5 أشياء تغيرت في ملف سد النهضة منذ 2014.. هل حانت لحظة الصفر؟
منذ انعقاد أول اجتماع ثلاثي بين مصر والسودان وإثيوبيا في سبتمبر من عام 2014، للتباحث حول الشروط المرجعية للجنة الفنية المعنية ببحث ملف سد النهضة، وتحديد دورية عقد الاجتماعات التي فشلت جميعها في التوصل إلى اتفاق بسبب المماطلة والتعنت الإثيوبي، تغيرت العديد من المعطيات وملامح المشهد وصولًا إلى اللجوء لمجلس الأمن حاليًا باعتباره آخر الخيارات السياسية والسلمية.
وقبل اللجوء إلى مجلس الأمن، مر ملف سد النهضة بعديد من آليات التفاوض سعيًا للتوصل إلى اتفاق قانوني وملزم يلبي مصالح جميع الأطراف، لكن جميعها باءت بالفشل، سواء المشاورات والمفاوضات الثلاثية أو المفاوضات برعاية الولايات المتحدة، ثم مفاوضات المسار الإفريقي، ويُعد اللجوء إلى مجلس الأمن، آخر الخيارات السلمية والسياسية، وفقًا لتصريحات سامح شكري، وزير الخارجية.
وخلال هذه السنوات تغيرت العديد من العوامل وملامح المشهد، أبرز 5 معطيات في الداخل الإثيوبي وخارجه.
- رفض إثيوبيا التوقيع على اتفاق واشنطن
كانت مصر والسودان وإثيوبيا قد خاضا جولة مفاوضات برعاية الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي، في بدايات عام 2020، وتوصلا لاتفاق بالفعل، وعند التوقيع وصلت مصر لكن غابت إثيوبيا.
وفي حين ثمنت مصر دور الإدارة الأمريكية في التوصل إلى اتفاق شامل يحقق مصالح الدول الثلاث، أعلنت إثيوبيا أن هذه الجولة لم تتوصل إلى اتفاق، وذلك على الرغم من صدور بيان مشترك للدول الثلاث إلى جانب وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولي، بأن مصر وإثيوبيا والسودان سيراجعون اتفاقًا نهائيًا حول السد والتوقيع عليه نهاية الشهر.
- الملء الأول والثاني لسد النهضة
شهد العام الأخير تطورًا خطيرًا في هذا الملف، وهو تنفيذ الملء الأول في يوليو الماضي، ثم إعلان إثيوبيا أمس البدء رسميًا في تنفيذ الملء الثاني لسد النهضة، وهو الأمر الذي وصفه سامح شكري، وزير الخارجية، بأنه "تطور غير ملائم وخرق لالتزامات وتعهدات إثيوبيا في إعلان المبادئ"، لكنه أكد استمرار السعي للتوصل إلى اتفاق.
- موقف السودان الذي اصطف مع مصر
كان للسودان قبل أشهر موقف مغاير إزاء سد النهضة، وكان حديث الخرطوم يدور حول فوائد محتملة للسد في مجالي الزراعة والطاقة، مع بعض التحفظات إزاء بعض المسائل المتعلقة بأمن السد وتمرير المياه، لكن مؤخرًا بات للسودان موقف مغاير بعد تأثر كميات الماء الواردة إليه بشكل كبير وتضرره ومع تعنت إثيوبيا المتواصل.
وصرح ياسر عباس، وزير الري السوداني، بعد فشل المفاوضات التي قادها الاتحاد الإفريقي، بأنه إذا ملأت إثيوبيا سد النهضة دون حل القضايا المعلقة، فإن ذلك سيشكل تهديدًا للأمن القومي لبلاده.
وتطالب السودان مثل مصر باتفاقية قانونية وملزمة وجدول زمني لملء خزان السد وآلية لحل الخلافات في المستقبل، وهي الأمور التي ترفضها إثيوبيا جميعًا وسط تعنت متواصل.
- دخول الحكومة الإثيوبية في مواجهات عسكرية
شهدت الفترة الأخيرة دخول النظام الإثيوبي في مواجهات وصدامات عسكرية سواء داخل حدوده، مع إقليم تيجراي، وسط إدانات دولية واسعة أو خارجها مع جارته السودان، ما أثر في موقفه الدولي بشكل عام.
ولقي الهجوم على إقليم تيجراي إدانات دولية واسعة واتهامات للقوات الحكومية بارتكاب مجازر وانتهاكات إنسانية في حق السكان، بالقتل والاغتصاب والإبادة الجماعية، حيث طالبت الأمم المتحدة بـ"مساءلة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت أثناء النزاع، بما في ذلك أعمال العنف الجنسي ضد الأطفال والبالغين والقتل الجماعي".
فيما وصف الاتحاد الأوروبي هجمات أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين بأنها "مروعة وانتهاك لحقوق الإنسان ومن فظائع العنف العرقي في إثيوبيا"، واتجهت الإدارة الأمريكية إلى فرض قيود على منح تأشيرات دخول أراضيها لمسؤولين سياسيين إثيوبيين بسبب الحرب في تيجراي.
- اتهامات للحكومة الإثيوبية بارتكاب جرائم حرب
تحدثت تقارير عدة عن ارتكاب فظائع بحق السكان ترتقي إلى جرائم حرب، من قبل القوات الإثيوبية والإريترية، وحذرت الأمم المتحدة من وقوع جرائم قد ترتقي إلى جرائم حرب بحق المدنيين في إقليم تيجراي.
بينما قال جانيز ليناريتش، المفوض الأوروبي لإدارة الأزمات، في كلمة خلال الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي لمناقشة الوضع في تيجراي، إن "ما يحدث في تيجراي من انتهاكات يمكن أن يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وفي ذات السياق، قال شهود عيان لوكالة "رويترز" للأنباء إنهم رأوا الجنود الإريتريين الداعمة للقوات الإثيوبية، يقتلون المدنيين بانتظام وارتكبوا عمليات اغتصاب جماعي وعذبوا النساء ونهبوا البيوت والمحاصيل، فيما ذكرت الأمم المتحدة أن عيادات طبية، سجلت مئات حالات الاغتصاب.
وأفادت صحيفة "تيليجراف" البريطانية بأن عددًا من سكان تيجراي أصيبوا بحروق مروعة، ما يشير إلى وقوع جرائم حرب محتملة، لوجود مؤشرات على استخدام مادة الفسفور الأبيض الحارقة التي يحظر القانون الدولي استخدامها ضد أهداف بشرية.
وبعد 10 سنوات من المفاوضات مرت خلالها الأزمة بمنعطفات عدة وآليات مختلفة للتفاوض التي وصلت محطتها الأخيرة باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، يأمل الجميع أن تنتهي الأزمة بالتوافق بين الدول الثلاث، وأن ينتهي التعنت الإثيوبي.
وقال وزير الخارجية سامح شكري، في تصريحات تلفزيونية، مؤخرًا، إنه حال عدم التزام إثيوبيا بقرار مجلس الأمن فستكون مصر والسودان قد استنفدتا كافة الوسائل المتاحة في الإطار السياسي من مشاورات ومفاوضات ثلاثية ومفاوضات برعاية الولايات المتحدة ثم مفاوضات المسار الإفريقي ثم إطار أممي من أعلى جهاز في منظومة من الأمم المتحدة، مؤكدًا أنه "إذا لم نصل إلى اتفاق بعد هذه الجهود نكون قد استنفذنا كل الوسائل السلمية"، ويكون ذلك دليل آخر على عدم وجود الإرادة السياسية من إثيوبيا ودليل واضح أمام المجتمع الدولي، وينكشف الموقف والسياسة الإثيوبية ويصبح على المجتمع الدولي التعامل مع هذا التعنت.
وعن إمكانية استخدام الخيار العسكري، قال شكري إن مصر تسعى دائمًا إلى لغة الحوار والبعد عن التهديد وإذكاء الفوائد المشتركة للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول سد النهضة، لكن كافة الخيارات تصبح مطروحة للوصول إلى هذا الهدف وتحقيق المصلحة الوطنية في نهاية المطاف التي يجب أن تكون المحرك لأي إجراء.