عُمان التعايش والسلام (2)
عندما بَعَث الرسول صلى الله عليه وسلم رسائله ووفوده إلى ملوك العالم، كانت عمان ضمن قائمة رسول الله التي بُعث بها عمرو بن العاص، حينها كان ملكا عمان عبد وجيفر أبناء الجلندي (هنا لن أتطرق إلى كيفية إسلام أهل عمان فهم أسلموا طوعا دون قتال) وبعد أن وصل مبعوث رسول الله إلى مقر الحكم، استقبله عبد بن الجلندي، وأكرمه كرامة العرب، فهم على علم بسادة أهل قريش، ورجالاتها وعلى معرفة بأن ابن العاص من سادة قريش، فرحبوا بضيفهم معززا مكرما، ثم دخل بعد ذلك عبد بن الجلندي بالمفاوضات السياسية مع مبعوث رسول الله، وظهر العمق السياسي التفاوضي لدى ملوك عمان، فاستمعوا إلى عمرو بن العاص ورسالته، وما يدعو إليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن من مبادئ سياسة أهل عمان منذ زمن بعيد عدم التسرع حتى تتضح الرؤى، فقد قام عبد بن الجلندي بسؤال ابن العاص وماذا عن ملوك الأرض؟
نقرأ في هذا السؤال عنوانين رئيسيين الأول مكانة عمان بين ملوك الأرض والثاني مدى قدر ملك عمان على استشراف المستقبل وقراءة للأحداث المستقبلية للرسالة المحمدية، كما نلاحظ أنه قصد به الفرس والروم كأقوى قوتين آنذاك، ومن ثم انعطف بسؤاله إلى ملك الحبشة وماذا عن شعبه، فأبلغه مبعوث رسول الله بأنه دخل الإسلام، نلاحظ في محور المفاوضات اهتمام ملك عمان بالمحيط الدولي والقوى العظمى في بداية التفاوض ثم الانعطاف على الاوضاع الداخلية بالسؤال عن أهل قريش ومدى استجابتهم للدعوة ولم يتجاهل ابن الجلندي الأساقفة والرهبان هل دخلوا في الإسلام؟
فبعد أن تيقن ملك عمان بأن الرسالة المحمدية مطمنة وقائمة على الحق قام عبد ابن الجلندي بسؤال مبعوث رسول الله وماذا عن حُكمنا؟
قال باق إذا دخلتم الإسلام فما كان من عبد ابن الجلندي إلا أن أدخل عمرو بن العاص على ملك عمان جيفر بن الجلندي ليسلمه رسالة رسول الله ويقرأ محتواها بعدها يتحول الحكم السياسي في عمان إلى حكم إسلامي ينتشر في ربوع عمان مناصرين للإسلام مدافعين عنه.
إن المفاوضات التي دامت أياما بين مبعوث رسول الله وملكي عمان تشير إلى أن الرسول خاطب ملوك عمان كملوك لهم استقلاليتهم شأنهم شأن ملوك الأرض وإن التسامح والحكمة شيمة من شيم أهل عمان يأخذون الأمر بتروٍّ دون استعجال فكان إسلامه قناعة إيجابية مقرونة بمصالح كبيرة تعايشوا مع دينهم الجديد ملتفين مع بعضهم البعض لا شقاق ولا فتن ويروي الصحابي الجليل أبو برزة رضي الله عنه فيقول "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا إلى قوم فسبوه وضربوه، فجاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: لو أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك".