"كارثة فلسطين".. كيف رأى فخري البارودي علاج القضية الفلسطينية؟
منذ الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية ولا يتوقف عن الأعمال العدوانية بحق الفلسطينيين بالقتل والاعتقال ونزع الأراضي والتوسع في الأعمال الاستيطانية، وكان آخر الأعمال العدوانية ما شهده حي الشيخ جراح خلال الأيام الماضية، وإطلاق الصواريخ على غزة ما أسفر عن وفاة مئات الفلسطينيين وتخريب المنشآت والبنية التحتية.
في هذا الصدد نلقي الضوء على كتاب "كارثة فلسطين" للكاتب فخري البارودي، الذي يؤكد أن الجيوش العربية ملبية نداء الأرض والوطن في فلسطين، اجتمعت لتحافظ على الأرض فأضاعتها، جاءت لتحمي شعب فلسطين فدمرته؛ فقد خرجت إسرائيل من المعركة دولة، ولم يجن العرب منها سوى الهزيمة.
ويشدد الباردوي على أن المساعي الصهيونية لا تكتفي بفلسطين؛ فهي تريد أن تؤسس لدولتها من النيل إلى الفرات، لا سيما أن إسرائيل لا تقف وحدها في تلك المعركة، مؤكدا أنه لا مفر لتحقيق ذلك إلا بالمقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، والاستعداد للمعركة، وأخيرا دور المهاجرين العرب في توعية العالم بالقضية.
ويؤكد البارودي أن نظرتنا المستهترة للصهيونية هي التي أدت إلى ما سقوط الأراضي الفلسطينية في أيدي المحتل، يؤكد "فقد نساير هوانا في مكافحة هذا العدو ومقاومته، نستصغر من أمره ما أرضى استصغاره شهوتنا، ونحتقر من شأنه ما أقنع الاحتقار غرورنا، نحكم العاطفة حيث يجب أن يحكم العقل، ونعتمد على الأوهام حيث لا يجوز الاعتماد إلا على ما ثبت من الحقائق. نرى العدو يسعى جاهدا في إعلاء شأنه ودعم مركزه، فنعمد نحن إلى كتب التاريخ نقلب صفحاتها ونتخذ من ماضينا ما نخدر به أعصابنا، ألم نكن كلما حزبنا الأمر وتجسم لنا الهول نعيد الطمأنينة إلى نفوسنا، والسكينة إلى قلوبنا، بأن نذكر أن الله جلت حكمته كتب عليهم التشرد والتفكك والانحلال؟"
ويضيف: "كنا نفعل كل ذلك ونتناسى أمرا لا يجوز تناسيه في معرض هذه الذكرى، ألا وهو أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، كنا ننسى أن الله جلت قدرته لن يدفع عنا الضر إلا إذا اتحدنا وتضافرنا في دفعه، وأنه سبحانه وتعالى لا يحب من عباده المتواكلين المتخاذلين الذين تفرق شملهم وذهبت ريحهم، فلا يهبون هبة رجل واحد ليدفعوا عن أنفسهم خطرا حاق بهم، وداهية تعصف بكيانهم، لقد كنا إذا ادلهم الخطب ورأينا النوائب تتجمع لتعصف بنا ننسى كل شيء إلا أننا أبناء الغطارفة الألى حملوا نبراس الحضارة عاليا، فتحوا الفتوح وأقاموا الممالك وهزموا الجيوش، وأسسوا لهم في التاريخ اسما لن تمحوه العصور، في وقت كان الجهل فيه فاشيا والتخاذل سائدا، فأما هؤلاء المشردون الذين ما سطر التاريخ لهم صفحة مجد، والذين أصبح اسمهم في العالم مرادفا للذلة والمسكنة، فهل كان هؤلاء إذا قيسوا بنا ذوي خطر وشأن يذكر؟ وماذا تستطيع هذه الحفنة الصغيرة من شذاذ الآفاق أن تفعل في خضم العالم العربي الذي لا ينقصه المجد التليد ولا السؤدد الماضي ولا العز القديم؛ إن من يرى في هذا النفر خطرا يهدد كياننا كان أحد رجلين، إما متشائم قد أغرق في التشاؤم حيث لا مجال لذلك، أو خائن قد اشتراه العدو ليشيع الوهن في صفوفنا ويبعث الشك في قلوبنا، ويجعلنا نكفر بأمجاد الماضي".
عموما يلقي الكتاب الضوء على تطور القضية الفلسطينية ويقترح في النهاية طرق لعلاج لهذه القضية يمكن الاهتداء بها في وقتنا الحالي، ومنها:-
التشديد في مقاطعة إسرائيل الاقتصادية الشاملة، وحصارها حصارا اقتصاديا شاملا، بحيث تشترك بهذا العمل كل الدول العربية مع شعوبها، وأن يؤيد ذلك تشاريع صارمة وعقوبات شديدة. فالمقاطعة الاقتصادية الشاملة هي أولى واجباتنا، فلا يجوز أن نشتري من منتجات العدو شيئا مهما قلت قيمته، ولا أن نبيعه شيئا مهما بدا لأعيننا تافها لا قيمة له ولا غنى فيه، وواجب المقاطعة مزدوج يقع جله على عاتق الحكومات العربية، فهي بما أوتيت من خبرة واطلاع وسلطة واسعة يتوجب عليها أن تسن القوانين،
2- أن تسرع الدول العربية في تهيئة شئونها العسكرية، فتقيم حلفا عسكريا يربط فيما بينها، تتوحد بموجبه قيادة جيوشها ويؤمن تحقيق برنامج كبير واسع للتسلح نستطيع بفضله رد العدوان ودفع كيد الغزاة وإيقاف تيارهم الجارف.
3- تجنيد جميع قوى الأمة العربية وإعداد شبيبتها للحرب من سن «١٦ إلى ٦٠»، وتنظيم القسم النهائي وتدريبه بإعداد نفسه لتحمل الحرب الطويلة التي ستقوم بيننا وبين إسرائيل إلى أن نحوز النصر النهائي.
4- تجنيد قوى المهاجرين العرب في أمريكا وغيرها، والاستفادة من قواهم الكافية مثلما يفعل أخصامنا في القارات الخمس.
والمهاجرون العرب في أمريكا وأفريقيا وأستراليا يعرفون مقدار تعاون اليهود في تلك القارات، فعليهم يتوقف النجاح إلى درجة عظيمة؛ لأنهم باحتكاكهم باليهود عرفوا قيمة العمل المشترك بين أبناء الأمة الواحدة، وعرفوا معنى الوطنية الحقيقية. ومتى وحد العرب كلمتهم ووحدوا قيادتهم وجيوشهم أمكنهم الوقوف أمام الخطر الجارف.
بهذا تكون الأمة العربية قادرة في كل وقت على كيل الصاع صاعين، ورد الضربة ضربات، والقضاء في النهاية على العدو الغاشم المغتصب من غير رحمة ولا لين.
و فخري بن محمود بن محمد حسن بن محمد ظاهر بن أحمد ظاهر العمر، محارب سوري ناضل للدفاع عن حقوق الشعب بالقلم والبندقية، مولود دمشق ومن غير المعروف تاريخ مولده بالتحديد لكن المتفق عليه انه ولد ما بين الأعوام "1886–1889م" تقريبا، لأسرة لها باع طويل في التاريخ السياسي
انضم للعمل العسكري حياة «البارودي» من خلال ضم إلى "الجمعية العربية الفتاة"، وشارك في الحرب العالمية الأولى "1914 - 1918" مع الجيش العثماني، وأسر في معركة "بئر السبع" عام1917، ثم اشترك في الثورة العربية الكبرى، وشارك في الانتفاضة الشعبية عام 1945م.
وقد استغل "البارودي" حضوره الشعبي فانضم إلى "حزب الكتلة الوطنية" في دمشق، وعرف كيف يستغل الشارع فسخره لصالح الحركة الوطنية، وبإشارة منه كانت تغلق الحوانيت والمتاجر والمدارس ويعلن الإضراب. انتخبه الشعب نائبا عن دمشق في الجمعية التأسيسية عام 1928م، ونائبا لدورات "1933، 1936، 1943، 1947".
وللبارودي العديد من المؤلفات منها: "تاريخ يتكلم"، و"مذكرات البارودي"، وهو صاحب القصيدة الشهيرة "بلاد العرب أوطاني". وتوفي البارودي في مايو 1966.