الإسلام وما اتخذه العالم من إجراءات احترازية
حين اجتاح فيروس كورونا المستجد العالم ليترك أثاره الرهيبة ظلالا قاتمة على حياة الناس، ويخلف ارتباكا في كل الأوساط السياسية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية بشأن التعامل مع تلك الجائحة التي لم تر البشرية أشرس منها في العصر الحديث، لم يكن علماء الإسلام مضطرين للارتباك أو حتى الاجتهاد من جديد لابتكار أدوات عصرية للتعامل مع تلك الأزمة وتكييفها الشرعي في المجال العبادي والاجتماعي والعام، فقد سبق الإسلام منذ بزوغ نجمه في رؤيته الواضحة تجاه الأمراض ومسبباتها وطرق التعامل معها، وقد سن قواعد راسخة لازالت صالحة على مدار الزمان والمكان للتعامل مع الأمراض المعدية والجوائح التي تصيب البشر، بل وفصل في ذلك البيان النبوي الذي لا ينطق عن الهوى وأبان للناس وسائل الوقاية الناجعة، وشرع رخصًا وأمورًا تحمي العبادة وأنشطة الحياة من أن تكون ساحات لانتشار المرض والعدوى.
سن الإسلام مبدأ الحجر الصحي وهو عزل المريض الذي لا يرجى شفاؤه عن الناس، كما أقر عدم مصافحته أو الاختلاط به، فقد جاء إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وفد من البادية كي يبايعوه، وكان بينهم رجل مصاب بالجذام، فرفض الرسول "صلى الله عليه وسلم" أن يدخل المجذوم إلى مجلسه أو أن يبايعه بيده، وأرسل إليه أنا قد بايعناك فارجع، ونجد في هذا تغليبًا لقاعدة الإسلام الراسخة "لا ضرر ولا ضرار" وتنبيهًا لخطورة العدوى وأهمية الحماية منها عبر اتخاذ الإجراءات الاحترازية، فالحياة أغلى من العاطفة والمجاملات، وليست هذه حادثة خاصة، بل إن الرسول "صلى الله عليه وسلم" نصح الناس بقوله: "اجعل بينك وبين المجذوم قدر رمح أو رمحين".
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم منبها إلى خطورة انتقال مسببات المرض عبر الهواء والغبار "اتقوا الذر فإن فيه النسمة" والذر هو الهواء المحمل بذرات الغبار، والنسمة هي مسببات الأمراض التي تنتقل عن طريق التنفس، ونهى "صلى الله عليه وسلم" عن البصقة على الأرض في المسجد وأمر بردمها، وهذه التوجيهات النبوية جميعا سبقت في التحذير من العدوى ومسبباتها والحث على اتخاذ إجراءات وقائية منها.
ومن تعاليم الإسلام الوقائية أيضاً، عزل المريض بالمرض المعدي في البيت أو المستشفى وعدم اختلاطه بغيره من الأصحاء حتى لا ينقل إليهم العدوى.. فإذا كان عاملاً في مصنع أو تلميذاً في مدرسة أو راكبًا في المواصلات العامة فعليه إذا كان مريضاً مرضاً معدياً أن يراعى الله في صحة الناس وأن يعتزل مجالسهم ولا يختلط بهم حتى يشفيه الله وحتى لا يبلى غيره بالمرض. وفى نفس الوقت الذى يأمر فيه الإسلام بعزل المريض المعدي وعدم دخوله على الأصحاء فإنه يأمر الأصحاء بدورهم بالبعد عنه إلى أن تزول عنه مظاهر العدوى ويصبح غير ناقل للمرض وقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يوردن ممرض على مصح) أي لا يدخل إنسان مريض بمرض معدى على إنسان سليم فيسبب له العدوى بالمرض.
وهكذا نرى أن الإسلام منذ البداية وعبر قواعد العامة وتفصيلاته البينة قد صنع لنا إطارا محكما للإجراءات الاحترازية التي يجب أن نتخذها في أي جائحة أو ضد الأمراض المعدية عموما، وترك لنا الاجتهاد وفق أدوات العصر في اتخاذ ما يلزم لتعزيز تلك الوقاية التي أمر بها.