"الأساسيات كفاية".. جمعيات خيرية تطالب بوقف مساعدة الغارمات المسجونات بسبب كماليات الزواج
دفعت عادات وتقاليد الزواج باهظة الثمن في مصر خاصة في الأرياف عديدا من الأمهات إلى الاستدانة بمبالغ مالية هائلة، وتوقيع إيصالات أمانة "على بياض" بغية زواج بناتهن بـ"جهاز العروسة" كاملًا، حتى لا يكن أقل من غيرهن من الفتيات، غير مباليات بالسجن الذي قد يتعرضن له حال تعثرهن عن السداد، مما دفع بعض الجمعيات الخيرية إلى وقف جمع التبرعات لهن.
احتيال على أكثر من جمعية
قال محمد أيمن، عضو في بيت مال المسلمين في مدينة بشبيش في المحلة الكبرى، ومنسق شباب بشبيش التطوعي، إن قضية الغارمات للزواج زاد معدلها عن الحد الطبيعي، مضيفًا أنه بشكل يومي تلجأ له أمهات اشترين تجهيزات لزواج بناتهن، لكنهن لم يستطعن سداد ما عليهن من ديون.
وأشار في حديثه لـ"القاهرة 24" إلى أن المشكلة الأكبر تكمن في أن الأم تلجأ إلى الجمعية دون الفواتير التي تثبت ما اشترته، مما يضع مسؤولي الجمعية في حيرة بين ما إذا كانت اشترت أشياء أساسية، أم رفاهيات.
وأضاف: "هناك أمًّا من أسرة حالتها المادية أقل من المتوسطة، طالبت الجمعية بسداد ديون عليها اشترت بها أدوات بلاستيكية لابنتها عند زواجها، بمبلغ وصل إلى 11 ألف جنيه، وعند سؤال البائع أخبرهم بأنها اشترت كافة الأدوات التي تحتاجها العروس في منزلها دون التنازل عن الثانويات".
وقال أيمن: “إن هذا الموضوع تطور في الأرياف ووصل إلى أن تشتري الأم ذات الأجهزة لنفسها عند شرائها لابنتها، وأحيانًا تلجأ لأكثر من جمعية في ذات الوقت، وبعد ما توفر لها كل جمعية ما تحتاجه تأخذ لنفسها ما تحتاجه أو تبيعه للربح”، قائلًا:"هناك أم طالبت 3 جمعيات مختلفة بتوفير ما تحتاجه ابنتها في الزواج".
وتابع عضو في بيت مال المسلمين في مدينة بشبيش: “مشكلة هذه الأمهات، هو عدم شعورهن بالمسؤولية واهتمامهن فقط بنظرة الناس إليهن، أو خوفهن من تعرض بناتهن للإهانة من قبل حمواتهن بسبب قلة عدد الأجهزة التي اشترينها”، متسائلًا عن سبب إقدام عروس من أسرة تعاني من ظروف مادية صعبة، على شراء "ميكروويف وغسالة أطباق وغسالة للأطفال".
وأشار إلى أن بعض الأمهات وصل الحد بهن إلى شراء ملابس للأطفال عند تجهيز بناتهن، لافتًا إلى أنه عند رفض كل هذه الطلبات يكون الرد "حسبنا الله ونعم الوكيل".
كما سرد بعض المواقف التي تعرض لها خلال تطوعه في العمل الخيري، قائلًا “إنه عندما طالب عروس بالذهاب لمحل معين لشراء ملابس لزواجها قالت للبائع هاتلي أغلى حاجة عندك، كما أن أمًا رفضت بوتجاز لأنه أربعة شعلة فقط، حيث توجهت بعدها لجمعية أخرى مطالبة باسترجاعه وشراء أخر 5 شعلة ودفع الفرق، هذا بالإضافة إلى العروس التي أجلت عرسها حتى تتمكن من خبز الكعك الذي تصل تكلفته إلى 12 ألف جنيه”.
وأضاف: “الجمعية لا ترفض مساعدتهن بشكل كلي ولكن تشترط شراء ما تراه ضروري ومهم، لافتًا إلى أن هذه الأفعال تفقد المتبرعين الثقة في الجمعية، حيث إنهم عندما يصورون ما وفروه لتلك الفتيات وعرضه لحث الناس على فعل الخير، يلاحظون شراء أشياء غير أساسية مما يجعلهم يكفون عن التبرع”.
وتابع: “هذا بالإضافة إلى أن فيروس كورونا أثر على مساعدة الغارمات، حيث إن الجمعية غدت توجه أكثر تبرعاتها لمصابي الفيروس وتوفير علاجه”.
وتابع أنه: “يجب أن يتم وضع قانون يجرم ويعاقب كل صاحب محل يستغل الأمهات غير القادرات وإجبارهن على توقيع ”وصل أمانة" دون مبلغ محدد، ووضع آلية لضمان حقوق المتبرع، بجانب أن يتم التنسيق بين الجمعيات الخيرية للحد من استغلال الأمهات لها، والطلب من أكثر من جمعية في ذات الوقت.
"جهاز عروسة" بنصف مليون جنيه
في هذا الإطار، كشف أحمد جبريل كاتب وأحد مشاهير السوشيال ميديا، أنه قرر وقف التبرع لغارمات الزواج اللاتي استدن بمبالغ مالية كبيرة، بعد أن قصده أحد أصدقائه العام الماضيـ لسداد دين سيدة اشترت لابنتها أجهزة كهربائية، ووقعت على نفسها وصولات أمانة وتم الحكم عليها، وطلب منه إما أن يتوسط بينها وبين صاحب المحل أو يسد جزءًا من المبلغ.
وأضاف خلال حديثه لـ "القاهرة 24"، أنه عندما توجه لصاحب المحل فاجئه بالدفتر المسجل به مشترياتها ليجد أنها اشترت أجهزة لابنتها بمبلغ يصل إلى 470 ألف جنيه، مشيرًا إلى أنها اشترت 2 تليفزيون و4 ثلاجات صغيرة وغيرها من أحدث الأجهزة الكهربائية، ما دفعه للاعتذار عن المشاركة لمساعدتها.
وتابع جبريل: "صاحب المحل قال لي إذا ساعدت هذه السيدة كنوع من أنواع العمل الخيري، فهناك أمهات اشترين أجهزة تليفزيون موديلات قديمة وثلاجات 10 قدم فقط، لأن مقدرتهن المالية لا تسمح بأكثر من ذلك، وهؤلاء أولى منها".
وأشار إلى "أنه لحل مشكلة غارامات الزواج يجب علينا أن نتبع مبدأ نعيش عيشة أهالينا"، متسائلًا: "لماذا يُقدم أشخاص غير مقتدرين ماليًا على شراء أجهزة بمبالغ كبيرة؟".
وانتقد جبريل مشاهير السوشيال الميديا الذين حولوا صفحاتهم الشخصية إلى مكان لجمع تبرعات للمحتاجين مستغلين أعداد متابعينهم الكبيرة، لافتًا إلى أن هذا الأمر تحول لـ "سبوبة" ونصب عند بعض المشاهير، مطالبًا بأن تكون هناك رقابة من الدولة على هذه التبرعات.
واستطرد أحمد جبريل أنه عندما كتب منشورًا لمساعدة إحدى السيدات التي لجأت إليه لسداد دين ورطها به زوجها بمبلغ 40 ألف جنيه، فوجئ أن خانة الرسائل الخاصة به تحولت كلها إلى رسائل لأشخاص يطالبونه بجمع تبرعات لسداد ديونهم التي وصلت بعضها إلى 300 ألف جنيه، مردفًا: “هؤلاء لسن غارمات”.
وأوضح في تعليقه: “أن السوشيال ميديا ليست مكانًا لجمع التبرعات ومن أراد عمل الخير إما أن يكون على نفقته الشخصية وإذا كان غير مقتدر يكون عبر مطالبة أصدقائه أو معارفه بمشاركته به”، لافتًا إلى أنه يجب أن يكون هناك تكافل إجتماعي وعائلي حيث يتبرع الأشخاص المقتدرين ماليًا في كل عائلة لتحمل نفقات غير المقتدرين منهم.
حرمة مشددة لمال الزكاة
في هذا الصدد قال الشيخ محمد عبدالبديع إمام وخطيب بوزارة الأوقاف وباحث في العلوم الإسلامية، إن هذه المسألة تنقسم إلى شقين الأول هو "الديْن" مشيرًا إلى أن كل دين يجب أن يسد ما دام في طاعة وعدم معصية، والشق الثاني هو تكاليف الزواج التي قامت الغارمة بدفعها، وهل اتبعت خلالها العرف السائد والمتعارف عليه أم بالغت بها؟.
وأضاف إمام وخطيب وزارة الأوقاف خلال حديثه لـ"القاهرة 24"، أن ما تفعله الغارمات ما هو إلا التقاليد التي يفرضها مجتمعنا، والتي تمنع عدم الاكتفاء بتجهيز غرفتين فقط في منزل الزوجية أو الاستغناء عن غرفة الأطفال في حال عدم الإنجاب، لافتًا إلى "أنه بالرغم من أنها حملت نفسها فوق ما تطيق ولكن يجب علينا أن لا نحاسبها لأنها اتبعت عرف المجتمع السائد بل الأفضل أن نغيره".
وبشأن الجمعيات التي توجه مال الزكاة للأشخاص الأكثر احتياجًا من الغارمات، أوضح أن السيدات اللاتي يضطررن لفعل ذلك يعني أن ليس لديهن رجل يتحمل مسؤولياتهن، أو أنهن أرامل أو سيدات معيلات سيتم تشريد أبنائهن بعد حبسهن.
وأضاف "أن لا توجد حالات من الممكن أن تكون أكثر احتياجًا منهن، أما في حال أن وجود وجود حالة مريض يحتاج إلى إجراء عملية أو علاج في ذات الوقت التي تحتاج فيه غارمة لأموال الزكاة تلك، فإن حياة الإنسان أولى من فك أسره".
وتابع عبدالعليم "أنه في حال عدم وجود مريض يحتاج لأموال الزكاة وهناك حالة غارمة يجب ألا أتغاضى عنها، وأبحث عن حالة مريض مبررًا ذلك بأنه الأكثر احتياجًا لتلك الأموال منها"، مضيفًا:"عندما أجد حالة مريض تكون هي الأولى".
أما بشأن الجمعيات التي تلجأ لشراء الأجهزة الرخيصة في السعر عند تجهيز بناتهن الأيتام، أو من أسر غير مقتدرة، أشار الباحث الشرعي في العلوم الإسلامية، إلى أنه يجب على المسؤولين فى هذه الجمعيات الاعتدال.
وقال: "لا يتجهون لشراء أرخص الأشياء مبررين ذلك بأن هؤلاء الفتيات أيتام في ذات الوقت يجب أن لا يبالغون في السعر الذي يصل أحيانًا إلى حد الإسراف، أي أن يشتروا أجهزة بسعر متوسط".
وأوضح أن الجمعيات الخيرية مسؤولة عن شراء الأساسيات للعروسة فقط، وليس الرفاهيات أو الثانويات، لافتًا إلى أن مال الزكاة هو مال الله ويجب التأكد من الجهات أو الأشياء التي يُتفق فيها، قائلًا:" يجب أن أعامل مال الله أشد من معاملتي لمالي الشخصي".
وأضاف أن الجمعيات التي تُسرف في تجهيز العرائس بشراء الرفاهيات، عليها إثم.