الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

د. رامي هلال يكتب: الأرض في الأدب الفلسطيني

د. رامي هلال
ثقافة
د. رامي هلال
السبت 22/مايو/2021 - 11:25 ص

يعد اقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه وتهجيره قسرا من التجارب التاريخية المريرة في ذاكرة الشعوب, لاسيما والوطن الفلسطيني يزخر بالطبيعة الساحرة من بحر وصحراء وجبال وأراض وأحراش وحدائق خضراء، فضلا عن تاريخ مشرف يلتحم الأرضي فيه بالسماوي؛ مما جعل أرض فلسطين كأنها سجادة للأنبياء فقد استقروا جميعا في ربوعها وكانت منتدى تاريخيا لاجتماعهم فوق أرضها الطاهرة المباركة.

هذا التهجير والاقتلاع من المكان ترك بصمات غائرة في وجدان شعب مقاوم أعزل لم يستطع الاحتلال بما عنده من غشم القوة أن يسكت صوته الداخلي، ولم ينسه الشتات حقه المسلوب؛ “فالإحساس بالمكان، الوطن إحساس له أصالته وعمقه في الوجدان البشري لأن المكان يصبح هنا هوية تاريخية وطنية نفسية".

وهذه الصدمات ألقت بكلكلها على الأدب الفلسطيني وارتسمت أحداثها في أجناسه جميعا من شعر وقصة ورواية ومسرحية ؛ فمثلا سوف تجد “الروائيين الفلسطينيين يعكفون على رسم خريطة أرضهم بالأحداث والرجال، وملامح الطبيعة الثابتة حتى الشجرة والتل والنبع والتربة الحمراء والبنايات الحراجية لم تهمل الروايات بقعة واحدة أو مدينة مهما كان حجمها أو أهميتها. 

إن الروائي الفلسطيني لا يريد أن يستبقى الصورة وحسب. الصورة التي تتعرض للتغيير قسرا بفعل متعمد يهدف تزييف التاريخ والواقع معا إنه يسجل حقه في وطنه وعلاقته المستمرة به" 2 ، وأما عن الشعر الفلسطيني فهو علامة مميزة في دفتر الشعر العربي المعاصر من خلال التحامه الأصيل بقضايا وطنه وتذليل القصيدة الشعرية في سبيل رفعة القضية؛ فهو يفتح نافذة في جدار اليأس؛  ليرى الشعب المقاوم منها بواكير النور, ويمزج أحلام الأمس بتطلعات المستقبل؛ فيكمل الشعب المسيرة ولا يستسلم لضغط الواقع الأليم الذي يحياه. 

يقول محمود درويش:

قصائدنا، بلا لون

بلا طعم ... بلا صوت!

إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت

وإن لم يفهم البسطا معانيها

فأولى أن نذريها

ونخلد نحن للصمت!  

ولم يلتحم الشعر بالمعركة فحسب بل تضمن مفردات الطبيعة الفلسطينية بشقيها الصامت والمتحرك؛ فالقصيدة الفلسطينية المقاومة قد تخلصت من كثير من عيوب الغموض والإبهام والإحالة والتعمية التي وقعت في وهدتها كثير من القصائد الحديثة .

ولم تسرف القصيدة الفلسطينية في واقعها الأيديولوجي على حساب الجمالي، ولم تتخذ نبالة القضية وعدالة المضامين التي تحملها جواز مرور إلى القارئ العربي على حساب الشعر وخصما من رصيده، بل إن "الشاعر الفلسطيني يقدم شكلا جماليا لمكانه المهدد بالفقد؛ وهو إذ يبدع صورة المكان إنما ينتج عالمه الخاص داخل حركة وعي جماعية وضمن هذا البعد الذي يتداخل فيه الجمالي والأيديولوجي يصبغ على المكان هوية شعرية تقوم على الاسترجاع والتخييل".

يقول عز الدين المناصرة في قصيدته "يا عنب الخليل":

وبكيت فوق الجسر بين القدس فالوادي السحيق

وصرخت من يأسي، ومن طول السفر

لو مات فارسك المجيد، ومات ناطور الشجر

فادفِنْ عظامي، يا حبيبي، تحت كرمتنا، على الجبل العتيقْ. 

إن حلم الفلسطيني يتمحور حول المكان حياة وموتا ونشورا ويستدعي الشاعر في أمنيات اللحظات الأخيرة المكان بشكل تفصيلي، "الجسر – بين - القدس – الوادي السحيق – تحت – الكرمة – الجبل العتيق".

إن المعجم المتشكل عبر خارطة المكان تدل على استراحة الروح الأخيرة ومرآة الجسد لا تتم إلا بالعودة إلى الأرض مرة أخرى.

ونظرة سريعة إلى عناوين الدواوين والقصائد الشعرية لشعراء فلسطينيين مثل سميح القاسم، ناجي علوش، عبد الكريم، توفيق زياد، فدوى طوقان، أحمد دحبور، عز الدين المناصرة، معين بسيسو، سلمى الخضراء الجيوسي.. إلخ.

نجد أن المكان/ الأرض هو الدال الأكثر حضورا وتشكلا في الأبعاد الجمالية والفنية في ديوان الأدب  الفلسطيني.

المراجع
 

 1- عماد أبو شاويش وآخر، جماليات المكان في شعر الانتفاضة، مجلة الآداب جامعة المنيا، يناير 2004، ص 2.

 2 - دكتور محمد حسن عبد الله، الريف في الرواية العربية، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عدد 143، نوفمبر 1989، ص 55 بتصرف.

  3- محمود درويش، من ديوان الأعمال الأولى، ص63.

4 - جمال مجناح الشاعر، دلالات المكان في الشعر الفلسطيني المعاصر بعد 1970، رسالة دكتوراه، جامعة الحاج لخضر- باتنة، السنة الجامعية 2007-2008، ص89

5- عز الدين المناصرة،  يا عنب الخليل قصيدة (قفا نبك)، الأعمال الكاملة، منشورات اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة، يناير (2014)، ص2.

تابع مواقعنا