دفع مصر للخيار العسكري.. كيف تفاعلت الصحف العالمية مع أزمة سد النهضة الإثيوبي؟
في تحدٍ واضحٍ من إثيوبيا للمجتمع والقوانين الدولية وتعمدها إلحاق الأذى بجيرانها وشركائها في نهر النيل، أخطرت حكومة آبي أحمد مصرَ رسميًا ببدء الملء الثاني لسد النهضة، ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي يوم الخميس 8 يوليو الجاري، جلسة طارئة لبحث أزمة سد النهضة، وتعد المرة الأولى التي تُناقش فيها أزمة مياه في إحدى جلسات مجلس الأمن.
إصرار الجانب الإثيوبي وتعنته الواضح لم يكن الشيء اللافت في الأمر، ولكن تفاعل الصحف العالمية الناطقة باللغة العربية هو اللافت في موضوع سد النهضة الإثيوبي، إذ بات جليًا للجميع أن هناك حالة من التماهي الدولي المتعمد تجاه قضية أمن مصر المائي، مكتفينَ بمشاهدة المشهد الإعلامي والسياسي والدبلوماسي من بعيد، على الرغم من أن القضية تهدد الأمن والسلم الدوليينِ، وهذا ما يؤكده دائمًا مصر والسودان في خطاباتها الرسمية وبياناتهما الصحفية وتصريحاتها الإعلامية.
سؤال مهم يحتاج إلى إجابة واضحة وهو: أين المجتمع الدولي والدول الكبرى من أزمة أمن مصر المائي؟ ربما تداخل المصالح السياسية والاقتصادية في هذا الموضوع الشائك؛ ولكن عدم إلقاء الضوء من قبل الإعلام الغربي بشكل يدعو لحل القضية العالقة ويدفع الحكومات الأوروبية والدول الكبرى: أمريكا، مصر، الصين إلى التحرك العاجل لحل أزمة السد الإثيوبي التي قد تهدد استقرار المنطقة، يدعونا إلى إثبات تقصير وسائل الإعلام الغربية في مهمتها وواجبها المهني.
دفع مصر للخيار العسكري
وفي إطار البحث والمتابعة المستمرة، سنلقي الضوء على تفاعل الإعلام الغربي مع قضية سد إثيوبيا، ففي تقرير لـ"بي بي سي" تحت عنوان "سد النهضة: تحذير مصري من تبعات بدء المرحلة الثانية من ملء السد الإثيوبي" رأت أن مصر والسودان يريدان من إثيوبيا الانتظار حتى التوصل إلى اتفاق ملزم حول إدارة السد، وأن الحكومة الإثيوبية تصر على أن المشروع ضروري لتوفير الطاقة لقرابة 60 في المئة من المواطنين، ومصر ترى أن بناء السد يمثل تهديدًا لإمدادات المياه التي تصل إليها.
وفي عناوين سابقة لـ"بي بي سي" مثل: سد النهضة: "لا قوة" قادرة على تعطيل الملء الثاني للسد -الخارجية الإثيوبية بتاريخ (20 مايو 2021)، وسد النهضة: ما هي سيناريوهات حل الأزمة أمام مصر؟ (17 يونيو الماضي)، بدا جليًا أنها تدفع مصر للخيار العسكري، حيث بدأ العناوين الفرعية للتقرير باستخدام الخيار العسكري لحل القضية ثم ضرورة وجود ضوء أخضر من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مع إثبات أنها لن تفعل شيئًا لمصر.
ودعمت وجهة نظرها الإعلامية بتصريحات العميد خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، الذي رأى أنه في حال قررت مصر تحركًا عسكريًا لمواجهة مشكلة وجودية مثل سد النهضة، فإنها لن تنتظر موافقة من أي طرف، وأن من يمتلك قرار السيناريو العسكري هو القيادة السياسية والأجهزة والمؤسسات المعنية في الدولة المصرية.
ثم مرورًا بالمسار القانوني والانسحاب من إعلان المبادئ انتهاءً باستمرار المفاوضات، وطرحت سؤالًا: لكن بعد جولات عديدة من المفاوضات غير المثمرة على مدى سنوات، هل أمام مصر بديل آخر غير التفاوض؟ وهل ما يزال الخيار العسكري مطروحًا؟ ورأت أن التحركات المصرية توحي على صعيد التعاون العسكري والاستخباراتي مع عدد من الدول الإفريقية المحيطة بإثيوبيا، خلال الأشهر الأخيرة، بأن هناك تحركًا عسكريًا ضد السد يجري الإعداد له.
في 6 يونيو الماضي تحت عنوان "سد النهضة: هل يبدو الخيار العسكري واقعيًا مع تقلص فرص الحل الدبلوماسي؟" حاولت إثبات تضاؤل فرص الحل الدبلوماسي، وأنه كلما تقلصت فرص الدبلوماسية، فإن ذلك يفتح طريقًا للخيار العسكري بشكل تلقائي، خاصة مع معرفة أن مصر والسودان يريان القضية كقضية وجودية.
وانتهت باستفتاء رأي يحتوي على أسئلة عدة منها:
- هل يبدو الحل العسكري لأزمة سد النهضة خيارًا واقعيًا؟
- لماذا تبدو إثيوبيا في موقف المتحدي حتى الآن رغم الحديث عن إمكانية استهداف السد عسكريًا؟
- كيف ترون ما تقوله أديس أبابا من أن ملء السد لا ينتقص من حقوق مصر أو السودان؟
- هل تتراجع مصر عن الحل العسكري في حالة رفضه من قبل واشنطن؟
حصر الصراع بين إثيوبيا ومصر
وعن "روسيا اليوم" وتحت العناوين الآتية:
- خبير مياه مصري لـRT: مجلس الأمن سيلوم نفسه إن اندلعت الحرب حول سد النهضة
- خبير مصري: إثيوبيا مصرّة على جر المنطقة إلى الصراعات والدخول في معركة
- 3 خبراء مصريين يكشفون لـRT خفايا إعلان إثيوبيا الملء الثاني لسد النهضة وخطوات ستتخذها مصر والسودان
- برلماني مصري: نفوض السيسي بحل أزمة سد النهضة بعد إخطار الملء الثاني
- دبلوماسي مصري: إثيوبيا تستفز مصر والسودان للاتجاه صوب عمل عسكري وضرب سد النهضة
- متحدث الري المصرية لـRT: أديس أبابا تتحدى كل الأعراف الدولية وتتعامل مع النيل على أنه نهر إثيوبي
- البرلمان المصري يتحدث عن آخر تحرك سلمي من مصر تجاه سد النهضة
- وزير الري السوداني: الملء الثاني لسد النهضة قاب قوسين ولدينا خيارات عديدة سنعلن عنها لاحقًا
- البرلمان المصري يتحدث عن آخر تحرك سلمي من مصر تجاه سد النهضة
بدا واضحًا سيطرة كلمات "الحرب أو العمل العسكري أو الصراع" على معظم العناوين والأخبار، مع محاولة حصر الصراع بين إثيوبيا ومصر مع تجاهل الجانب السوداني، وأن هناك حربًا تلوح في الأفق، مستشهدين بحديث الخبراء لإثبات وجهة نظرهم مثل قول خبير المياه المصري نور الدين نادر: "شكوى مصر بسبب مخالفة إثيوبيا لقانون أممي وتجاهل دولتي المصب وتعمد إحداث الضرر البالغ والأكيد بما يهدد بنشوب حرب في شرق القارة الإفريقية، وبعدها سيلوم مجلس الأمن نفسه على الاستهانة وعدم التقدير الصحيح للموقف ولشكوى مصر كآخر خطوات الحلول السلمية".
إقرار بأن سد النهضة يهدد السلم الدولي
وحملت عناوين "سبوتنيك" الآتي:
- مصر والسودان تعتبران الملء الثاني لـ "سد النهضة" مخالفة صريحة من إثيوبيا
- "الري المصرية": إثيوبيا أبلغتنا رسميا ببدء الملء الثاني لخزان سد النهضة
- جلسة مجلس الأمن حول سد النهضة... "أمل أخير" لعشر سنوات من التفاوض دون جدوى
- مصر تبدأ أولى خطواتها مع مجلس الأمن لحل أزمة سد النهضة
- السودان يؤكد أن أزمة "سد النهضة" تعقدت ويدعو لممارسة ضغوط خارجية على إثيوبيا
وبات واضحًا أن هناك إقرارًا بأن مصر طالبت مجلس الأمن بالنظر في أزمة سد النهضة بشكل عاجل؛ لأن هذه الأزمة يمكن أن تشكل خطرًا يهدد السلم الدولي، وإذا تطورت المسألة إلى حالة تتسبب حاليًا في حدوث احتكاك دولي، يعرض استمرار السلم والأمن الدولي للخطر، لذلك اختارت القاهرة أن تعرض هذه المسألة على مجلس الأمن الدولي.
وتحت عنوان: الملء الثاني "قادم".. إثيوبيا تنفي نية الإضرار بمصر والسودان لدويتشه فيله "إذاعة صوت ألمانيا" رأت أن أزمة سد النهضة الإثيوبي وصلت إلى طريق مسدود، في ظل إصرار إثيوبيا على تنفيذ الملء الثاني الذي يعترض عليه كل من مصر والسودان ويطالبان بإبرام اتفاق ملزم قانونًا بشأن ذلك.
مع الإقرار بأهمية السد، حيث قالت في تقريرها: "يعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على نهر النيل ويعتبر تقريبًا المصدر الوحيد للمياه العذبة لديها. ويبدأ مجرى النهر من دول أخرى في المنطقة، ما يضع القاهرة في حالة اعتماد على الدول الواقعة في أعلى المنبع. ويعتبر السد العالي على نهر النيل أحد أهم المشاريع الاستراتيجية في مصر الذي أنشئ في عهد عبد الناصر بمساعدة السوفييت، ويساهم السد في تحكم تدفق المياه وكذلك يستخدم في توليد الكهرباء في مصر".
إجمالًا، هناك حالة من التقصير الدولي أو التجاهل المتعمد لأزمة سد النهضة وهذا يتضح جليًا في تفاعل الإعلام الغربي مع أزمة سد النهضة، غير أن الصمت الدولي من الدول الكبرى يُنبئ بأن مجلس الأمن الدولي لن يحرك هذا الملف المهم للأمن المائي المصري؛ ما تترتب عليه عواقب وخيمة تهدد أمن المنطقة، خاصة أن هناك حالة من التعافي الدولي من فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية.