مالك عدلي يكتب: فصل الإخوان نسخة معدلة من قانون قديم
في الوقت الذي نشرت فيه بعض الصحف والوكالات المحلية والعالمية تصديق البرلمان على مشروع قانون أطلق عليه إعلاميًا "قانون فصل المنتمين لجماعة الإخوان"، وحيث إن هذا ليس قانونًا جديدًا، وإنما هو تعديل لنصوص قانونية ضاربة بجذورها لعشرات من السنين داخل البنية التشريعية المصرية، لذا فإنه من الأهمية بمكان تناول السياق التاريخي لهذا القانون منذ عام 1963 وتعديلاته حتى التعديل الأخير الذي أقره البرلمان وأهم الإضافات والتعديلات التي أقرت بموجب مشروع هذا القانون.
- في 4 مارس 1963 أصدر الرئيس جمال عبد الناصر القانون رقم 31 لسنة 1963 بشأن تعديل أحكام قانون مجلس الدولة، والذي جاء في مادة واحدة نصها: "يستبدل بالمادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 المشار إليه النص الآتي:
لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، ويعتبر من قبيل أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي".
وجاء بالمذكرة الإيضاحية المرفقة بهذا القانون أن "المصلحة العامة تتطلب إطلاق يد الحكومة بوصفها سلطة حكم في تنظيم المرافق العامة وفي إدارتها علي أحسن وجه، وذلك باختيار أقدر الأشخاص علي العمل في خدمة هذه المرافق وإبعاد من ترى أنه غير صالح لأداء هذه الخدمة وعلي الأخص من يشغل منهم وظيفة ذات سلطة إذا تعذر العمل معه أو إذا ارتأت الحكومة أنه غير محل لثقتها أو لوجود شبهات قوية حوله تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السلوك أو لغير ذلك من الأسباب التي تتصل بالصالح العام ومما لا شك فيه أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة والكفيلة بصيانة النظام العام وضمان سير المرافق العامة بطريقة مستمرة ومنتظمة ومنتجة تتصل بمصالح الدولة العليا ومن ثم يعتبر من قبيل أعمال السيادة وتخرج بالتالي من ولاية القضاء".
ومما لا شك فيه -أنه في ذاك الوقت- كان السياق التاريخي يبرر إصدار مثل هذا القانون -الذي أطلق يد السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية في فصل العاملين بالدولة بغير الطريق التأديبي- ولكن هذا القانون كان ينطبق فقط على شاغلي الوظائف بالجهاز الإداري للدولة الخاضعين لقانون العاملين المدنيين بالدولة في ذاك الوقت، وكانت نصوص هذا القرار بقانون نظريا تنطبق على شاغلي بعض الوظائف ذات الطبيعة الخاصة مثل شاغلي وظائف السلك الدبلوماسي والقنصلي والسلك القضائي.
- واستمر العمل بهذا القانون طوال فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحتى سنة 1972، حيث أصدر الرئيس الراحل أنور السادات القانون رقم 10 لسنة 1972 بتاريخ 28 مايو 1972، بشأن الفصل بغير الطريق التأديبي، وبإلغاء القرار بقانون رقم 31 لسنة 1963 فيما تضمنه من اعتبار القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي من أعمال السيادة.
وجاء هذا القانون -بصورة أكثر انضباطًا من سابقه- حيث ألغى طبيعة قرارات الفصل تلك، باعتبارها من أعمال السيادة، وجعل لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري سلطة الفصل في الطلبات التي يقدمها العاملون بإحدى وظائف الجهاز الإداري للدولة أو الهيئات والمؤسسات العامة ووحداتها الاقتصادية بالطعن في القرارات النهائية الصادرة بالفصل بغير الطريق التأديبي، طبقا لهذا القانون، على أن يتم الفصل في الدعوى خلال سنة على الأكثر من تاريخ رفعها، وأعطى للمحكمة سلطة الحكم بالتعويض بشأن شاغلي وظائف الإدارة العليا أو الصادرة أثناء قيام حالة الطوارئ بدلًا من إلغاء القرار المطعون فيه، وبالرغم من أن هذا القانون وسع فئة المخاطبين بأحكامه لتشمل إلى جانب موظفي الجهاز الإداري بالدولة هؤلاء الذين يشغلون وظائف بالهيئات والمؤسسات العامة ووحداتها الاقتصادية، إلا أنه جاء مشتملًا عدة ضمانات تشمل جدية هذه القرارات وتبسط رقابة القضاء الإداري عليها ومنها:
- أن يكون الفصل بقرار من رئيس الجمهورية بناء علي اقتراح الوزير المختص بعد سماع أقوال العامل.
- أن يكون ذلك دون إخلال بحقه في المعاش أو المكافأة.
- أن يكون قرار الفصل مسببا ويُبلّغ إلى العامل المفصول.
- أنه لا يجوز الالتجاء إلي الفصل بغير الطريق التأديبي إذا كانت الدعوى بطلب الفصل قد رفعت أمام المحكمة التأديبية.
وفي عام 1974 صدر القانون رقم 28 لسنة 1974 في 9 مايو 1974 بشأن إعادة العاملين المدنيين المفصولين بغير الطريق التأديبي إلى وظائفهم، وذلك في الفترة من تاريخ العمل بالقانون رقم 31 لسنة 1963، الصادر من الرئيس عبدالناصر وحتى تاريخ العمل بالقانون 10 لسنة 1972، الصادر من الرئيس السادات، ونص هذا القانون على أن يعاد إلى الخدمة العاملون المدنيون بالدولة "الذين لا تنظم شئونهم الوظيفية قوانين خاصة" وأنهيت خدمتهم عن غير الطريق التأديبي، واشترط لإعادتهم:
- عدم بلوغ السن المقررة للتقاعد.
- ثبوت قيام إنهاء الخدمة بغير الطريق التأديبي على غير سبب صحيح.
ثم نص القانون علي إجراءات تقديم طلبات العودة إلى الوظائف واللجان المختصة بالنظر فيها، وجعل للقضاء الإداري سلطة نظر الطعن في قرارات تلك اللجان بالرفض، وأعفى تلك الدعاوى من الرسوم، ونص على احتساب المدة من تاريخ إنهاء الخدمة حتى تاريخ العودة كأنها مدة خدمة فعلية.
- وكان قد بدا أن القانون 10 لسنة 1972 بشأن الفصل بغير الطريق التأديبي قد طواه النسيان ونسخ ضمنًا، ولم نستطع العثور على ثمة تطبيقات حديثة له، إلى أن عاد تحت الأضواء ثانية خلال مناقشة مشروع القانون بتعديله في مجلس النواب في شهر يونيو 2021، فما هو الجديد في مشروع هذا القانون؟ ومن هي الفئات المخاطبة بأحكامه؟ وما هي الضمانات التي جاء بها مشروع هذا القانون؟
أولًا: جاء مشروع هذا القانون -وبشكل واضح على غير سابقيه- مستثنيا الفئات المقرر لها ضمانات دستورية في مواجهة العزل من الوظيفة مثل: أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي وشاغلي الوظائف القضائية، وجاء أيضا مستثنيا المخاطبين بأحكام القوانين المنظمة لشئون الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة.
ثانيًا: وسّع هذا القانون بشكل غير مسبوق طائفة المخاطبين بأحكامه، لتشمل وحدات الإدارة المحلية وغيرها من الأجهزة التي لها موازنات خاصة والعاملين الذين تنظم شئون توظيفهم قوانين أو لوائح خاصة والعاملين بشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام إلى جانب العاملين بوحدات الجهاز الإداري للدولة، ولذا أصبح القانون يشمل أيضا فئة ممن ينطبق عليهم قانون العمل رقم 12 لسنة 2003.
ثالثًا: أعطى هذا القانون لرئيس الجمهورية الحق في تفويض غيره لإصدار قرارات الفصل تلك.
رابعا: نص هذا القانون على أن يتم وقف من تتوافر بشأنه إحدى أسباب الفصل المنصوص عليها عن العمل بقوة القانون لمدة ستة أشهر أو لحين صدور قرار الفصل، أيهما أقرب، مع وقف صرف نصف أجره طوال فترة الإيقاف.
خامسًا: جاءت أسباب الفصل المنصوص عليها في مشروع هذا القانون ترديدًا لأسباب الفصل ذاتها المنصوص عليها في القانون الأصلي وهي:
1- إذا أخل بواجباته الوظيفية بما من شأنه الإضرار الجسيم بمرفق عام بالدولة أو بمصالحها الاقتصادية.
2- إذا قامت بشأنه قرائن جدية على ارتكابه ما يمس الأمن القومي للبلاد وسلامتها، وأضيف لهذه الفقرة أن إدراج العامل علي قائمة الإرهابيين وفقًا لأحكام القانون 8 لسنة 2015 بشأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين يعتبر قرينة جدية على ارتكاب ما يمس الأمن القومي للبلاد وسلامتها.
3- إذا فقد الثقة أو الاعتبار.
4- إذا فقد سببًا أو أكثر من أسباب صلاحية شغل الوظيفة التي يشغلها، وذلك عدا الأسباب الصحية.
وبالنسبة لمن كان قد تم التقدم بطلبات لفصلهم أمام المحكمة التأديبية، فلا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي أثناء تداول الدعوى.
وأبقى هذا المشروع أيضًا على اختصاص محكمة القضاء الإداري دون غيرها بالفصل في الطعون على القرارات النهائية الصادرة بالفصل بغير الطريق التأديبي، طبقًا لهذا القانون، كما أبقى على عدم حرمان العامل الذي يتم فصله بموجب هذا القانون من المعاش أو المكافأة.
وتمت إضافة ذات أسباب الفصل هذه إلى قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 وتعديل المادة 69 منه، التي تنظم أسباب إنهاء خدمة الموظف بإضافتها بالبند 11 بعنوان الفصل بغير الطريق التأديبي.