السفير علي الحفني يكتب: الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتحركات المصرية السريعة
تساءل البعض عن دوافع مصر في التحرك السريع للتعامل مع الأحداث التي سادت الأراضي الفلسطينية المحتلة مؤخرا، وخاصة في قطاع غزة، وطرحت في هذا الاطار أطروحات عدة للإجابة على هذا التساؤل، معظمها صحيح، ولكن في تصورنا هناك بعض الأطروحات التي يتعين أخذها أيضا في الاعتبار.
هناك حسابات دقيقة خاصة باختلاف الأوضاع هذه المرة عن مثيلاتها السابقة، وبصفة خاصة هذا الوابل من الصواريخ التي تم إطلاقها من قطاع غزة في اتجاه مناطق عدة داخل إسرائيل، والتي لم تتمكن وسائل الدفاع الاسرائيلية بما فيها القبة الحديدية تحييد العديد منها، ووقع هذا التطور على الجانب الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء.
وهنا اعتقد أن متخذ القرار في مصر تحسب لتداعيات استمرار التصعيد في ظل مناخ استجد في الأعوام الأخيرة في مجمل المنطقة، فإنتاج الصواريخ بمختلف أنواعها تزايد بشكل خطير، وانتشر في دول ومناطق عدة بالشرق الأوسط، وأصبح متاحا للفصائل والميليشيات وقوى التمرد، أضيف إلى ذلك ما شهدته المنطقة من توسع في إنتاج واستخدام الطائرات المسيرة والتوسع في اتاحتها لأطراف عديدة.
وتم ذلك بشكل متلازم مع اتجاه بعض القوى الإقليمية والدولية للتوسع في أساليب الحرب بالوكالة، وتوظيف تلك الأسلحة لتحقيق اجنداتها واستراتيجياتها اتصالا برغبتها في بسط نفوذها وسيطرتها وهيمنتها والتوسع في المنطقة على حساب دولها.
ولقد تحسبت مصر لذلك منذ سنوات طويلة إذ دعت مرارا وتكرارا لضرورة قيام المجتمع الدولي باتخاذ التدبير اللازمة لحظر كافة أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، إلاّ أن المجتمع الدولي اخفق في تحقيق ذلك على أرض الواقع، كما أن بعض القوى الدولية لم تعنى بذلك، بل ومن المؤكد أنها وجدت هذا المطلب متعارضا مع اجنداتها ومصالحها.
ونذكر في هذا السياق إخفاق هذه الدول، وخاصة الولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما، في إدراج هذا الأمر في الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، في إطار مجموعة 5+1 رغم إلحاح العديد من الدول بالمنطقة وخاصة دول الخليج.
ولنتصور السيناريو الآتي حتى وإن وجده البعض مستبعدا، فاستمرار التصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة وطول أمد المواجهة كان يمكن أن يرتبط بتورط أطراف أخرى، وخاصة حزب الله في لبنان بل وربما في مرحلة لاحقة إيران بفعل متغيرات محتملة، قد نشهدها خلال المواجهة العسكرية، وهو الأمر الذي قد ينذر بفوضى عارمة في المنطقة لن يسلم منها أحد، واتصالا بذلك يمكننا أن ندرك دوافع إسرائيل في الاستجابة في مرحلة متأخرة من المواجهة الأخيرة للجهود المصرية لتحقيق وقف إطلاق النار.
أمر آخر يتعلق بصحة حسابات القاهرة في أن مرحلة ما بعد الجولة الأخيرة من المواجهة بين قطاع غزة وإسرائيل مختلفة هي الأخرى فلسطينيا واسرائيليا.
فعلى الجانب الاسرائيلي سيطر الرعب على الشعب الإسرائيلي بفعل ما تجلى من امتلاك الفلسطينيين لسلاح ردع يمكنه إلحاق خسائر فادحة داخل إسرائيل.
ولقد وجهت انتقادات لاذعة لحكومة بنيامين نتنياهو، حيث انكشف الوهم الذي أغرق رئيس الوزراء الاسرائيلي المجتمع الإسرائيلي فيه بترديد مقولة أن شيئا لا يمكنه أن يؤثر على الأمن الاسرائيلي.
وبلغ الأمر حد اتهامه بتوظيف العدوان على قطاع غزة لأغراض انتخابية ولصرف الأنظار عن قضايا الفساد الضالع فيها نتنياهو.
وشهدنا كيف تغير تناول الإعلام الإسرائيلي وعدد لا بأس به من الشخصيات اليهودية المؤثرة في عدة بلدان ومناطق من العالم، هذا كما أن المواجهات بين المواطنين الفلسطينيين والإسرائيليين داخل الأراضي المحتلة بما فيها القدس كانت تحمل في طياتها، إذا لم يتم وأدهافي مهدها، نذر حدوث انتفاضة جديدة يمكن أن تتحول إلى أحداث دامية وربما حرب أهلية يصعب السيطرة عليها.
فضلا عن تفاعل الرأي العام العالمي وخاصة في الدول الغربية وبالاخص في الولايات المتحدة مع الأحداث الأخيرة في قطاع غزة وخروج إعداد غفيرة فيها وفي غيرها في مظاهرات تطالب بوضع نهاية لمعاناة الشعب الفلسطيني.
وأدركت القاهرة أن المناخ المشار إليه يسمح بأن تسفر جهودها والدول العربية في إعادة أحياء مسار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين عن النجاح في استعادة الحوار بين الطرفين والانخراط في عملية مفاوضات يدعمها المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة، والتي للديمقراطيين والرئيس جو بايدن توجهات مختلفة إزاء القضية الفلسطينية مقارنة بإدارة ترامب، وهو الأمر الذي يبدو وأنه قد اضفى مزيدا من التفاهم والتنسيق بين القاهرة وواشنطن.
لذا فإن القاهرة تسعى لتثبيت الهدنة وتحقيق استدامتها والدفع سريعا في ترجمة مساعي إعادة أحياء عملية السلام إلى واقع قبل أن تنطفئ جذوة الأحداث الأخيرة وفي هذا الاطار تتطلع القاهرة إلى فرص عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط قريبا بكل اهتمام.
السفير علي الحفني مساعد وزير الخارجية الأسبق