الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الأساطير لا تُصنع في الملاعب!

الأربعاء 12/مايو/2021 - 03:45 م

 

حين سُئل اللاعب البرازيلي الشهير "ريفالدو" لماذا تألق هو في حين أن لاعبا آخر ماهر مثل "دينيلسون" سرعان ما اختفى، كانت إجابة "ريفالدو" أنه أراد أن يصبح لاعب كرة عالميا أما صديقه "دينيلسون" فأراد أن يُصبح مليونيرا.

تلك الإجابة الملخصة والموجزة تشير إلى أن كل لاعب يختار طريقه وينجح فيه، لكن الإجابات لا تقتصر على خيارين لأن هناك خيارا ثالثا أكثر صعوبة وتكلفة، يتطلب الصدق، الاتساق مع النفس، والأهم تحمل النتائج والطعنات لأن الطريق سيكون صعبا لكن النتيجة لا يضاهيها ثمن، الخيار الثالث هو أن أصبح أسطورة وليس مجرد لاعب كرة.

بالطبع لكل لاعب خياراته، لا أحكر على أحد فيما يريد حتى من يريدون من وراء كرة القدم "المال" فقط ضاربين بالجماهير عرض الحائط، هذا ليس ترفعًا مني لكن لأنني أؤمن أن الأمر متبادل، فمن يريد المال لن يجد جمهور ومن يريد اللعب سيجد مكانه في المدرجات ومن يريد أن يصبح "أسطورة" سيظل خالدًا في القلوب حتى بعد أن يغادر المستطيل الأخضر.

أقول ذلك بمناسبة المطالبات التي طالبت اللاعب محمد صلاح، نجم نادي ليفربول الإنجليزي والمنتخب الوطني بعد أن تأخر في دعم الفلسطينيين الذين يتعرضون لعدوان من جانب الكيان الصهيوني، خاصة أن لاعبين كثر سبقوا صلاح في الإدانة أمثال رياض محرز وغيره.

وحتى لا نُحمل البعض ما لا يطيق، أو ما لا يريد، لكن عليّ أن أوضح أن كثيرًا من اللاعبين ليس لهم أي مواقف واضحة خارج المستطيل الأخضر، وهؤلاء يظلوا على الدوام "لاعبون عالميون" لكن أن يصل الأمر لتوصيف "الأسطورة" فهذا يتطلب مواقف أبعد من كرة القدم التي يشجعها مئات الملايين من المشجعين حول العالم لكن أيضًا لا يتابعها مئات الملايين من ساكني هذا الكوكب.

لذلك حين نقول أن "مارادونا" لاعب أسطوري لا يتعلق ذلك بمهارته الكروية الفذة، ولا بإنجازاته الكروية التي لا يضاهيها أي لاعب حتى الآن، فلو كان الأمر كرويًا لظل "مارادونا" لاعبًا عظيمًا، لكنه "دييجو" الذي انحاز إلى الفقراء منذ أول يوم في حياته الكروية باللعب في نادي "بوكا جونيورز" العمالي رافضًا نادي "ريفير بليت" البرجوازي.

مارادونا أصبح أسطورة لأنه وقف ضد استغلال الفقراء وتضامن معهم حين لعب في أنديتهم "نابولي"، كما وقف ضد احتكار اللاعبين مقابل ملايين البث التلفزيوني للمباريات فطالب بظروف أحسن للعب بغض النظر عن مواعيد البث التي كانت تفرض عليهم اللعب تحت الشمس الحارقة لأن ذلك يناسب موعد الغروب للدول التي اشترت حقوق بث المباريات، بل ووصل الأمر لشروع "مارادونا" في تأسيس نقابة دولية للاعبين وهو ما دفع ثمنه غاليًا بالانتقام منه في كأس العالم 1994 حين عُرض مشهد احتجازه في بث مباشر شاهده الملايين.

"بيليه" أيضًا أسطورة ليس لكونه اللاعب الذي سجل ألف هدف في الملاعب، بل لكونه المحارب للعنصرية في بلد كانت تلجأ لـ"دهان" وجه اللاعبين السود بلون أبيض كي يتمكنوا من اللعب داخل المستطيل الأخضر.

هنا يأتي دور "بيليه" المتخطي لفكرة الأهداف والمهارة والبطولات، لقد كسر الفتي الأسمر تلك القواعد التي كانت تحتقر "السود"، بل ومن خلال الكرة استطاع فرض أسلوب "الحواري" الذي تعلمه في شوارع البرازيل ضد التعليمات الإنجليزية في الكرة فنجح وأوصل بلاده لأفضل البطولات هذا من ناحية، لكنه من ناحية أخرى أوصل صوت هؤلاء القادمين من الشوارع الفريقة ليرقصوا "السامبا" في الملاعب ويصبح ليس كمثلهم شيء في تلك اللعبة.

الأساطير ليس لها زمن، فخلال السنوات الأخيرة كان هناك مواقف جعلت من بعض اللاعبين أساطير مثل كريستيانو رونالدو الذي دعم أطفال غزة حين تعرضوا لعدوان إسرائيلي في 2014، وفي مصر لدينا النجم محمد أبو تريكة، الذي أعلن دعمه للقضية الفلسطينية فصار بجانب بطولاته "أسطورة" خالدة في القلوب.

لا يتعلق الأمر بقضية بعينها وليس هذا حديث عن فلسطين فقط، بل في الفرق بين اللاعب العالمي والأسطورة، فالأول عليه التسجيل والمهارات والفوز بالبطولات، أما الثاني فعليه بجانب كل ذلك تبني قضية يتجاوز بها المستطيل الأخضر، تلك القضية يجب أن تتسق مع المبادئ الإنسانية، كرفض العنف، مقاومة الظلم، الرفق بالحيوان، الجهر برفض العدوان ومنطق الغابة الذي يسود العالم، وتقديم كافة الدعم الممكن.

لأنه في النهاية سينسى كثيرون الأهداف، بل وهناك من لن يراها أصلًا إذا كان غير محب لكرة القدم، لكنه لن ينسى موقفا رفض فيه لاعبٌ الظلم بكل ما يعود ذلك عليه من عواقب، الأساطير لا تصنع في الملاعب.

تابع مواقعنا