دبلوماسية المعدة
يقول المثل "أسهل طريقة لكسب القلوب والعقول من خلال المعدة"، ونظرًا لأن الطعام يُعتبر عُنصرًا مُشتركًا في حياة وثقافات جميع البشر، نظمت بعض الدول بشكل - رسمي وغير رسمي - حملات مُنسقة للعلاقات العامة لتعظيم قيمة ومكانة العلامة الوطنية، عبر استخدام الأطعمة للتسويق للدول، كأداة دبلوماسية وقوة ناعمة تربط بين الشعوب عاطفيًا.
وقد تبنت بعض الحكومات حملات دعائية لزيادة تأثيرها الثقافي في الخارج من ناحية، ولتخفيف حِدة العداء مع جماعات مُحددة، وبناءً عليه تم إنشاء مطاعم تعمل كمنصات لبناء التفاهم الثقافي وتسهيل التبادل الثقافي.
كما كان الطعام قديمًا سببًا أساسيًا تتصارع الدول عليه، وتقوم الحروب من أجله للاستيلاء على موارد الغذاء، ويمكن أن يكون وسيلة دبلوماسية حديثة للإقناع، كأحد أقدم أشكال القوة الناعمة وجزء من التراث الثقافي غير المادي للبلد، فقد يتباهى بلد ما "بمأكولاته الراقية" من خلال استضافة الأحداث التي تسلط الضوء على خبرة طرق صنع الطعام المحلية كطريقة لتعزيز الانطباعات الإيجابية عن الدولة، ووسيلة لخلق تفاهم بين الثقافات على أمل تحسين العلاقات فاستخدام المأكولات الوطنية، يُساهم في التأثير على الرأي العام، واكتساب رأي عام إيجابي.
وتعد "دبلوماسية المعدة" مجالًا جديدًا نسبيًا في مجال الدبلوماسية العامة، وعلى الرغم أن الفرنسيين يدعون أنهم مُخترعو هذا النوع من الدبلوماسية، ولكنه ليس جديد على التاريخ البشري فيمكن إرجاع الفكرة نفسها إلى الإمبراطورية الرومانية، الذين غالبًا ما كانوا يُقدمون عشاء رسمي أثناء المفاوضات.
وبالفعل تبنت دول مثل تايلاند، بيرو، وكوريا الجنوبية هذا المفهوم، حيث أطلقت بشكل مُستقل برامج تُروج لمأكولاتها في العالم، وتُدعم علامتها الوطنية، وانضمت الولايات المتحدة رسميًا، عندما أطلقت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون هيئة الشيفات الأمريكية، والتي تم إنشاؤها في عام 2012 في وزارة الخارجية كجزء من بروتوكول مكتبها، لتوضيح تنوع المطبخ الأمريكي من خلال دعوة الطُهاة المشهورين من جميع أنحاء الدولة لزيارة قادة العالم والطهي لهم، كما أرسل بعضًا من أفضل الطهاة للسفارات ليُصبح المطبخ الأمريكي أداة اتصال في مُجتمعاتهم.
فدول مثل بيرو والمكسيك، صنفت مطابخها على أنها تُراث ثقافي غير ملموس من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة "اليونسكو"، ودول مثل اليابان، الهند، وإندونيسيا روجت لأطعمتها لجذب السائحين ودولة مثل كوريا الجنوبية، تستخدم أيضًا أطباقها الوطنية لتعزيز الصادرات الزراعية.
لقد أصبحت دولة بيرو الآن هي الوجهة الأولى للسياحة الغذائية في العالم، بسبب حملات أطلقتها للترويج للمأكولات الوطنية كوسيلة لتعويض الصور السلبية عن كونها منطقة نزاع خطيرة، كما قامت تايلاند باستخدام أطعمتها كأداة لتسويق مقاصدها السياحية، ومولّت الحكومة حملة لزيادة الوعي بثقافتها الغذائية من خلال تقديم أموال للمواطنين الذين يعيشون خارج البلاد لفتح مطاعم تايلاندية، وتشير التقارير إلى أنه في فترة صغيرة تضاعف عدد المطاعم التايلاندية على مُستوى العالم لأكثر من عشرة آلاف مطعم.
فقد أثبتت الدراسات التي أجرتها مجلة الدبلوماسية الشعبية أن تناول طعام مطبخ بلد ما، دفع الأشخاص للتفكير بشكل أكثر إيجابية في هذا البلد.