دكتور عمر محمد الشريف يكتب: "الهمذاني" شيخ التصوف في آسيا الوسطي
شيخ مرو، العالم العلامة، الصوفي الزاهد، الشيخ يوسف بن أيوب بن يوسف الهمذاني البوزنجردي، مؤسس المدرسة الصوفية في آسيا الوسطى، كان السلاطين السلاجقة يجلونه، ويروى أن السلطان "معز الدين أحمد سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان"، أرسل له خمسين ألف قطعة من الذهب من أجل نفقات تكية الشيخ في مرو، ورسالة يطلب السلطان فيها من الشيخ أن يقرأ له الفاتحة، ويدعو أتباع الشيخ ألا ينفصلوا عنه.
الهمذاني أصله من همذان من قرية بوزانجار، ولد في حدود سنة 440هـ، انتقل إلى بغداد وأصفهان وبخارى، لمع اسمه في العراق وخراسان وبلاد ما وراء النهر وخوارزم.
تفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان ، وسمع الحديث من أبي بكر الخطيب، وسمع بأصبهان من حمد بن ولكيز ، وطائفة ، وببخارى من أبي الخطاب محمد بن إبراهيم الطبري، وبسمرقند من أحمد بن محمد بن الفضل الفارسي.
كما تفقه على أبي إسحاق الشيرازي الذي كان يقدمه على جماعة كثيرة من أصحابه، مع صغر سنه، لمعرفته بزهده، وحسن سيرته، واشتغاله بنفسه.
درس الفلسفة العقلية ودرس فيها، ثم تحول عنها إلى الرياضة الروحية، والتفرغ لتعبد الله عز وجل وتدريس علوم التصوف، وإلى دعوة الناس إلى الطريق المستقيم، يروى أن سئل أبو الحسين المقدسي: هل رأيت ولياً لله ؟ قال: رأيت في سياحتي أعجمياً بمرو يعظ ، ويدعو إلى الله، يقال له : يوسف.
تعلم على يد الشيخ الهمذاني العديد من العلماء، كما نسب له عدد لا بأس به من رجال التصوف، لعل أبرزهم خواجا عبدالله باركي، وخواجا حسان أنداكي ، وخواجا أحمد يسوي، وخواجا عبد الخالق غجدواني.
عبدالخالق غجدواني ولد في غجدوان ـ ضم أوله، وسكون ثانيه، وضم الدال، وآخره نون - من قرى بخارى، وبها نشأ، وفيها توفي سنه 575هـ، أحد رجال الطريقة النقشبندية.
أما أحمد يسوي فيُعد فيلسوفًا وشاعرًا، وزاهدًا متصوفًا، كان أول شاعر معروف كتب بلهجة تركية محلية، تلامذته كان لهم دور في نشر الإسلام في الأناضول، له كتاب بعنوان "ديوان الحكم" يعد من أقدم الكتب المكتوبة باللغة التركية، وهو كتاب في الأدب الصوفي.
من مؤلفات الشيخ الهمذاني : "رتبة الحياة"، و"منازل السالكين في التصوف"، وقد وقفت على رسالة للهمذاني مكتوبة بالعربية بمكتبة فاضل أحمد بتركيا، وبشرنا الشيخ أحمد حسين الأزهري أنه حققها وعلق عليها وستنشر قريباً بإذن الله، وشرح مواضع منها باللغة الإنجليزية في محاضرة عن الإسلام والكون بسنغافورة.
قال أبو سعد السمعاني عن الشيخ الهمذاني:
"الإمام الورع التقي الناسك العامل بعلمه والقائم بحقه صاحب الأحوال والمقامات الجليلة وإليه انتهت تربية المريدين واجتمع في رباطه جماعة من المنقطعين إلى الله ما أتصور أن يكون في غيره من الربط مثلهم، وكان من صغره إلى كبره على طريقة مرضية وسداد واستقامة".
وقال عنه ابن خلكان:
"يوسف بن أيوب بن يوسف بن الحسين بن وهرة، أبو يعقوب الهمذاني، الفقيه العالم الزاهد الجليل الرباني صاحب المقامات والكرامات، اشتغل بالزهد والعبادة والرياضة والمجاهدة حتى صار علما من أعلام الدين يهتدي به الخلق إلى الله تعالى".
قال الذهبي: "الإمام العلم الفقيه القدوة العارف التقي شيخ الإسلام ..
وكتب الكثير، وعني بالحديث، وأكثر الترحال، لكن تفرقت أجزاؤه بين الكتب ، فما كان يتفرغ لإخراجها، كان مشغولا بالعبادة، من أولياء الله".
وقال يوسف بن تغري بردي:
"كان إمامًا فاضلًا، وله لسان حلو في الوعظ، وللناس فيه محبة وعليه القبول".