حرب الإبادة الصهيونية ودموع التماسيح
ما تقوم به قوات الاحتلال الصهيونية على مرأى ومسمع من العالم بدوله الكبيرة، التي تقيم الدنيا ولا تقعدها عند إصابة مستوطن غاصب أو جندي صهيوني مدجج بالسلاح بحجر صغير من طفل فلسطيني قبل أن يلقى مصرعه على إثرها بوابل رصاص الصهيوني المدجج بالسلاح، حيث لا يذكر الصريع الفلسطيني كبيرًا كان أو صغيرًا؛ بينما تهتز هذه الدول وتنتفض إداراتها ومنظماتها تأسيًا على المسكين الصهيوني الغاصب الذي راح ضحية الإرهاب الفلسطيني!، والمتابع عن كثب لتصريحات هؤلاء الكبار يلاحظ أنها تطالب بالتهدئة عندما تشتد ضربات الفلسطينيين على الصهاينة.
وبينما يلزمون الصمت حين يرون أسراب الطائرات التي زودوهم بها وبصواريخها تنهال فوق رؤوس المدنيين في غزة وغيرها من الأماكن الفلسطينية، حيث يعتبرون ذلك من الدفاع المشروع ضد الإرهاب الفلسطيني!، وهذا منطق قديم منذ أيام الجاهلية الأولى، حيث سئل أحدهم عن العدل فقال: العدل هو أن أغير على جاري فآخذ غنمه! فقال السائل: فما الظلم؟: قال: أن يُغير عليّ جاري ليسترد غنمه! أليس هذا هو عين ما يحدث بين الصهاينة والفلسطينيين؟، أليس هذا ما تؤكده القوى الموصوفة بالكبرى التي جعلت من نفسها شرطيًّا لم يكن منصفًا يومًا، وإنما يملك أكثر من قانون وأكثر من مكيال يتعامل به مع القضايا؟، ودائما القوانين الظالمة والمكاييل الزائفة مخصصة لنا كعرب ومسلمين، فكم من قرارات دوليّة وأمميّة صدرت في غفلة من الزمن ومن باب ذر الرماد في العيون عن مجلس الأمن والأمم المتحدة ضد الصهاينة؛ لم ينفذ منها على أرض الواقع جزء قرار، وكم من قرار قبل أن يجف مداده تحركت جيوشهم لتأديب الدولة العربيّة أو الإسلاميّة التي صدرت ضدها، فلا تتركها إلا وقد نهبت خيراتها ودمرت عمارتها لتكون أثرًا بعد عين، قبل أن يعلنوا أن قرارهم صدر بناء على معلومات مغلوطة وإن شئت فقل مفتعلة لا أصل لها، وما البوسنة والهرسك، ولا الشيشان، ولا الصومال، ولا العراق، ولا سوريا، ولا اليمن، ولا ليبيا، ولا الروهنجا، عنا ببعيد، ناهيك عن خطط الشرق الأوسط الكبير، وثورات الخراب العربي، والتي لو نجحت لمحت دول العرب من خريطة العالم التي درسناها في المدارس والجامعات، والتي نحمد الله أن كان وقف زحفها على أرض الكنانة كسائر الهجمات التي استهدفت بلاد العرب والمسلمين.
لا ألوم هؤلاء الذين نصفهم قبل أنفسهم بالكبار، ولا حتى هؤلاء الصهاينة على ما يفعلونه بإخواننا في القدس وغزة، فمصالح هؤلاء يرونها كذلك، ولكن اللوم كل اللوم على هذا التخاذل العربي والإسلامي وفي مقدمته الانقسام الفلسطيني الذي استعصى على كل محاولات الإصلاح وتوحيد الصف، لتزيدهم هم ضعفًا إلى ضعفهم، وهو ما أظهر هذا الكيان الصهيوني الضعيف وكأنه قوي وهو ليس كذلك، فالشائعات التي نسجها حول جيشه الذي لا يقهر علم القاصي والداني أنه قد قُهر بسواعد الرجال من قبل في ست ساعات لا غير، كما رأينا حزب الله الذي لا أراه عزًّا للعرب ولا للمسلمين كيف فعل بهذا الجيش الأفاعيل، ورأينا كيف نجحت المقاومة الفلسطينية في عدة انتفاضات من النيل من هذا الجيش وعتاده، مع ما يمتلكه جيش الاحتلال من أحدث الأسلحة التي لم يبخل بها من صنعوا هذا الكيان السرطاني وأردوا له التفوق على كل الجيوش العربية، لكنهم فشلوا لأن الأسلحة تحتاج إلى رجال ولا تقاتل وحدها ولا فاعلية لها إن كانت في أيدي جبانة تسقطها منها صيحة تكبير، أو صرخة طفل فلسطيني أو فتاة في وجه صهيوني مدجج بالسلاح، ولعل هذا الصمود الأسطوري لهؤلاء المقاومين؛ مع تخلي العالم عنهم اللهم بعض عبارات تعودنا عليها من الشجب والاستنكار الرسمي مع اختفاء التنديد الذي كان يصاحبها في الماضي، ودعاء بالهلاك للغاصبين الصهاينة، ودعوات للمرابطين بالنصر المبين سطرتها أيدي رواد مواقع التواصل الاجتماعي تنفيسًا عن غضبهم ومناصرة لإخوانهم الفلسطينيين معنويًّا لهو خير دليل على أن هذا الكيان ليس بالقوي وأن إعادة تأديبه وتلقينه الدروس ليس بمستحيل، ولو لم تكن حالة الانقسام الفلسطيني على حالها واجتمعوا جميعا بفصائلهم ومنظماتهم صفًّا واحدًا لاستطاعوا وحدهم تأديب هؤلاء الصهاينة، فما بالنا لو أن دعمًا عربيًّا وإسلاميًّا لحقهم؟.
قلت من قبل وأكرر إن قضية القدس تحديدًا ليست قضية فلسطينية، ولكنها قضية العرب مسلمين ومسيحيين وحتى يهودًا، وقضية الدول الإسلامية من المحيط للخليج، ولذا فإن رجال المقاومة الأبطال يدافعون عن القدس نيابة عن العرب والمسلمين كافة، وهم في الحقيقة لا يواجهون الصهاينة وحدهم ولكنهم يواجهون قوى تقف خلفهم نعرفها جميعا، لا تحمل لنا ودا ولا ترقب فينا إلا ولا ذمة، وغاية أمانيها أن تختفي أمتنا من الوجود.
أعلم أن البعض قد لا يروقه كلامي الآتي ولكنها خالصة لوجه الله، فلست معجبًا بحماس ولا بأي فصيل فلسطيني، طالما بقيت حالة الانقسام الفلسطيني، وطالما بقيت حركة حماس تشكل مصدر قلق ليس للصهاينة فهذا ندعمه وبشدة، ولكن لأكبر دولة حملت هم القضية الفلسطينية وتحملت من أجلها دماء أعز شبابها وغالب اقتصادها في عدة حروب خاضتها مع هذا الكيان السرطاني المغتصب لأرض فلسطين وهي مصرنا، التي لا يستطيع أحد أن يزايد على مواقفها التاريخية من القضية الفلسطينية، ومع ذلك فلا أظن أن أحدًا منا لا يسره نجاح المقاومين من غير نظر إلى انتمائهم السياسي أو الديني، فكل من يقف لهذا الكيان السرطاني بالمرصاد ويكبده الخسائر ويكسر صلفه وغروره؛ فهو يشرح صدورنا وإن لم نرض عن مسالكه الأخرى.
لست مع التهليل لما يروج له الصهاينة من دعوى انكسارهم أما الفلسطينيين، ومن ذلك المقال الذي نشر على مواقع التواصل بكثافة منسوبًا لصحيفة هارتس الصهيونية وللكاتب الصهيوني "آري شبيت" بعنوان: إسرائيل تلفظ أنفاسها، والذي قال فيه: يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال.. ثم يقول: لم يعد هناك طعم للعيش في هذه البلاد، وليس هناك طعم للكتابة في "هارتس"، ولا طعم لقراءة “هارتس” يجب فعل ما اقترحه “روغل ألفر” قبل عامين، وهو مغادرة البلاد.. ومع تمنياتي بأن يتحول ما في المقال إلى حقيقة ليكون بشارة لبداية النهاية لهذا الكيان الذي نؤمن بأنه سيزول لا محالة، فوعد ربنا نافذ حتمًا، لكن اعتقادي وترجيحي أنها خديعة من الصهاينة، لكسب تعاطف المجتمع الغربي الذي لا ينقصهم، فهم معهم قلبا وقالبا، وهي محاولات لإجهاض أي محاولات لاستصدار قرارات أممية لا قيمة لها إن صدرت، كعشرات القرارات التي صدرت من قبل ضد الصهاينة لم ينفذوا منها قرارًا واحدًا، وهي محاولة للإبقاء على حالة الركود العربي والإسلامي، والتعاطي الهافت مع ما يحدث في فلسطين، ومنع أي محاولة لإصلاح الشأن الفلسطيني أو تحرك عربي أو إسلامي لنصرة إخوانهم الفلسطينيين، طالما يسيطرون على الوضع، وأن إسرائيل تلفظ أنفاسها، بل ربما تكون إن صحت أشبه باستغاثات ونواح الهالكة "جولد مائير" للأمريكان حين دك الجيش المصري حصون بارليف فجعله أثرا بعد عين، وهي الاستغاثات التي جعلت الطائرات تقلع بأسلحتها من وراء البحار إلى سيناء مباشرة فيما عرف بالجسر الجوي.
كفى بالعرب والمسلمين هذا التراجع وغض الطرف عن الإجرام الصهيوني بحق مقدساتنا الإسلامية والمسيحية، والتنكيل بإخواننا الفلسطينيين، فليس الوقت وقت البحث عن المخطئ والمصيب، ومن بدأ التحرش بالآخر، وإنما الوقت وقت الوحدة ولملمة الشمل، واستعادة روح أكتوبر المجيد، حين اجتمع العرب على قلب رجل واحد، وضحى الجميع بمصالح ضيقة من أجل استرداد الأرض ورفع الرأس، ولنكف عن ترديد عبارات جوفاء عن الصداقة مع الأعداء، أو السلام مع الغاصبين الرافضين له، فالتمسك بالسلام مع رافضه استسلام لم نؤمر به في شرعنا، فما أخذ بالقوة لن يسترد بغيرها، سدد الله رمي المقاومين الفلسطينيين، وأذل الغاصبين، وحفظ بلاد العرب والمسلمين وفي مقدمتها فلسطين.