في اختيار طريقة التعذيب. فكانت عقوبة التعذيب بالنار تطبق على الزانية أو العاهرة التي تنتمي إلى الطبقات العليا في المجتمع، ثم تغيرت إلى قطع الأنف، أما الزاني فعقوبته الجلد 1000 جلدة علنـًا.

أما النوع الثاني فكان الصلب. كانت هذه الطريقة تطبق بحق الخونة والمتمردين، ولو مات المجرم قبل تنفيذ حكم الإعدام فإنه لا بدّ وأن يصلب، وقد أخذ المصريون هذه الطريقة عن بلاد فارس.

الحرق حيـًا أو المشي على الأشواك، كان عقوبة قتل الوالدين؛ إذ كان المحكوم عليه يودع في غرفة ليس بها أي منافذ، ويترك دون طعام، ثم يسقط عليه رماد متوهج من أعلى كالأمطار على مدار أيام حتى يختنق تمامـًا ويموت محروقـًا، وكان الإعدام يتم تنفيذه علنـًا، واستوردت هذه العقوبة من آسيا، حيث كانت تطبق على الزاني والزانية. ويشير هيرودوت إلى أن الملك سيزوستريس أحرق عددًا كبيرًا من النساء؛ لأنهن خُن ميثاق الزوجية. 

كما أشار ديودور الصقلي إلى أن عقوبة الحرق مشيـًا على الأشواك مصحوبة بالتعذيب كانت عقوبة قتل الوالدين حتى يتألم الابن القاتل الذي نزع الحياة ممن وهبها له، وأحيانـًا تقطع أطراف قاتل والديه. أما في حالة قتل الأبناء فكان العقاب على الأب والأم نفسيـًا محضـًا؛ إذ كان الأب والأم القاتلان يحتضنان ابنهما المقتول لثلاثة أيام وثلاث ليالٍ وسط الحرس (رجال الأمن العام) الذي كان يحيط بهما. 

في عهد بني العباس صار عزل الخليفة وقتله ذبحـًا أو عصرًا لخصيته أمرًا مألوفـًا، وغالبـًا ما كان يتم سجن الخليفة بعد عزله بغرض قتله، ولم يكن ذلك ليتم إلا بعد تعذيبه وإهانته. قد نشطت حركة بناء المطامير في عهد الخليفة (المعتضد)، وهي عبارة عن حُفر في الأرض تتخذ للتخلص من المسجون، وذكر أن المعتضد إذا ما غضب على قائد أمر بإلقائه في حفرة وردم عليه وهو حي!

وفي الحقبة العباسية الأولى، انتشر تعذيب الخصوم السياسيين بأشكال أشد قسوة وأكثر ضراوة لكونه يمس مصالح ولاة الأمر بشكل مباشر. تعذيب يؤدي في أغلب الأحوال إلى الموت. ويقول المؤرخ ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ": إن الخليفة القاهر حفر نحو خمسين مطمورة تحت الأرض وسجن بها بعض القرامطة الذين قبض عليهم. وقد قام الخليفة المكتفي بالله محمد بهدم تلك المطامير وأقام مكانها مساجد.

 

تابع مواقعنا