"البدون".. رحلة مصريين بين الهوية وفقدان الجنسية
وسط الصحراء الممتدة يعيش آلاف المواطنين على أرض مصر وتحت شمسها، التي صبغت وجوههم باللون القمحي كي تمنحهم عنوانًا لهويتهم يبّين انتماءهم لهذا الوطن، لكنهم لا يمتلكون أوراقًا رسمية تثبت مصريتهم، أو هوية أبنائهم، ولا يتمتعون بأية امتيازات لأي مواطن عادي.
فعلى طول الحدود الممتدة بين الأراضي المصرية والسودانية والمصرية الإسرائيلية يعيش أفراد قبيلتي الرشايدة والعزازمة دون الحصول على أي أوراق هوية مصرية تثبت امتلاكهم للجنسية، والحصول على مختلف الخدمات الحكومية الصحية والتعليمية.
الداخلية تمنح الجنسية لثلاثة أشقاء بعد 47 عامًا.. وأمل يعود
في شهر فبراير الماضي قررت وزارة الداخلية منح الجنسية لثلاثة مواطنين أشقاء من مواليد محافظة جنوب سيناء لا يحملون جنسية بعدما ظلوا لما يقرب من الخمسين عامًا "بلا هوية" الأمر الذي يفتح الباب لإعادة البحث في ملف "عديمي الجنسية" في مصر.
قرار وزارة الداخلية تضمن "منح الجنسية المصرية لغير معيني الجنسية وهم ثلاثة أشقاء سالم هليل نصر سالم، مواليد جنوب سيناء بتاريخ 25 سبتمبر 1977، وراضية هليل نصر سالم، من مواليد جنوب سيناء بتاريخ 25 سبتمبر 1975، وعبد الله هليل نصر سالم من جنوب سيناء بتاريخ 5 نوفمبر 2001، وذلك طبقًا للفقرة الخامسة من المادة الرابعة من قانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975".
مواد القانون المنظمة للحصول على الجنسية المصرية
المادة 4 من قانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975، على أنه يجوز بقرار من وزير الداخلية منح الجنسية المصرية لكل من ولد فى مصر لأب أصله مصري متى طلب التجنس بالجنسية المصرية بعد جعل إقامته العادية في مصر وكان بالغًا سن الرُشد عند تقديم الطلب.
وتُمنح الجنسية لكل من ينتمى إلى الأصل المصري متى طلب التجنس بالجنسية المصرية بعد خمس سنوات من جعل إقامته العادية في مصر، وكان بالغًا الرشد عند تقديم الطلب، وتمنح الجنسية لكل أجنبي ولد في مصر لأب أجنبي ولد أيضًا فيها إذا كان هذا الأجنبي ينتمي لغالبية السكان في بلد لغته العربية أو دينه الإسلام، متى طلب التجنس خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد.
كما تمنح لكل أجنبي وُلد في مصر وكانت إقامته العادية فيها عند بلوغه سن الرشد متى طلب خلال سنة من بلوغه سن الرشد التجنس بالجنسية المصرية، وتمنح الجنسية لكل أجنبي جعل إقامته العادية في مصر مدة عشر سنوات مُتتالية على الأقل سابقة على تقديم طلب التجنس متى كان بالغًا الرشد.
قبيلة العزازمة ..التائهين في صحراء سيناء… أحد افراد القبيلة: لم أسجل أولادي الـ6
تمتلك قبيلة العزازمة عراقة تاريخية وأصالة بمحافظة شمال سيناء، فقبل الصراع العربي الإسرائيلي ورسْم الحدود الدولية كان أفراد يعيشون مُوزعين بين سيناء وفلسطين، ثم انقسموا بين فلسطين وسيناء قرب الحدود مع فلسطين وبعد جلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي من شبهة جزيرة سيناء، حصل أفراد القبيلة البالغ عددهم بين 3,000 و5,000 شخص على وثائق مرور من دون تحديد جنسية لهم.
بقاء أفراد القبيلة دون الحصول على الجنسية المصرية ضاعف من معاناتهم الحياتية، وهو ما أكده راعي أحد أفراد القبيلة لـ"القاهرة 24" قائلًا: "نحتاج للمساعدة للحصول على الجنسية.. والبقاء دون الحصول عليها يحرم أبناء القبيلة من المزايا التي يتمتع بها المواطن العادي".
واستكمل راعي القبيلة، أنه فشل في تسجيل أبنائه الستة للحصول على الجنسية المصرية، ما أدى إلى حرمانهم من جميع أشكال الرعاية الصحية وفرص التعليم التي يحظى بها الأطفال في مصر، إضافة إلى حرمان أفراد القبيلة من حرية التنقل والسفر خارج الأراضي المصرية إلا بعد الحصول على موافقات رسمية.
قبيلة الرشايدة.. الهوية الناقصة
وعلى الجانب الآخر، خاصة الحدود المصرية السودانية، فقد استقرت قبيلة “الرشايدة” لعشرات السنين وطوال تلك السنوات لم يحصل أبناء القبيلة المُهجرِين من شبه الجزيرة العربية على الجنسية المصرية، بل يستخدمون "بطاقة تعريف" للمرور والخروج خارج مناطق القبيلة.
ويعمل أغلب أبناء القبيلة في استيراد الأبل من الأراضي السوادنية وبيعها في حلايب وشلاتين أو في المحافظات الأخرى عن طريق وسطاء بسبب حظر الانتقال على أفرادها.
حميد الرشيدي، أحد أبناء القبيلة قال: “لا نحمل الجنسية المصرية، ونفتقد للخدمات الضرورية من التعليم والكهرباء ومياه الشرب".
ويضيف الرشيدي “أحمل بطاقة مرور ومهنتي راعٍ ..أعيش بلا جنسية مُكتفيًا ببطاقة المرور الحاملة للمهنة، وغير مسموح لنا بالتنقل بحرية”، مؤكدًا في الوقت ذاته على توافر بعض الخدمات الصحية فقط.
فقيه قانوني: 4 حالات لمنح الجنسية المصرية
من جانبه قال الخبير القانوني ياسر أحمد، إن قواعد منح الجنسية في جمهورية مصر العربية نظمها قانون الجنسية رقم 26 لسنة 1997 وصدرت عليه تعديلات طبقًا للقانون رقم 190 لسنة 2019، وقد حدد أربع حالات رئيسية أجاز فيها منح الجنسية المصرية للأجانب.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ"القاهرة 24"، أن هناك شروطًا أساسية للحصول على الجنسية المصرية منها (أن يكون طالب الجنسية سليم العقل غير مُصاب بعاهة تجعله عالة على المجتمع، وأن يكون حَسن السلوك محمود السُمعة ولم يسبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أو بعقـوبة مُقيدة للحرية في جريمة مُخلة بالشرف ما لم يكن قد رد إليه اعتباره، وأن تكون له وسيلة مشروعة للكسب.
(وأنه في حال تحقق تلك الشروط يجوز لرئيس مجلس الوزراء منح الجنسية المصرية لطالب التجنس متى توافرت في شأنه إحدى الحالات الأربع كـ"شراء عقار مملوك للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة بمبلغ لا يقل عن 500 ألف دولار أمريكي يُحول من الخارج على أن يتم تحديد المباني والأراضي المُتاحة للبيع، وذلك من خلال مُدة لا تجاوز 30 يومًا من تاريخ صدور هذا القرار، ومن المُفترض أنه تم تحديد المباني والأراضي)، حسب تصريحات الخبير القانوني.
أما الحالة الثانية، فتتمثل في (المشروع الاستثماري من خلال إنشاء أو المشاركة في مشروع استثماري بمبلغ لا يقل عن 400 ألف دولار أمريكي يُحول من الخارج وبنسبة مشاركة لا تقل عن 40% من رأس مال المشروع وفقًا لقانون الاستثمار الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 2017).
والحالة الثالثة (الإيداع المسترد) - أي إيداع أموال بالعملة الأجنية وذلك من خلال طريقتين إيداع مبلغ 750 ألف دولار أمريكي بموجب تحويل بنكي من الخارج كوديعة يتم استردادها بعد مرور 5 سنوات بالجنيه المصري بسعر الصرف المُعلن من البنك المركزي في تاريخ الاسترداد، وبما لا يُجاوز السعر في تاريخ الإيداع وبدون فوائد أو إيداع مبلغ مليون دولار أمريكي بمُوجب تحويل بنكي من الخارج كوديعة يتم استردادها بعد مرور 3 سنوات بالجنيه المصري بسعر الصرف المُعلن من البنك المركزي في تاريخ الاسترداد، وبما لا يجاوز السعر في تاريخ الإيداع وبدون فوائد.
وآخر الحالات (الإيداع غير المسترد)، وذلك من خلال إيداع مبلغ 250 ألف دولار أمريكي بمُوجب تحويل بنكي من الخارج وفقًا للقواعد المعمول بها في البنك المركزي كإيرادات مُباشرة بالعملة الأجنبية تؤول إلى الخزانة العامة للدولة ولا يُرد، و ذلك كله على أن تُودع المبالغ المنصوص عليها في البندين 3 و4 بحساب خاص ضمن حساب الخزانة الموحد بالبنك المركزي.
كما أشار إلى ضرورة ملاحظة أنه في حالة التصرف بالعقار المنصوص عليه في البند 1 قبل مرور 5 سنوات على تاريخ الحصول عليه أو تصفية أو إيقاف المشروع الاستثماري المنصوص عليه في البند 2 أو تصرف المُتجنس فيه أو فى حصته قبل مرور 5 سنوات على تاريخ تشغيله فيشترط للاحتفاظ بالجنسية المصرية إيداع المبلغ المنصوص عليه.
خبير أمني: استمرار الوضع الحالي قد يتسبب في أزمات مستقبلية
في حين قال اللواء جمال مظلوم، الخبير الأستراتيجي والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، إن استمرار الوضع الحالي بالنسبة لقبيلتي الرشايدة والعزازمة وعدم حصولهم على الجنسية المصرية قد يتسبب في أزمات مستقبلية.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ"القاهرة 24" أنه يجب تقنين أوضاع تلك القبائل مع ضرورة التحري الدقيق عن ولاءهم لمصر، لأن عدم حسم تلك المسألة قريبا، قد يجعل أبناء القبائل بلا هوية أو انتماء للوطن، مشيرًا إلى أن حسم هذه المسألة على وجه الخصوص في منطقة حلايب وشلاتين ينهي جدل المطالبة من قبل الحكومة السودانية بين حين وآخر باستعادة تلك الأراضي وغرس روح الوطنية عند أبناء تلك القبائل.