الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الفرصة.. قصة قصيرة لمنى حسين

منى حسين
ثقافة
منى حسين
الثلاثاء 18/مايو/2021 - 07:27 م

حين سمعت جرس الباب انتفضت من مكاني، لا أعلم لمَ انتفضت، فربما يكون البواب أو أحد الجيران، المهم أنى أسرعت إلى الباب وفتحته، وما إن فتحته وجدتها، بوجه كالقمر أو أكثر إشراقا منه، وددت لو ضممتها لصدري عدة شهور لم أرها، أنا من أغضبتها، أنا من عنفتها، وأعلمتها أننا لم نعد واحدا، فقد كانت نفسى التي أعيش بها، لكنها استجابت وابتعدت دون نقاش.

عشت هذه الشهور لا أعلم كيف عشتها، فقد كنت كالإنسان الآلي، لا أستطيع الابتسام وإن حدث وابتسمت أكون قد رسمتها على شفتي، لم أتوقف عن لوم نفسي على ما فعلته بها، أعرف أنها تصمت حين أغضبها، لكنى أرى حزنها، في كل صورة تنشرها على صفحتها على الفيس بوك، أرى شحوب وجهها، وغياب ابتسامتها.

أشعر بالحزن لأجلها، لكني كعادتي لا أتصل بها وأعتذر، ضميري يؤلمني، لكني لا أغير من نفسي لأجل أحد، وأتعجب لمَ لم تحدثني؟ فقد اعتدت منها أن تسأل عني مهما أغضبتها، لكنها هذه المرة، وكأنها كانت تنتظر قراري لتسارع وتنفذه مما أغضبني، لكني لم أستطع ففي يوم عيد ميلادها لم أستطع أن أمنع يدي من أن أرسل لها، كعكة عيد الميلاد على صفحتها، لكني أيضا لم أستطع أن أحدثها.

أعلم أنى جاف الطبع، لا أمطرها بالمديح وكلام الحب، وإن لامتني أقول لها: الحب تصرفات وأعمال، الحب ليس بالكلام، فتصمت، وفي عينيها نظرة استفهام، على مدار هذه الأعوام التي قضيناها معا لم أستطع أن أغير فيك، فأقترب وأقبل يديها، وأضمها لصدري، متسائلا: هل الكلام يفعل بها ما يفعله احتوائي لها؟ لا أعلم لم تحب النساء أن تسمع كلام الحب؟

اليوم جاءت هي ببابي أدخلتها، وجلست جلستها المعتادة، وعيناها تمطرني باستفهامات وتعنيف لم أره من قبل، حاولت الاقتراب منها لكنها ابتعدت حتى لا أُؤثر عليها، أنا لم أعتد الاعتذار، لكني سألت نفسي لم أتت؟ وهي ما زالت غاضبة مني، كعادتي سألتها ماذا تشربين؟ نظرت لي نظرة لم أفهمها، فقمت من مكاني لأعد لها الشاي الذي اعتدت أن أصنعه لها، وعدت متلهفا لسماع صوتها، لكنها لم تنطق.

- إزيك، إيه أخبارك؟ 

- قالت: الحمد لله، أنا بخير. 

- وعملك؟

- قالت: لا جديد.

   حاولت جاهدا أن أنتزع منها أي كلام، إلى أن نطقت لتسألني: لمَ فعلت هذا؟ لا أعرف بماذا أرد، ربما لأنني كلما اشتقت إليها أفتعل مشكلة حتى تأتي وتسترضيني، هل ستقتنع؟ لا أظنها سترضى بسهولة.

   حاولت مجددا الاقتراب منها وتقبيل يديها، لكنها سحبتها من بين يدي، وما زال حديث عينيها يؤلمني، سألتها لماذا لم تحدثيني طيلة هذه الشهور؟ أنا كنت مريضًا وحالتي النفسية سيئة، كان يجب عليكِ أن تتحملي غضبي، أنا لم أفعل شيئا هما كلمتان، وكأنك كنت تنتظرين موقفي هذا لتبتعدي، وترحلي وتتركيني وحيدا حزينا، أنت هدية السماء لي في عيد ميلادي، وأنا كما قلتِ طوق نجاتك من حياتك الحزينة، لماذا؟ طال حديث العيون.

لكنها نهضت لتلملم أشياءها وتستعد للرحيل، سألتها ماذا تفعلين؟ 

قالت: أبداَ أستعد للرحيل .

إنك لم تجلسي معي .

قالت: نعم لكني اطمأننت عليك، أظنك أفضل بعيداَ عني، فقط جئت لأودعك. 

لماذا؟ 

قالت: سأسافر في المساء، وربما لا أعود، ففضلت أن أراك قبل السفر، حتى لا تلومني نفسي لأني لم أعطك فرصة لتعرفني لمَ فعلت هذا؟ لكنك لم تفعل.

انتظري اسمعي، كنت دونك كأهل الكهف، أتقلب يمينا وشمالا، لم أكن أشعر، لم أكن أحيا.

فسألتني: لماذا لم تعتذر؟

كنت أريدك أن تأتي ربما تكون لحظة الوداع قبل إجراء العملية الجراحية التي أقرها الطبيب لي، لكن غضبك منعك من الحضور لرؤيتى، لقد جف قلبك لم يعد نبعا للحب الذى نما وكبر بيننا. 

اقتربت منها وقبلت يديها وضممتها لصدري، لم أدر سيل الدموع الذى انهمر من عينيها، حاولت جاهدا الاعتذار، انهارت بين يدي، وترقرقت الدموع بعيني أنا أيضا، وسألت نفسى، كيف استطعت أن أغضبها وهي من سكنت قلبي وتمددت به، وهي رفيقة الروح التي تفهمني قبل أن أنطق، أحسست وقتها بمدى جرحها، جففت دموعها، ولم أدر ماذا حدث، لكني سمعت جرس هاتفي، فهناك عميل في الطريق إلىَ، ويجب أن أعد له الرسومات الهندسية للبناية التي يريد إنشاءها.

كان حلما تمنيت لو تحقق، لكنى قررت أن أتصل بها وأعتذر، كيف سأعيش إن هي قررت الفرار بحبها؟ ماذا إن اقترب منها من يعوضها عنى ويتزوجها، سأموت إن رحلت، ربما هذا الحلم رسالة من السماء كى أستعيد حبها، سأتصل بها، لكن هاتفها مغلق، ربما نائمة، ربما في اجتماع.

سأتصل ثانية وثالثة، مر يومي ولا يشغلني أي شيء عن مهاتفتها، وما زلت ألوم نفسي على ما فعلت بها، هي حبيبتي التي أعادتني للحياة، هي من سعدت بصحبتها، هي من بثت في الروح والأمل، هي جميلة الجميلات، التي يحسدني عليها كل من يرانا معا، لا أعلم أين هي الآن، لو كنت أعلم لذهبت لها وضممتها لصدري، لن أسمح لها بالغياب عنى ثانية، سنذهب معا للمأذون ونعقد قراننا، لن أتركها تضيع منى سأتزوجها، لن أفرط فيها أبداَ.

    فإذا بجرس الباب يرن، إنه أكيد العميل، ذهبت أفتح الباب، فإذا بحبيبتي أمامي الآن أنا لا أحلم، قبلت وجنتيها ويديها، وبدلا من أن أدخلها المكتب خرجت بها لنذهب إلى المأذون، فلن أصبر ثانية على فراقها، ولن أتركها تسافر بعيدا عنى، سأقيدها برباط مقدس به تكون أمامي حتى وهى غاضبة منى، فرحة أو حزينة، سنكون معا، لكنها استوقفتني، إلى أين ستذهب؟ قلت إلى المأذون، فأشارت إلى يديها، ووجدتها تلبس خاتم زواج. 

سألتها: ما هذا؟

قالت: لقد تزوجت الطبيب الذى يعالجني، فقد ألمني جرحك، وعانيت كثيرا مع مرض قلبي الذى أنهكه حبك .

لمَ فعلت هذا؟ لماذا لم تأتِ كما فعلتِ اليوم؟ 

كنت مريضة جدا، والآن جئت أطمئن عليك وأودعك، سوف أسافر مع زوجي إلى أمريكا، ربما تكون رحلة علاج، أدعُ لي أن أشفى، ولنكن أصدقاء، فالصداقة لا تموت ولا تنتهي، كاد يغشى علىَ، لكنى استسلمت لإرادتها وباركت زواجها، ودعتها ورحلت.

لكنى بعد شهر حين دخلت على صفحتها على الفيس بوك، وجدت نعياً لها، لقد رحلت، رحلت بعد أن ودعتني، رحلت نتاج ألمى لها، أنا من أحببتها، لكنى لم أجد التعبير عن حبى، أنا من قتلتها بغلظتي، وتعنيفي لها، وهى كزهرة رقيقة الأوراق تؤلمها نسمة الهواء، وربما تجتثها، لُمت نفسى كثيراً، لكنه البكاء على اللبن المسكوب ، فهي لن تعود أبداً.

  عشت أيام الحداد بكل ما فيها، حتى قبرها لا أعرف مكانه لأزورها، وأضع عليه الزهور التي تحبها، مرت الأيام والحزن يقتلني على فراقها ورحيلها .

   وفى أحد الأيام  كنت وحيدا بمكتبي، سمعت جرس الباب يدق، قمت متكاسلا، أجر قدمي جراَ، فأنا لست من الأحياء، بل أكاد أكون ميتاَ، لكنى وحيد، لو مت بجوارها ما أحسست بهذا الإحساس،  فتحت الباب فإذا بها أمامى، أغمضت عينى وفتحتها مرات ومرات، إنها هى، هل أنا مع الأموات الآن أم ماذا ؟ كاد يغشى علىَ، لاحقتنى: إزيك ، إيه أخبارك ؟ عامل أيه ؟ إنها هي منى قلبي.

 سألتها كيف؟ 

قالت: كيف ماذا؟

لقد قرأت نعيك وإنك رحلتِ عن عالمنا.

قالت أنا لم أرحل، من رحل هو زوجي، الذي مات فجأة، بعد يوم عمل مجهد أنا من نعيت زوجي على صفحتي .

 قلتُ لها كدت أموت أو أنتحر، حين قرأته، وجعلت مكتبي قبراً لي، أغلقته على نفسى وهاتفي معظم الأوقات مغلقا .

قالت : حاولت الاتصال بك كثيراً، لكنه كان مغلقاً، حتى الفيس بوك هجرته، فكلما كتبت لك، لا أجد رداً، وأرى أنك لم تقرأ رسالتي، كل هذا ويفصلنا الباب. 

إلى أن ابتسمت، وحاوطتها بذراعي وضممتها لصدري أنتى الآن حقيقة لا حلم. 

قالت: نعم ، ثم ماذا؟

قلت: لن أتركك تذهبين وتضيعين منى ثانية. 

قالت: لقد مرت خمسة شهور على وفاة زوجي.

قلت لها: لدينا مشوار الآن سنذهب إلى المأذون، لن أدعك تضيعين منى ثانية، وانطلقنا نحقق الحلم قبل أن يتسرب من بين أيدينا.

تابع مواقعنا