مفتي الجمهورية: علماء الدين أخذوا على عاتقهم نشر الصورة الحقيقية عن الإسلام للعالم
قال فضيلة الدكتور شوقي علام، مُفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إن علماء الدين أخذوا على عاتقهم نشر الصورة الحقيقية عن الإسلام، والتي نأمل في أن تمنح العالم فهمًا أفضل عن الإسلام، وهذا الفهم بدوره يُساعدنا جميعًا أن نحيا معًا في سلام واستقرار وتعاون متبادل.
جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها اليوم أمام مجلس اللوردات البريطاني عبر تطبيق "زووم"، وهو أول لقاء من نوعه بين مُفتي مصر وأعضاء مجلسَي اللوردات والعموم البريطاني، حيث سيُشارك نحو 200 عضو من اللوردات والعموم في اللقاء، بخلاف المُشاركين من وسائل الإعلام العالمية وبعض الرسميين البريطانيين المعنيين.
وأضاف الشيخ علام أن العالم أجمع أصبح مُعرضًا لخطر الإرهاب، ونحن جميعًا في سفينة واحدة، وعلينا أن نتعاون معًا ونبذل الجهد المُشترك من أجل مُواجهة هذا الخطر الذي يُهدد الجميع، ولن ننجح في تحقيق أي تقدم ملموس في هذا الملف الخطير إلا بتحمل كل طرف مسئوليته بجدية.
وأكد مفتي الجمهورية أن الفتوى تعد إحدى الأدوات المهمة من أجل استقرار المجتمعات؛ ولكن الجماعات المُتطرفة تستخدمها كأداة لهدم المُجتمعات ونشر الفوضى، وتستغل بعض النصوص الدينية التي تُفسرها بمنطق مُشوه وغير علمي من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية وتبرير أعمالهم الإجرامية.
وأشار إلى أن دار الإفتاء استشعرت خطر فتاوى الإرهاب، وقامت بحزمة من الإجراءات لمُواجهة الآلية الدعائية للتنظيمات الإرهابية ومن ضمنها تنظيم “داعش” الإرهابي، وذلك من خلال إقامة مرصد لمُتابعة الفتاوى التكفيرية والمُتشددة، والرد على هذه الفتاوى وتفنيدها من خلال منهج علمي رصين، وإقامة مركز تدريبي مُتخصص حول سبل تناول ومعالجة الفتاوى المتشددة.
وأوضح أن دار الإفتاء استغلت أيضًا الطفرة الإلكترونية الهائلة ووسائل التواصل الحديثة، للوصول إلى أكبر قطاع مُمكن من الناس من مُختلف الدول وبمُختلف اللغات، حيث أطلقت العديد من الصفحات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي للرد على المُتطرفين، والتي تزيد عن عشر صفحات يتابعها ما يقرب من 12 مليون مُستخدم، فضلًا عن الموقع الإلكتروني للدار الذي ينشر الفتاوى والمقالات والأبحاث ومقاطع الفيديو بعشر لغات، وإطلاق صفحة إلكترونية بعنوان "داعش تحت المجهر" باللغتين العربية والإنجليزية، لتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تسوقها التنظيمات الإرهابية، وإطلاق مجلة إلكترونية "بصيرة" باللغتين العربية والإنجليزية، لنشر الإسلام الوسطي المعتدل، وترجمة أكثر من 1000 فتوى باللغات الإنجليزية، الفرنسية، والألمانية، نسبة كبيرة من هذه الفتاوى متعلقة بتفنيد مزاعم التيارات المتطرفة وما تسوقه من مفاهيم وتصدره من فتاوى مغلوطة، وكذلك إصدار موسوعة لمعالجة قضايا التطرف والتكفير باللغات الأجنبية.
وتابع فضيلة المفتي: “الإسلام نسق عالمي مفتوح لم يسعَ أبدًا إلى إقامة الحواجز بين المسلمين وغيرهم؛ وإنما دعا المسلمين إلى ضرورة بناء الجسور مع الآخر بقلوب مفتوحة وبقصد توضيح الحقائق”.
وقال إن الإسلام الذي تعلمناه وتربينا عليه دين يدعو إلى السلام والرحمة، وأول حديث نبوي يتعلمه أي طالب للعلم الديني: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، وفهمنا للإسلام ينبثق من فهم معتدل صاف للقرآن: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]. وعندما قال الله: (لتعارفوا) لم يكن مراده تعالى أن يقتل بعضنا بعضا، فكل الأديان متفقة على حرمة قتل الأبرياء، وإنما أمرنا بالتعاون على نحو بنَّاء يحقق التنمية والاستقرار للأفراد والمجتمعات والأوطان".
وأكد مفتي الجمهورية أن مصدر التبرير المزعوم لكثير من مظاهر التطرف والعنف في العالم الإسلامي وخارجه ليس مراده تعاليم الأديان، ولكن مجموعة مُعقدة من العوامل نحتاج لفهمها جيدًا بشكل مُعمق حتى نعالج هذه الظواهر التي تهدد العالم أجمع.
واستكمل: "اسمحوا لي أن أكون واضحًا بأن أكرر لكم أن الإسلام ضد التطرف على طول الخط، لكننا إن لم نفهم العوامل التي تُقدم لتبرير العنف، فلن نتمكن أبدًا من استئصال هذا الوباء، ولا بد من فهم ذلك حتى نبني مُستقبلًا أفضل يضع نهايةً لهذا الوضع الذي يؤزم العالم".
ونوه مفتي الجمهورية: "أعلم أنه لا يكفي أن نقول: إن الإسلام دين السلام، ولكن لا بد من اتخاذ خطوات ملموسة لغلق الباب أمام هؤلاء القلة المنحرفة عن تعاليم الأديان"، لافتًا إلى واحدة من المشكلات التي تواجه المجتمعات الدينية اليوم، ألا وهي قضية المرجعية، فالإسلام والأديان الأخرى تشهد ظاهرة تصدي غير المتخصصين ممن ليس لهم نصيب وافر من التعليم الديني وتنصيب أنفسهم مرجعيات دينية، بالرغم من أنهم يفتقرون إلى المُقومات التي تؤهلهم للحديث في الشريعة والأخلاق، وقد أدى هذا التوجه إلى فتح الباب على مصراعيه أمام التفسيرات المتطرفة للإسلام والتي لا أصل لها في الواقع.
وأشار إلى أن أحدًا من هؤلاء المتطرفين لم يدرس الإسلام في أيٍّ من معاهد التعليم الديني الموثوق بها، وإنما هم نتاج بيئات مفعمة بالمشاكل، وقد انخرطوا في تفسيرات مشوهة ومنحرفة لا أساس لها في العقيدة الإسلامية، فغايتهم تحقيق مآرب سياسية محضة ليس لها أصل ديني؛ فهمهم إشاعة الفوضى في العالم.
وحول المفهوم الشرعي الصحيح للجهاد المحقق لمقاصد الشريعة، أوضح فضيلة المفتي أن الذي يكون تحت راية الدولة لصد العدوان وتحرير الأوطان هو أمر شريف، وأثره هو الهداية، أما إطلاق اسم الجهاد على التكفير، سفك الدماء، قطع الرقاب، ترويع الآمين، تهجير الناس، سبي النساء، نقض العهود والمواثيق، نشر الفزع، وتخريب الديار، فهذا هو الافتراء بعينه، ولا يُحقق من مقاصد الشرع الشريف شيئًا.
وتابع فضيلة المفتي: “فشتان ما بين الجهاد الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يندفع به العدوان، وبين ما تقترفه التنظيمات الإرهابية من إجرام في حق الإسلام، وأن جماعة الإخوان ليست جماعة دعوية ولا علمية، بل هي جماعة إرهابية تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في كل الدول أينما حلت بها، ورسالتها وغايتها الإرهابية لا تمت إلى الإسلام بصلة”، لافتًا إلى أن دار الإفتاء عكفت على دراسة هذه الجماعة من خلال أدبياتها المُختلفة وبرهنت بما لا يدع مجالًا للشك أن الفكرة الإخوانية قائمة على العنف والإرهاب.
وأكد مفتي الجمهورية أن مصر خطت خطوات واسعة في محاصرة الفكر التكفيري، وحذرت العالم من هذا الوباء مرارًا وتكرارًا، ولم تجد دعوتها آنذاك آذانًا مصغية، وإننا في مصر نعالج قضايا التطرف الديني من منطلق رسالتنا الأساسية بأن الهدف الأسمى لكل الأديان هو تحقيق السلم العالمي، وأن مصر تقدر اهتمام العالم أجمع بالحراك الدائر فيها، وينبغي هنا التأكيد على أهمية إدراك الواقع المصري بكل مشتملاته وسياقاته الصحيحة، وأخذ المعلومات عن مصر وما يحدث من حراك من المصادر المعتمدة.
وقال فضيلة المفتي: "لقد عززنا - بوصفنا علماء دين- في مصر وخارجها من المشترك الذي يتقاسمه الإسلام والمسيحية وغيرها من الديانات، وشددنا على أن الدولة الحديثة لا بد أن تكون مبنية على أساس من العدل وسيادة القانون".
واختتم مفتي الجمهورية كلمته بتطلعه إلى أن يلتقي بالمشاركين في مجلس اللوردات بعد زوال جائحة (كوفيد 19) لكي نستمر في التواصل معًا حول هذه القضايا وغيرها، ونتفق على أجندة عمل مشتركة لتحقيق السلام والاستقرار للمجتمعين البريطاني والمصري ولكافة الشعوب والمجتمعات.
يُذكر أن فكرة اللقاء انطلقت منذ أسابيع، بعد أن حازت آراء فضيلة المفتي حول جماعة الإخوان وموقف الإسلام من جماعات التطرف والعنف والإرهاب إعجابَ مجلسَي اللوردات والعموم، حيث كان قد بعث بها فضيلة المفتي إلى أعضاء المجموعة المصرية البريطانية، التي تضم 61 عضوًا من أعضاء مجلسي اللوردات والعموم، عبر مؤسسها وأمينها العام سمير تكلا، لكن استمرار ظروف جائحة كورونا، وتعجل الجانب البريطاني بعقد اللقاء، ليتم افتراضيًّا عبر تطبيق زووم.