د. منى حسـين تكتب: التشجيع الكروي والانتماء
للتشجيع الكروى دور مهم في بث الانتماء لدى الشباب، لأنه يشعر وكأنه لاعب من لاعبي هذا الفريق أو ذاك، كل انتصار لناديه هو انتصار شخصي له يتباهى به، ويفرح ويلتقي مع أصدقائه المشجعين للفريق الذى يشجعه، وأحيانًا لأصدقائه الذين يشجعون الفريق المنافس لفريقه، وكأننا في منافسة خارج أرض الملعب، المهم أن يكون الحوار محترمًا، وليس ما يسميه البعض "التحفيل" على الفريق المغلوب.
في الغالب يكون الحوار بين الكبار عاقلًا بنسبة ما، أما بين المراهقين والصغار، ربما يوصلنا إلى معارك لفظية، وأحيانًا تتمادى لتصبح معارك بدنية، تؤدي إلى إصابات وأحيانًا وفيات، ليصبح لهم ثأر مع أصدقائهم، وتتكرر نفس المأساة إذا فاز فريق يشجعه الآخرون، وكأنهم في حلبة مصارعة .
نعم نحن مع التشجيع الكروي، نعم مع الانتماء لفريق كروي معين، لكن الاختلاف لا يفسد للود قضية، فلنشجع اللعبة الحلوة، ولنكن موضوعيين أمام أبنائنا، حتى يتعلموا الحكمة منا، فالمؤسسة الأولى فى تربية الأبناء هي الأسرة إن لاحظ الأبناء نشوب خلاف بين الأم والأب بسبب تشجيع فريق ما، ويتطور إلى مشكلة كبيرة بينهما، كأنهم يبثون فكرة العراك والشجار لأبنائهم فى الاختلاف مع مشجعى الفريق الآخر والشباب والمراهقون غير الكبار، لأن عقلهم لم ينمُ لاستيعاب الاختلاف بين الفكر والفكر الآخر، فيكون الحديث بينهم عنيف، ويتعدى هذا إلى التشابك بالأيدى، ونرى بعض أصدقائهم الذين لا يعلنون انتمائهم لأى فريق كأنهم مشجعون، يشاهدون ما يحدث بين المختلفين من مشجعى الأهلى والزمالك، وأى فريق آخر كثيراً ما يحدث هذا داخل المؤسسات التعليمية، لكن نظراً لوجود إشراف أمنى ومعلمين وإدارة تعليمية فى المدرسة أو الجامعة، فإنهم يسارعون لكتمان الخلاف ويضمرونه فى صدورهم، لكن عندما يخرجون إلى الشارع، تبدأ المصارعة الجسدية، والغريب أن الكبار المارون فى الشارع كثيراً ما لا يتدخلون فى هذا الصراع، وكثيراً ما يتسبب هذا الصراع فى إصابات وعاهات بسبب التشجيع الكروي.
لذا من الممكن أن يكون المعلق على مباراة كرة القدم محنك، وموضوعى حين يتحدث فلا يتحيز لفريق ضد الآخر، أو عن منظومة حكام المباراة، وكيف أنهم غير عادلين، وبالفعل يتحيزون لفريق دون فريق فتخرج منهم كلمات تثير هؤلاء الشباب، وكأنه أشعل النار فى فتيل انفعالاتهم، فيتسبب فى حدوث كوارث، مما يضطر جهاز الأمن أن يتواجد بشكل مكثف فى المباريات المصرية للفرق المختلفة، لتأمين اللاعبين والحكام، ومنع حدوث شغب بين المشجعين بعضهم البعض، ويكون عبئاً كبيراً على رجال الأمن المهمومين بقضايا أكثر أهمية قد تقضى على آمال الشعوب فى شبابها، ما بين قضايا مخدرات، وجرائم قتل وسرقة وغيرها .
دعونا نتحدث بالعقل، انتقوا المعلق الرياضى الذى ينتقي ألفاظه، ويكون دقيقاً فى تعليقه، وينتقى كلماته، وليس الفوز حكراً على فريق بعينه، فالفوز اليوم لهذا الفريق وغدا ً للفريق الاخر، فالكرة غالب ومغلوب، حتى يرسخ فى ذهن المشجعين، إن هذا واقع، ربما يرجع إلى خطأ مدرب، أو لغياب بعض اللاعبين عن أرض الملعب لمرض أو لطرد فى مباراة سابقة، أو غير ذلك .
دعونا نوضح لماذا حدث هذا، ربما لأن الفريق المنافس أحدث تعديلات جيدة فى فريقه، فظهر أثرها فى أدائهم بشكل إيجابى، فقط دعو التشجيع للعبة الحلوة، وإن أخفق الفريق الذى نحبه وننتمى إليه، من الممكن أن نلومه لكن فى حدود اللياقة، ولا نعاقبه، لأنه من المنطقى أن كل فريق ينزل أرض الملعب هدفه الأساسى هو الفوز وليس التعادل أو الخسارة .
فقد كنت فى دولة الجزائر الشقيق عام 1983، وكان الفريق الجزائري ضيفًا على المنتخب المصرى فى إطار المباريات الإفريقية "كأس الأمم أو دوري إفريقيا"، وكان ماتش كبيراً بكل المقاييس، الجزائر فريق كروى قوى ومتميز، والمنتخب المصرى أيضاً له صولات وجولات على مستوى القارة، لذا كانت المباراة صعبة، وعلى كل فريق أن يبذل قصارى جهده كى يحقق الفوز، وكان عدد الجمهور كبيرًا جدًّا فى استاد القاهرة، لكن المعلق فى التليفزيون الجزائرى تحدث أثناء المباراة عن خلاف بين بعض اللاعبين الجزائريين والمصريين فى أرض الملعب، وقال " نحن ضيوف عندكم، لماذا تعتدون علينا؟"
وقد عشت بالجزائر فترة من الزمن، أعرف الشعب الجزائرى الشقيق جيداً، هو شعب طيب ومتحضر، لكن يمكن إثارة غضبه بسرعة، فبعد نهاية المباراة بفوز الفريق المصرى، كنا نشاهد المباراة وعند خروجنا من منزلنا وجدنا مظاهرة حاشدة على جانبى الطريق، لم نكن نعلم لماذا يقف هؤلاء ؟ ومررنا بسيارتنا، واتجهنا إلى أصدقائنا المصريين المقيمين فى حى العناصر بالعاصمة الجزائرية، وجدنا هناك ما أدهشنا، لقد قام بعض الشباب الجزائريين بتحطيم سيارات بعض المصريين، انتقاماً منهم، لأن المشادة التى حدثت بين الفريقين على أرض مصر، وأن المصريين لم يحترموا ضيوفهم، لذا فعقاب المصريين المقيمين على أرض الجزائر ضربهم أو الاعتداء على سياراتهم .
لذا فإن اختيار المعلق الرياضى مهم جداً، حتى نضمن الأمن والسلامة لمشجعينا داخل مصر وخارجها، حتى لا تحدث مثل هذه الكوارث، كما تحدث الخلافات داخل الأسرة ويجب أن تقنن، فأنا أشجع الأهلى وابنى يشجع الزمالك، إن تحاورنا بعنف ستحدث مشكلة ما، لكن حين يحصل الزمالك على الكأس أو الدورى أرى ابنى وكأنه يتعالى علىّ، فأضحك معه وأحدثه كم حصلت من الملايين التى حصل عليها فريقك الذى تشجعه،
فيصمت ويعرف أن الحوار معى لن يستفزنى ويكون ذريعة كل يوم لمناكفتى، فاعتاد أن يشاهد معى المباريات دون تعليق، لأننى أنتقد الأهلى إن أخفق فى مباراة بسبب أخطاء فى تقسيم الفريق داخل الملعب، وأحيانا انتقد تأخر المدرب فى تبديل لاعبيه فى الدفاع أو رأس الحربة، لكننى لا أهين ولا أشتم، فقط أشاهد وأحلل بهدوء .
ولنأتى لدور آخر يكرس الانتماء لفريقنا ولبلدنا، فهذا يحدث فى المنافسات القارية والعالمية، فيجب أن نخلع جميعنا تعصبنا لفريق مصرى نشجعه، ونشجع الفريق المصرى الآخر لأنه يرفع علم مصر، وساعتها تعزف موسيقى السلام الوطنى فى أى مكان فى العالم، فهو يمثل مصر، وأى فوز للكرة المصرية، هو فوز لكل الأندية، فلنقل إنه نادى القرن، ونادى متميز رفع اسم الكرة المصرية عالياً فى الخارج، فقد اجاد القيام بدوره، وهذا شرف لنا جميعاً، أما إن أخفق فلا داع للتحفيل، فلكل جواد كبوة .
نحن جميعاً نشجع فرقنا المختلفة خارج حدود البلاد، حتى لو كان فريقا ضد فريقنا الذى نشجعه، هذا انتماء وطنى، وليس تغيير فى ملة أو عقيدة، نحن معاً .
لنبدأ بأنفسنا حتى يرى الآخرون، ويعون بأننا نشجع اللعبة الحلوة والمهارة الجيدة، ليتعلم منا الشباب، إننا نشاهد مباريات دولية لأندية لا تنتمى لنا ولا ننتمى لها، إنما وقتها نحن نشجع اللعبة الحلوة، اجعلوها مشاهدة للتثقيف والتقييم فقط، لأننا لسنا أعداء، حتى اللاعبون الذين يعيشون بيننا هم أخوة، لا داعى لتجريحهم أو إيذائهم نفسياً أو بدنياً .
دعونا نجعلها لعبة للحماس للبحث عن فوز فى شىء ما، يبث الفرحة فى قلوبنا ويعطينا الأمل فى الوصول إلى العالمية، نحن على مستوى قارتنا الحمد لله متميزون، دعوا أمالنا وطموحاتنا تجعلنا نكون مثل بايرن ميونخ أو برشلونا أو ريال مدريد وغيرهم من الفرق التى نشاهد مبارياتها .
نحن جميعاً فى أمس الحاجة للشعور بالفرح، كنا فى السابق، نحتفل بفوز فريقنا وندعو أصدقاءنا المشجعين للفريق المنافس لنا ليشاركونا فرحة الفوز، فيتمنى كل يوم أن يفوز الفريق الذى نشجعه لأنه سيحظى بدعوة لمشاهدة فيلم فى السينما، أو عزومة غداء، دعونا نبحث عن فرح يجمعنا لا عراك يحزننا، شجعوا الكرة بروح رياضية، فيها الحب والانتماء .