الأحد 30 يونيو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

بابٌ مفتوحٌ للشمس.. قصة قصيرة لناصر خليل

ناصر خليل
ثقافة
ناصر خليل
الإثنين 21/يونيو/2021 - 01:59 ص

- الصلاة خيرمن النوووووم.. الصلاة خير من النوووووم.

يوقظني صوت المؤذن "رضوان " العذب، يمط كلمة النوم ما شاء له، يطربني سماعها منه بداية كل صباح، أرفع بكسل الغطاء الثقيل عن جسدي الممدد فوق السرير النحاسي ذي الأعمدة التي فقدت لونها الذهبي وصار أخضر باهتًا، تتسرب برودة طوبة اللاسعة إلى رأسي، صدري، ثم تغزو بقية جسدي حال كشفه تمامًا.

لحظات تمر، أفكر في شد الغطاء فوقي مرة ثانية والعودة إلى ما كنت عليه من نوم لذيذ لكني أتراجع، أهب واقفا حين أتذكر موعدهم اليومي، أتساند على ما أقابله من أثاث وجدران حتى أصل الحمّام، أغتسل كما يجب. تأخذني قدماي على مهل إليه ككل يوم في بداية الصباح، لم يبرح مكانه منذ أن أهداني إياه من سنين الراعي المبتسم دائما، لم يترجل من صلبه حتى الآن، أجثو أمامه على ركبتي صامتا خاشعا، أنا لا أملك جراءة النظر في عينيه اللامعتين، أطرق إلى الأرض المفروشة بحصير بلاستيكي متهرئ فقد لونه، أغمض عيني، يطفو ذلك السؤال كبقعة زيت فوق ماء... 

  • هل أنت راض عني؟

"أبونا" القس الجديد لكنيستنا في لقاء الأحد الماضي أخبرني أنك لست راض عني وعما أفعله، وأنني يجب أن أتوقف عن أفعالي تلك، لمحت شيئا غريبا في عينيه منعني تصديقه، وصورتك خلفه على الجدار في هيئة وادعة طمأنتني. ليس" أبونا" وحده الغاضب مني ومن عملي، "أبو خاطر " العمدة الابن لا يكف عن القول" ازاي بنيامين الخواجة يعلم أولادنا القرآن؟"، نسي أنني -- أنا من علمته القرآن والقراءة والكتابة عندما كان صغيرًا.

أتنفس بهدوء، أدعو الله أمامه بما شاء لي من خير وهداية لي ولهم، ورحمات لزوجتي ورفيقة دربي المتنيحة " اودوميا" التي خذلتني وفارقتني لملكوت الله ولم تأخذني معها. 

أرفع صوتي في تبتل:

  • يا واهب الحياة هلم طهرنا من كل دنس خلص أيها الصالح نفوسنا!!!

أضم إبهامي وسبابتي والوسطى في نقطة واحدة، أرفعهم أعلى جبهتي، فأعلى بطني ثم كتفي الأيمن فالأيسر، أقوم وأنصرف من أمامه راضيا.  لا دفء ولا ونس في البيت بعدك يا " اودوميا"... لا طعم لكوب الشاي الذي أعده بنفسي ولا حتى الكسرات يرغبن في مفارقة فمي الأدْرَدُ، الولوج إلى داخل حلقي، رغم طول مدة فراقها لم أعتد على العيش وحدي في هذا البيت 

في الصالة الكبيرة...كل شيء في مكانه المعتاد منذ زمن، السبورة السوداء ذات البثور المنثورة على وجهها معلقة على الحائط وعليها بقايا حروفهم المتعرجة، “الكروتيات "الخشبية، الكراسات، بقايا أقلامهم الرصاص...الكل صامتون كأنهم في صلاة صباحية، يجهزون أنفسهم لمقابلتهم. كل هذا يشيع بهجة في نفسي وما حولي. 

أجلس في مكاني المعتاد على كرسي خشبي قديم، أحمل ذلك الكتاب بين يدي، قشعريرة تسري في جسدي.

كتابٌ مباركٌ هو!!!

لا أكف عن النظر فيه، رغم أنني أحفظ كل حرف منه، كثيرة هي النسخ التي لمستها يداي وصافحتها عيناي لكن هذه النسخة أفضل؛ خطها واضح وكبير يريح عيني العجوزين عند القراءة، أنا ممتن لتلميذي النجيب الشيخ

يعلو صوتي بالقراءة من وردي اليومي يملأ جنبات البيت: - 

بسم الله الرحمن الرحيم: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82)............... صدق الله العظيم 

أقرأ ما تيسر لي، تهدأ روحي لكلمات الله، تهمي عيناي، أقوم، أفتح ضلفتي بابي القديم على مصراعيه، أتحامل على نفسي، أقف على العتبة، أنتظر وصولهم. الشمس تملأ الشارع والساحة، اقترب موعدهم. يتدافع الصغار في جلبة وضحكات تتجاوب معها جدران بيتي، تهتز الصور والأشياء طربا لسماع أصواتهم، وحركاتهم التي بددت الصمت الطويل.

- فليبارككم الرب!!!

تتبدد كل هواجسي، يتوارى أبونا القس الغاضب وكذلك أبو خاطر وكل هؤلاء الذين لا يرضون عنك يا بنامين، يهدأ خاطري، لحظات يصخبون ثم يجلس كل في مكانه وأبدأ:

  • بسم الله الرحمن الرحيم

يصمت الجميع، يرددون ورائي، يقلدون كل حركة تخرج من فمي 

-   بسم الله الرحمن الرحيم 

"يسّ.

-  يسّ.......................

النور يفيض من حولي، أصواتهم المرددة للكلمات تبدد وحشتي، استمر في أداء مهمتي راضيا وأواصل حياتي. 

تابع مواقعنا