السفير محمد بن يوسف: روابط حضارة وثقافة مصر وتونس ضاربة في عمق التاريخ
نظم المجلس الأعلى للثقافة، بأمانة الدكتور هشام عزمى، وبالتعاون مع قطاع العلاقات الثقافية الخارجية، برئاسة صبرى سعيد، الأمسية الخامسة عشرة ضمن سلسلة أمسيات مبادرة (علاقات ثقافية) تحت عنوان: مصر وتونس: علاقات ثقافية، وذلك احتفاءً بالعلاقات الثقافية المصرية التونسية، وضمن إطار الاحتفال بعام 2021 - 2022، باعتباره عام الثقافة المصرية التونسية، وافتتح الأمسية وأدارها الدكتور هشام عزمى، وتضمنت كلمة لسفير جمهورية تونس بالقاهرة محمد بن يوسف، والسفيرة رانية البنا نائب مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون دول المغرب العربي.
وشارك فى الأمسية عدد من الأدباء والمفكرين من بينهم: الدكتور سعيد المصري أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، والأديبة سلوى بكر، والدكتور أيمن فؤاد؛ أستاذ التاريخ الإسلامي، ورئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، والكاتب الصحفي محمد محمد نوار.
وقال السفير محمد بن يوسف خلال كلمته: "يطيب لي بداية أن أعرب عن خالص شكري وامتناني لوزارة الثقافة لدعوتي للمشاركة في هذه الفعالية المهمة التي تعد مناسبة متميزة لتسليط الضوء على متانة الروابط الحضارية والثقافية الضاربة في التاريخ التي تجمع تونس بمصر وشعبينا الشقيقين؛ فالثقافة والفنون كانت وستظل دوما أهم أشكال التواصل بين الأمم والتخاطب والتلاقح بين الحضارات، ومن أنجع وسائل التفاهم بين الدول والشعوب بما في ذلك عند الأزمات؛ فالشعوب التي تتحاور وتتواصل ثقافيًا لا تلجأ إلى الحروب وافتعال الصراعات المسلحة فلغة الابداع والفن أشد تأثيرا بالتأكيد من لغة السلاح الكون الثقافة مفهومها شامل وجامع وفعلها سريع عند توفر الإرادة والحرص على احترام الخصوصيات الحضارية والثقافية لبعضنا البعض، الحضور الكريم ما دام اتسمت العلاقات التونسية المصرية بالعمق والتميز؛ حيث تجمع الشعبين التونسي والمصري قواسم مشتركة تاريخية وحضارية بإلإضافة إلى الاشتراك في العديد من العادات والتقاليد.
وأضاف أن تونس ومصر قد شهدوا محطات تاريخية عديدة؛ فلقد كان الانتقال عاصمة الفاطميين من المهدية، المدينة الساحلية التونسية إلى القاهرة على يد المعز لدين الله الفاطمي سنة 972 م، والتي لا تزال الهندسة المعمارية فيها شاهدة على تلك الحقبة إلى يومنا هذا، كما أن هجرة قبائل مثل: (بنى هلال) و(بنى سليم) إلى تونس أثمرت إبدعًا أدبيًا من أقدم السير الشعبية، عُرف فى تونس بالجازية الهلالية، وفى مصر بالسيرة الهلالية، ومن جانب آخر كان للمبدعين والمثقفين فى مختلف الفنون دورًا مهمًا في توطيد وتعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين في ظل إرادة سياسية من الجانبين تشجع على مد هذا التواصل؛ حيث انتقل عدد من المبدعين والمثقفين التونسيين إلى مصر، وبعض المصريين إلى تونس، وكان أبرزهم العلامة التونسي عبد الرحمن ابن خلدون الذى استقر في مصر منصب قاضى القضاة المالكية بالقاهرة، كما تشير إلى أن مصر المعروفة باحتضانها للفكر والعلم بشيء مجالاته قد استقبلت العلامة التونسي المولد الشيخ محمد الخضر حسین، الأجنبي الوحيد الذى تولى مشيخة الأزهر الشريف خلال الفترة 1952 - 1954، ومنحته جنسيتها وبوأته أعلى المناصب العلمية والفقهية لما اشتهر به من قدرات على قراءة منفتحة للدين الإسلامي الحنيف ولقيمة السمحة والمعتدلة.".
وواصل مضيفًا: "لا بد من التنويه كذلك أن النشيد الوطني التونسي الذى أعد قصيدته الشاعر المصري المبدع مصطفى صادق الرافعى، والذى أضيفت له أبيات شعرية لرائد الشعر التونسي أبو القاسم الشابي، يقيم الدليل على عمق الروابط الثقافية التونسية المصرية وعلى التعاون التونسى المصري فى مجالات الفن والابداع، وبما أن مصر كانت ولا تزال (هوليود الشرق)، ومحطة مهمة فى مسيرة الممثلين والموسيقيين التونسيين والعرب فقد عرفت استقرار عدد منهم سابقا على غرار الفنانة الكبيرة (عُلية)، والشاعر بيرم التونسى المؤسس الحقيقى لشعر العامية المصرية الحديث، فضلًا عن دوره فى تطوير الأغنية المصرية والعربية التى تغنت بها (أم كلثوم)، والعديد من المبدعين المصريين، كما تحتضن مصر العديد من الفنانات والممثلات والممثلين والمخرجين التونسيين، منهم على سبيل الذكر الفنانة هند صبرى، والنجمة لطيفة وظافر عابدين ودرة زروق، وعائشة بن أحمد وغيرهم كثيرون، السيدات والسادة إن العلاقات التونسية المصرية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية كانت متميزة عبر العصور، وقد حرصنا من جانبنا كسارة أن يكون للثقافة جانب مهم فى نشاط سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال زيارته إلى مصر من 9 إلى 11 أبريل 2021 والتى خص فيها بحفاوة استثنائية من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى، وفى هذا السياق حرى بنا التذكير أنه إيمانا من قيادتى البلدين بأهمية الثقافة بوصفها رافد هام وأساسي في مزيد توثيق العلاقات بين بلدينا في كل المجالات الإبداعية وكذلك فى مواجهة تيارات الردة والرجعية التي تهدد مجتمعاتنا ومستقبل شبابنا فى عالم يتهدده العنف والإرهاب والتطرف ورفض الآخر، اتفق الرئيسان سعيد والسيسي على أن تكون سنة 2021 - 2022 سنة الثقافة التونسية المصرية".
ثم تابع السفير التونسي قائلًا في مختتم كلمته: "كلنا حرص على أن تكون التظاهرات والفعاليات الثقافية التي ستتم برمجتها خلال هذه السنة الثقافية تتجاوز النشاطات التقليدية والمشاركات المتبادلة في المهرجانات لتشمل تعبيرات فنية جديدة يكون للشباب فيها دور متقدم، وسنعمل خاصة على تشريك المبدعين والمختصين الذين سيكونون مدعوين لتقديم رؤى جديدة ومبتكرة للتعاون في مجالات الفنون الفنية والفكرية والأدبية كافة، وأن تكون النشاطات التي سوف تُبرمج تليق بحضارة وتاريخ تونس ومصر ووعى ونضج شعبيهما، وفى الختام أود أن أؤكد أن الاستثمار في الثقافة والإبداع هو السبيل الوحيد لحماية مجتمعاتنا وشبابنا من الانزلاقات الفكرية والسلوكية، وكما قال أحدهم أعطني مسرحًا أعطيك شعبا عظيمًا، عاشت الثقافة التونسية المصرية".