بعد 200 مليار جنيه.. كيف يمكن إنعاش القطاع الصناعي المصري من حالة الركود؟ (ملف خاص)
أظهرت تقارير ودراسات دولية وجود حالة من تراجع وبطء تحسن في القطاع الصناعي المصري منذ بداية جائحة كورونا، وحدوث نوع من تباطء الانتعاش الصناعي في مصر خلال 2021 التي شهدت طفرة صناعية عالمية في معظم الدول الصناعية الكبرى، ما طرح تساؤلا عن عدم استفادة القطاع من مبادرات الحكومة خلال العام الماضي، بتوفير 200 مليار جنيه لدعم الصناعة، وصرف دعم الصادرات بشكل فوري، وخفض أسعار الطاقة وسعر الفائدة، ووقوف الدولة بكافة طاقتها بجانب القطاع للنهوض به، وهل القطاع ما زال بحاجة لمزيد من الحوافز والاستثمارات.
وقال المهندس هاني برزي، رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية، إن هناك بالفعل تباطؤًا في الإنتاج الصناعي مؤخرًا، وذلك نتيجة نقص في بعض المستلزمات، مثل وجود مناطق صناعية مرفقة بشكل مناسب للاستثمار الصناعي ووجود أراضٍ بأسعار مناسبة أو ميسرة، وعدم وضوح الرؤيا في التشريعات الضريبية والسياسات النقدية، لافتًا إلى أن سرعة تغيير التشريعات الضريبية يؤثر بشكل سلبي في الاستثمار الأجنبي والمحلي في الصناعة.
مفاجآت الضرائب
وأوضح المهندس هاني برزي، في تصريحات لـ "القاهرة 24"، أن الاستثمار الصناعي يتسم بأنه متوسط الأجل، وأي تغير في التشريعات يؤدي لتغير سريع في الاستثمار الصناعي، مضيفًا: "أن افتتاح المشروع يأخذ بحد أقصى عامين، وعند عمل دراسة جدوى لأحد المشروعات في إطار سياسات ضريبية معينة، ثم يحدث تغير سريع في التشريع، فإن هذا يؤدي لتعطل المشروع ومعه تعطل الاستثمار".
وأشار إلى أن فرض ضريبة القيمة المضافة على الصناعات الغذائية كانت من المفاجآت الحكومية التي ظهرت لنا مؤخرًا، في الوقت الذي يسعى القطاع الصناعي فيه للتعافي، يفاجئ برفع الضريبة من 4% إلى 14%، وبين ليلة وضحاها يجد المصنع نفسه أمام زيادة ضريبية بقدر 9%، ما يؤثر في تعافي النشاط الصناعي وبطء الإنتاج والحد من التوسع بشكل عام.
تنفيذ مقترحات مجتمع الأعمال
ومن جانبه، قال المهندس عمرو فتوح، عضو لجنة الصناعة بجمعية رجال الأعمال المصريين، إن أزمة تباطؤ النمو الصناعي أزمة عالمية تعاني منها كافة الدولة من الصين ودول شرق آسيا مرورًا بألمانيا وفرنسا ودول أوروبا حتى الولايات المتحدة الأمريكية، بفعل جائحة كورونا.
وأوضح في تصريحات، لـ "القاهرة 24"، أن مجتمع الأعمال قدم للحكومة روشتات للحلول الصناعية وعلاج أزمة الصناعة المصرية، عبر الاجتماعات التي تمت بين رجال الأعمال واتحاد الصناعات مع الوزراء وكبار المسؤولين، على راسها مراجعة القوانين والتشريعات ومراجعة الضرائب وتكلفة الكهرباء والغاز والبترول للقطاع الصناعي التي تعد من الأعلى في العالم، ما يحد من منافسة المنتج المصري حتى مع أقل الدول المجاورة صناعيًا.
واتفق فتوح مع هاني برزي بضرورة استجابة رئاسة الوزراء والجهات الحكومية المختلفة، لما يتم الاتفاق عليه من بنود وتشريعات لدعم القطاع الصناعي، وليس فقط مجرد اجتماعات تتم بين الأطراف المختلفة، ثم تنفذ الحكومة القرارات التي تراها من ناحيتها فقط دون الاعتداد بما يقترحه مجتمع الأعمال المصري.
مؤشر مديري المشتريات والنمو الاقتصادي
وخلال مايو الماضي ارتفع مُؤشر مديري المُشتريات في مصر، بعد خمسة أشهر من التراجع، حيث سجّل المؤشر 48.6 نقطة مُقابل 47.7 نقطة في أبريل الماضي، حسب ما أعلنته الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط، وهو يعد من المقاييس الاقتصادية المهمة التي تعتمد عليها الشركات والمستثمرين والمؤسسات المالية، للتعرف على درجة نشاط الاقتصاد بوجه عام، والقطاع الخاص غير المُنتج للنفط.
كما خفض البنك الدولي من توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي الجاري والمقبل، على أن يحقق ارتفاعًا في العام المالي بعد المقبل، حسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمية، على أن ينمو الاقتصاد المصري هذا العام 2.3% مقابل 2.7% كان يتوقعها في تقرير سابق في يناير الماضي، موضحًا أن جائحة فيروس كورونا تظل عائقًا أمام النمو الاقتصادي في البلدان المستوردة للنفط، وضمنها مصر.
الصناعات الهندسية ترتفع 72%
ويرى المهندس شريف الصياد، رئيس المجلس التصديري للصناعات الهندسية، أن القطاع بدأ التعافي بشكل واسع وبوتيرة أعلى من المتوقع خلال العام الجاري 2021، متعافيًا بصورة كبيرة من الآثار السلبية للجائحة، قائلًا: “إن صادرات القطاع ارتفعت 72% خلال مايو الماضي فقط، لتتعافى بذلك من تأثيرات الجائحة على سلاسل الإمداد والتوريد التجارية عالميًا وتتخطى مرحلة الركود العالمي”.
أضاف الصياد، في تصريحات لـ "القاهرة 24"، أن قطاع الصناعات الهندسية يشهد تطويرًا ملحوظًا مرتفعًا بنسبة 53% أول 5 أشهر من 2021 لتسجل 1.177 مليار دولار حتى نهاية مايو مقابل 770 مليون دولار لنفس الفترة عام 2020، موضحًا أن الجائحة أثرت بشكل واسع على الصادرات عالميا خلال 2020 وامتد هذا الأثر طوال العام، قبل أن يبدأ التعافي تدريجيًا منذ يناير الماضي وترتفع الصادرات شهريًا بنسب قوية.
وجاءت أهم قطاعات الصناعات الهندسية التي ارتفعت صادراتها خلال الـ11 أشهر الأولى من العام المالي، الأجهزة الكهربائية 2% ومكونات السيارات 41% والكابلات 44% والأجهزة المنزلية 46% والصناعات الكهربائية والإلكترونية 26% وسائل النقل 31% وأدوات المائدة والمطبخ 49%.
غزوة المنتجات المستوردة
قال المهندس مجد الدين المنزلاوي، رئيس لجنة الصناعة بجمعية رجال الأعمال، ورئيس مجلس إدارة مجموعة طيبة للصناعات الهندسية، إن هناك هجمة على السوق المصرية حاليًا، بفعل وجود فائض كبير لدى الدول الكبرى المصدرة لمصر، عقب جائحة كورونا، ما أضعف رواج المنتج المصري في السوق المحلية أولًا، ليأخذوا بذلك جزءًا من "كعكة" التجارة المحلية أولًا، مع انخفاض أسعار منتجاتهم.
وأشار المنزلاوي، في تصريحات لـ "القاهرة 24"، إلى أن الدول الصناعية الكبرى، تدعم منتجاتها بشكل كبير ويدخل المصنعون الأجانب للبلاد دون ضرائب وتأمينات وتكليفات مخفضة، ما يصعب معه منافسة المنتج المصري، وهذا يعد السبب الرئيسي لعدم قيام الصناعة المصرية من كبوة الجائحة بالشكل المطلوب.
ولفت رئيس لجنة الصناعة إلى أن المنتجات المصرية محملة بأعباء كبيرة في القطاعين العام والخاص، هذا بالإضافة إلى عدم تفضيل المنتج المحلي في المشتريات الحكومية رغم وجود قانون ينظم هذا الأمر، بالإضافة لارتفاع تكلفة الشحن مؤخرًا وبطء العمليات الصناعية لعدد من مدخلات الإنتاج والخامات التي تستخدم محليًا، ما يؤدي لبطء وتأخر محلي، موضحًا أن إحداث التوازن في الصناعة المصرية يحتاج نظرة واسعة وشاملة بالتعاون بين القطاع الخاص والحكومة المصرية.
مبادرات المركزي والثورة الصناعية الرابعة
ومن ناحيتها، قالت الدكتورة سمر عادل، الباحثة في الاقتصاد السياسي، إن أبرز أسباب تراجع الإنتاج الصناعي في مصر خلال الفترة الماضية، هي الجائحة التي ضربت الاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد بين الدول، ما أثر في مدخلات الإنتاج للسوق المصري، الذي يعتمد بشكل واسع على المنتجات المستوردة في مدخلات الإنتاج الصناعي، لافتًا لارتفاع تكلفة الشحن عالميا بداية من أواخر العام الماضي 2020، مع عودة الحركة الصناعية عالميًا، ما كان له دور في بطء الانتعاش.
وأشارت الباحثة في الاقتصاد السياسي، في تصريحات لـ "القاهرة 24"، إلى أن هناك ضعفًا في حجم الصناعات التحويلية في مصر، مثل الصناعات الغذائية والأنسجة والجلود والأثاث، وصناعات الإلكترونيات والمُعدّات والأجهزة الكهربائية والآلات الثقيلة، رغم أن مصر لديها المقومات للتفوق في هذه الصناعات، إلا أن مشاكل التعليم ونقص المدارس الفنية والعمالة غير المدربة لها دور في هذا الانخفاض، ما يستدعي مزيدًا من دعم التعليم الفني والصناعي إذا أردنا تقدم الصناعة.
وأظهر البنك الدولي، في دراسة "خلق الأسواق في مصر.. تحقيق الإمكانات الكاملة لـقطاع خاص منتج"، أن هناك تخلفًا لقطاع الصناعات التحويلية في مصر عن الدول النظرية، موضحًا أنه خلال السنوات الخمس الماضية، كان متوسط نصيب القطاع من الناتج المحلي الإجمالي 16.16% و12% على التوالي.
ولفت إلى أنه على الرغم من نمو القيمة المضافة للصناعات التحويلية من 34 مليار دولار في 2009 إلى 41.3 مليار دولار في 2018، لا يزال أمام مصر الكثير لتلحق بنظرائها، إذ بلغ نصيب الفرد في ممصر من هذه الصناعات 419 دولار سنويًا مقابل 497 دولارًا في المغرب و650 دولارًا في تونس و2444 دولارًا في تركيا.
وعلى صعيد القرارات المصرية لدعم الصناعة، ترى الباحثة في الاقتصاد السياسي، أن البنك المركزي المصري أراد الحفاظ على معدلات الإنتاج الصناعي دون إحداث خلل، بإقرار 200 مليار جنيه لدعم المصانع المتعثرة وتوفير قروض بفائدة مخفضة للقطاع الصناعي للحافظ على العمالة، ولولا هذا القرار المصيري لحدث خلل واسع في القطاع الصناعي المصري وعلى كافة القطاعات.
وأوضحت أنه رغم انخفاض سعر الفائدة في مصر للقطاع الصناعي، إلا أن مشكلة التضخم هي العامل المؤثر الأكبر على بطء النشاط، نتيجة انخفاض السيولة في السوق ووجود نوع من الركود الاقتصادي بفعل الجائحة، وهو ما يظهر في تراجع القوى الشرائية للمواطنين منذ العام الماضي، وانخفاض الحركة التجارية، لذا يحاول البنك المركزي فك هذه العقدة عبر تعزيز السيولة المالية في السوق من خلال المبادرات المختلفة، مثل مبادرة التمويل العقاري المقبلة.
ولفتت لأهمية الرقمنة الصناعية في المرحلة المقبلة من أجل تحسين جودة الصناعة المصرية ومنافسة المنتجات الأجنبية المستوردة، وتحسين الصادرات التي تسعى الحكومة لإيصالها لـ100 مليار دولار سنويا من متوسط 30 مليار دولار حاليا، وسيتم ذلك عبر إدخال تكنولوجيا المناطق الصناعية الحديثة في الثورة الصناعية الرابعة، مثل المستخدمة في ألمانيا وعدد من الدول الصناعية عالميًا.
بعد ارتفاع النفط إلى 75 دولارًا للبرميل.. كيف تواجه "المالية" زيادة العجز في الموازنة العامة؟