الإخوان بعد التقارب المصري القطري.. احتمالات مفتوحة وخسائر مؤكدة
كيف سيكون مستقبل جماعة الإخوان المسلمين بعد التقارب المصري القطري، يوم الثلاثاء القادم؟ اجتماع غير عادي لوزراء الخارجية العرب بالدوحة وبحضور وزير الخارجية المصري سامح شكري، وكالات الأنباء قالت إن الاجتماع مخصص لبحث قضية سد النهضة، بما يعني أن السياسة القطرية بدأت اتخاذ خطوات التحول من العداء لمصر، إلى الحياد إلى الوقوف بجانب مصر وتدعيم مواقفها خاصة في قضية محورية كقضية سد النهضة.
يأتي ذلك بعد أيام من زيارة وزير الخارجية القطري لمصر، واستقبال الرئيس المصري له، ودعوة قطر الرئيس المصري لزيارة الدوحة، هذا المقال ليس مخصصًا لقضية سد النهضة وما يمكن أن يترتب على اجتماعات وزراء الخارجية العرب في الدوحة، وإنما مقصوده عن أثر التقارب القطري المصري على جماعة الإخوان.. لا توجد إجابة محددة، والاحتمالات كلها مفتوحة، لكن أيًا ما كان الأمر فإن الذي لا شك فيه أن التقارب القطري المصري يمثل ضربة لجماعة الإخوان خاصة لو أضفنا لذلك التقارب المصري التركي.
هل ستلجأ جماعة الإخوان إلى دولة داعمة لها كبديل لقطر وتركيا؟ وهل تجد الجماعة دولة تقدم لها دعمًا غير محدود يقوي الجناح الاقتصادي للجماعة كما الشأن بالنسبة لقطر؟ الأمر هنا متعلق بمدى استفادة الدولة التي تقدم دعمًا من الإخوان، بمعنى أن الدولة التي تكون محضنًا للإخوان لابد أن في المقابل أن تجد دعمًا وظيفيًا من الجماعة داخل إقليم هذه الدولة.
نحن هنا نتحدث عن الاستراتيجية العامة للجماعة، وأما البحث عن أماكن آمنة لأفراد الجماعة كالرحيل لهولندا أو ماليزيا أو جنوب إفريقيا فإن قيادات من الإخوان بدأت البحث عن أماكن آمنة منذ حوالي 4 سنوات، لكن هذا لم يكن مرتبطًا بالتغييرات السياسية الخارجية المصرية الخاصة بالتقارب التركي والقطري مع مصر، لا سيما أن ياسين أقطاي مستشار الرئيس أردوغان قال: إن أنقرة لن تسلم أحدًا من الجماعة، وبالتأكيد قطر لن تسلم أحدًا من قيادات الإخوان لمصر.
نرجع إلى التغيرات في السياسة القطرية تجاه مصر، حيث ظهرت بوادرها في وقف التحريض ضد مصر من على منصة مهمة مثل قناة الجزيرة، وبدأت القناة الفضائية تضع كلمة (الرئيس) قبل اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأما صحف قطر فبدأت تستخدم عبارة (فخامة الرئيس المصري) بعد أن كانت تقول (قائد الانقلاب).
قطر سبق وأن أعلنت على لسان وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في حديثه للتليفزيون العربي أن مصر من الدول الكبرى في المنطقة، وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي يمثل الشرعية المنتخبة في مصر، وعن سؤاله حول ملف الإخوان المسلمين في مصر أكد أن النقاط الخلافية هي نقاط من الممكن معالجتها، وأن قطر تعمل مع الحكومة المصرية وهي حكومة شرعية تم انتخابها.
هذا الخطاب القطري معاكس لتوجهات جماعة الإخوان، وصادم لها، وعليه فإنه أيا ما كانت طريقة الدعم القطري لجماعة الإخوان ومستواها وكيفيتها -التي لم تتضح بعد- فإن قطر لن تكون السند الأكبر للجماعة كما كانت، ولن تجعل إعلامها هو المتحدث باسم الإخوان فيما يخص الشأن المصري، وهذا من أثر التقارب المصري -القطري على جماعة الإخوان.
المصالحة المصرية القطرية، أو سمِّها: (التفاهمات) أو سمها: (تطبيع العلاقات بين البلدين)، وما نراه من تسارع وتيرة التقارب لن يكون في صالح الإخوان لا عمليًا ولا نفسيًا، وأتوقع أن قطر وإن لم تعمل على تصفية الجيوب والأذرع الإخوانية والتخلص من العبء الذي تشكله جماعة الإخوان في علاقتها بمصر ودول الخليج، لكنها ليس أقل من أنها ستحدد وتقوض هذا العبء، وإن كان الملاحِظ لقناة الجزيرة الفضائية يرى تغيرًا واضحًا بدا في هذا الاتجاه منذ قمة العلا بالسعودية.
نعرف أن وضع الإخوان في قطر يختلف عن مثيله في تركيا، فبينما الإخوان في تركيا حصل آلاف منهم على ما يسمى "الإقامات الإنسانية"، وهي إقامات تتيح لهم الحركة داخل تركيا، لكن الأمر في قطر أكثر تعقيدًا، لإن الإخوان يسيطرون في قطر على مجالات الفكر والتعليم والثقافة، مما يصعب انتزاعهم، ولكن يسهل تقييدهم وتقليم أظافرهم، لا سيما في المجال الإعلامي الذي يُتوقع أن يخضع لاعتبارات المصالح المشتركة بين مصر وقطر، لا سيما وأن خطاب الدبلوماسية المصرية ثابت فيما جاء مرارًا وتكرارًا على لسان وزير الخارجية المصري من أن (الأقوال وحدها لا تكفي).
تتمثل خسارة الإخوان من التقارب بين مصر وقطر -فوق ما ذكرنا- في نقاط أخرى، منها:
1-الموقف النفسي الذي وضعت فيه الجماعة أتباعها من حيث أيقنوا أن ما يتم تصديره من تغريدات تويتر وصفحات الفيس بوك والمواقع والقنوات الفضائية شيء، وأن الواقع شيء آخر، وأن كل وعود الإخوان من 30 يونيو إلى اليوم صارت هباء وعبثا.
2- أن وسائل الإعلام القطرية، وعلى رأسها قناة الجزيرة الفضائية لن تقدم الدعم النفسي الذي التي كانت تعتمد عليها جماعة الإخوان وتنتظره وترجوه.
3-أن قناة الجزيرة وإن لم تتوقف تمامًا عن سياستها، لكنها لن تعمل على توظيف برامجها ومنصاتها في تضليل الرأي العام المصري والعمل على فقد الثقة في مؤسساته من خلال التأثير النفسي وصناعة الإحباط التي كانت تصدرها طوال السنوات السابقة، والتشكيك في قرارات الدولة المصرية، لإرباك المشهد الداخلي في مصر، وهز الاستقرار، وجعل المواطن المصري في حالة حماسية ملتهبة دائمة، على أننا نؤكد أن حتى هذا ما عادت القنوات الداعمة للإخوان لها تأثير ملموس فيه.
4- أيضا فإن ملف سد النهضة من أهم وأخطر الملفات الإقليمية، وقد ظلت القنوات الداعمة للإخوان برعاية دولة تسخر من الموقف المصري وتحركات القيادة المصرية، وتصدر الهزيمة واليأس، وفي هذا الاتجاه لوحظ أن قناة الجزيرة بدأت اتخاذ خطوات إيجابية داعمة للموقف المصري الرسمي، ومدافعة عن حق مصر، وهذا يغضب جماعة الإخوان التي تتمنى وقوف الجزيرة ضد الدولة المصرية.
أما من ناحية جماعة الإخوان فلا جديد، مازالت الجماعة معتصمة في الزمان والمكان، ومازالت غير مدركة للواقع من حولها، وما زالت المراجعات عندها تعني التفريط، ومازالت تجعل كل هزيمةٍ ابتلاءً، وكل خذلانٍ محنةً، والضربات تأتيهم من كل ناحية، فيصدرون لأتباعهم أن النصر قادم، ولا بدائل عندهم ولا حلول، ولا يفيقون من أثر الحماس، وإذا كانت الدولة تجاوزت الجماعة فإن الأهم أن المجتمع المصري نفسه لم يعد يتمحور حول الجماعة وقضاياها ومطالبها.