السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

نسيبة.. قصة قصيرة لميرفت البربري

مرفت البربري
ثقافة
مرفت البربري
الأحد 30/مايو/2021 - 09:55 ص

احتل جسدي الهزيل ورم لا يُرى إلا بأدق آلات الفحص وأشعة التصوير، جلست وإخوتي ننتطر موعد إجراء العملية الجراحية لإقصائه عنوة، بعد أن أعلن الأطباء موعد الحرب عليه بكل الأسلحة المتاحة، ألبسوني ثوبا يسكنه البرد، فارتعشت مساماتي، خوفا وبردا، ورحت أنتظر الطبيب، أتى ودخل الحجرة وأمسكت الممرضات بيديّ لأتمالك قواي على السير، قدماي لا تحملاني، وجذعي الغض تيبس ولم يستطِع حراكا، أطبقتُ على يدي أخي الذي أسند عليه ضعفي، وعانقت دموعه فيض دموعي، ولكن يديه خذلت توسلي، فتفلت من بين أصابعه آخر أمل لإنقاذي، أطل من بين بريق مدامعه اعتذار ورجاء، وقال لي سأنتظرك حتى تعودي منتصرة، هززت بخيبتي رأسي وجرجرت هزيمة مسعاي للخلاص من العملية، ودخلت حجرة هي مأوى لآلات باردة، مطلية بوجع الشحوب، أرضيتها الآلام، بها سرير دونما فُرُشٍ، جليدي الأديم، ارتعدت ذراتي، وأنا أرتقيه كأنني أنزل مدارج القبر، هتفت الممرضة بابتسامة: استلقي هنا وأمسكت يدي تساعدني، فأطبقت يدي عليها ولم أستطِع ولا هي فكاكا من قبضتي، رحت أتمتم أذكاري، خرجت حروفي متناثرة متلعثمة لا تطهو على حرارة شفاهي كلمة، حاولت أن أخزي شيطان مخاوفي باستعاذات لا أحسن نطقها، وحاولت ترك يد الفتاة التي بكت ألمًا من قبضتي وحزنا عليَّ، راحت تهدئ من روعي فما استطاعت، حتى جاء طبيب التخدير وحقنني بدواء، غَيّبَ مخاوفي حتى حين، وأسلم جوارحي لخدر يمنح الطبيب حرية إعمال أدواته في جسدي.

غابت أنفاسي حتى شعرت أنني فارقت الحياة، سكنت في الظلام بعض الوقت، حتى بدى نور من جوف ظلمتي، وكان نور وجه أمي، تقف بجوار السرير الجليدي تهدهدني وتربت على كتف أوجاعي، تبسمتُ واستحلفتها أن تأخذني، وقلت: أنا لا أريد أن أتركك خديني ولا تخذلين تضرعي كما فعلتِ سابقًا.

سافرتِ إلى بلاد الموت وتركتِني أعاني وحشة فراقك.. بعد أن كنتِ ظلي وكنتكِ، قالت :

•           لا ليس الآن يا نسيبة.

•           يا نسيبة استيقظي.. حمدا لله على السلامة كان صوتا آخر استبدل صوتها في مسامعي.

•           صرخت: أين أمي؟ 

•           لما يا أمي تركتنِي 

•           ابتعدوا واتركوني لها لتأخذني.

سمعت من حولي يهمسون لبعضهم انها آثار المخدر ستزول بعد وقت قليل.

فتحت عيناي بعد أن زال الخدر، نظرت إلى جسدي المنقوص، وقلت: ماذا فعلتم قد سرقتم أنوثتي وشوهتم جمالي، وانخرطت في بكاء المهزوم في معركته التي يظن الجميع أنه كسبها.

رد مبتسما :

•           لقد ازددت جمالا، أنتِ لا ترينَ النور في وجهك، هذا نور إيمانك، وصبرك زينه وزاده وضاءة وجمال، يا أجمل مريضاتي.

ثم أردف ممازحا:

•           من ذا الذي كنت تنادين وتتمتمين باسمه؟ خرجت الكلمات خجلي من بين شفتيّ المكسوة حياءً: من؟ أنا؟ لا لم أذكر أحدا .

-  هل أقول لك اسمه أم تقولين؟

-  كفاك مزاحا 

- أنا لا أمازحك يا جميلتي.. سأنادي عليه ليأتيك، بالتأكيد هو ينتظرك بالخارج، وستعلمين أنني لا أمزح.

صرخت خائفة: لا تناديه ليس هنا. 

ضحك ضحكة العليم بالأمور المخفية، وقال:

•           حفظ الله إخوتك.. كوني لأجلهم قوية، فهم يستحقون أن تجاهدي لتعوديي لهم، أما هو..

وأنا أخفي عيناي بالنظر بعيدًا قلت:

أمجددا تمزح؟!

•           قال: أريد أن أرى ذلك الذي نادته روحك وأنت في غيبة عن الحياة.

قلت والألم يعتصر ما بقي من جسدي النحيل:

•           إنه مشغول ببعض شأنه فلا لشأني وقت لديه.

قال متعجبًا :-

•            أيعقل ألا تكوني كل شأنه وأنت...؟!

قاطعته :

•            أنا لست سوى مريضة ألتمس الشفاء من الأدواء.

•            ستعودين أجمل ما كنت وسنقاتل معا مرضك اللعين.

•            شفائي ليس هنا.. شفائي أخبرتني أمي أنه في يوم قريب.

 ستخرجين من المشفى عروسًا وعديني أنني سوف أراه يومها معك.

قلت:-

•            نعم سأخرج عروسًا.

تلك كانت قصتها التي أرسلتها لي قبل أن تغادر المشفى إلى قبرها .

أأنانية منها ألا تخبرني بأوجاعها؟ أم أنني كنت المقَصِر؟!

يا ليتني عنها ما انشغلت...

يا ليتها كانت كل شأني

يا ليتها ما تركتني بلا شأن وبلا عروس.

تابع مواقعنا