ننشر نص كلمة أمين عام جامعة الدول العربية في مجلس الأمن حول ليبيا
قال أحمـد أبـو الغيـط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أمام مجلس الأمن الدولي، مساء اليوم، إن الجامعة العربية تتمسك بتطبيق خريطة الطريق السياسية، بمحطاتها المتفق عليها ومتقضياتها التي تحظى بإجماع المجتمع الدول، وصولا إلى عقد الانتخابات في موعدها.
وأضاف، خلال كلمته أمام جلسة مجلس الأمن حول ليبيا، أن الزخم المصاحب للعملية السياسية في ليبيا لا بد أن يستمر، مؤكدًا موقف الجامعة العربية بتطبيق خريطة الطريق السياسية، بمحطاتها المتفق عليها ومتقضياتها التي تحظى بإجماع المجتمع الدولي.
وفيما يلي نص كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية أمام مجلس الأمن الدولي.
"السيد الرئيس، اسمحوا لي في البداية أن أتقدم بالشكر لفرنسا على المبادرة بالدعوة إلى هذا الاجتماع الذي يأتي في توقيت مناسب تماما.. ليس خافيا أن الكثير من الأطراف في عملية برلين يشعرون بالقلق، بل الإحباط حيال ما يمكن أن يتعرض له المسار السياسي الليبي من تعطيل خطير.. بما يهدد بتقويض الإنجازات المهمة التي تحققت خلال الفترة الماضية.
إننا هنا اليوم لكي نؤكد أن الزخم الإيجابي الذي حظيت به العملية السياسية منذ برلين (1)، ثم اتفاق جنيف لوقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي، وصولًا إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي، والاتفاق على موعد الانتخابات، ثم تأكيد الإجماع الدولي المساند لهذا المسار في برلين-2 الشهر الماضي.. أقول إن هذا الزخم الإيجابي لا بد أن يستمر، إن التوقف أو التباطؤ سيمثل خذلانًا حقيقيًا وإحباطًا كبيرًا للشعب الليبي، الذي علق آمالًا كبيرة على العملية السياسية وما تنطوي عليه من فرصة لإخراج البلد من النفق المظلم الذي عانت بداخله لأكثر من عشر سنوات.
لقد راقبنا جميعا مداولات ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف مطلع الشهر.. وما انتهت إليه هذه المداولات من عجز عن الاتفاق على القاعدة الدستورية التي يفترض أن تجرى على أساسها الانتخابات في 24 ديسمبر القادم، إن العجز عن بناء التوافق والإجماع يعكس غلبة المصالح الضيقة، ويعيد إلى الأذهان حالة من الفرقة والانقسام كنا نحسب أننا تجاوزناها من أجل بناء مستقبل لكافة أبناء الشعب الليبي، في الشرق والغرب على حدٍ سواء.
إن الجامعة العربية تعمل باستمرار على تشجيع الأخوة الليبيين، من كافة التيارات السياسية والمناطق الجغرافية، على الانتقال من منطق التنافس إلى منطق التوافق.. على الأقل خلال الأشهر القادمة خلال هذا العام.. من أجل عدم تضييع هذه الفرصة السانحة، والعمل بشكل حثيث على تذليل كافة العقبات -القانونية والدستورية واللوجستية- التي تعرقل إتمام الانتخابات في موعدها.
إن عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 24 ديسمبر القادم يمثل نقطة فاصلة في مسار إنقاذ ليبيا، والحفاظ عليها دولة موحدة، ذات سيادة كاملة على ترابها الوطني.. وأقول بكل وضوح إن إعادة الحديث عن موعد الانتخابات سيفتح بابا للتنافس والصراع، لن يكون في صالح ليبيا أو الليبيين.
السيد الرئيس، لقد أظهرت الأطراف المشاركة في مؤتمر برلين 2 في يونيو الماضي إجماعًا كاملًا على ضرورة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية، إن الجامعة العربية تعتبر تحقيق هذا الأمر ضرورة لازمة لإنجاح مسار الانتقال من الفوضى إلى الاستقرار، ومن صراع القوات الأجنبية على الأرض الليبية إلى صيانة استقلال ليبيا وسيادتها، وإنهاء حالة التدخل في شئونها.
إن خروج القوات الأجنبية، من دون تأخير، هو مبدأ أساسي للعملية السياسية تم التوافق حوله منذ مؤتمر برلين-1، والتأكيد عليه مجددًا في برلين-2، غير أنه يظل إلى اليوم للأسف بعيدا عن التحقق ولا شك أن التأخر والتباطؤ والمماطلة – من جانب البعض – في إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة ستكون له انعكاساته السلبية الخطيرة على المسار السياسي برمته.
السيد الرئيس، إن قضايا المرحلة الانتقالية في ليبيا كثيرة ومتداخلة.. وأؤكد هنا على أهمية التعامل مع هذه القضايا جميعًا في نفس الوقت لضمان عبور هذه المرحلة بسلام وأشير هنا إلى قضيتين على نحو خاص:
الأولى تتعلق بتوحيد مؤسسات الدولة، بما في ذلك المؤسسات العسكرية والأمنية، وما زال المتحقق على هذا الصعيد دون المأمول بكثير فإلى هذه اللحظة لم يتم اختيار محافظ جديد للبنك المركزي، أو رئيس للمحكمة العليا، وبعض الزخم الإيجابي الذي تحقق من خلال أعمال اللجنة العسكرية (5+5) قد بدأ بالفعل في التباطؤ والتراجع إن توحيد المؤسسات جانبٌ مهم من العملية الانتقالية في ليبيا، ويتعين إيلاؤه الاهتمام الواجب.. لأن إتمام الانتقال السياسي في هذا البلد مرهون بتطبيق مبدأ وحدة المؤسسات.
أما المسألة الثانية فتتعلق بما رصدته الجامعة العربية من توجه لدى بعض الأطراف لتحويل الأراضي الليبية من ممر يأوي بعض المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء الذين تسللوا إلى أراضيها بصورة غير قانونية أملًا في العبور إلى دول أخرى (وهؤلاء تصل أعدادهم لمئات الآلاف)، أقول إن بعض الأطراف تسعى، ربما بقصد أو دون قصد، إلى تحويل ليبيا من ممر إلى مستقر دائم لهؤلاء المهاجرين عبر توطينهم في ليبيا، إننا ننبه إلى خطورة هذا التوجه وتأثيراتها السلبية الكبيرة على الاستقرار في ليبيا، ومع اقتناعنا الكامل بالضرورات الإنسانية التي تحكم هذا الملف، فإن الوضع الديموغرافي في ليبيا، ولا شك أن المساس بالتوازن السكاني القائم بتوطين مئات الآلاف من الأجانب على الأراضي الليبية سيكون من شأنه إضافة عامل جديد للأزمة، وبُعدٍ إضافي يزيد من تعقيدها.
وختاما، فإنني أؤكد مجددا على موقف الجامعة العربية الذي يتمسك بتطبيق خريطة الطريق السياسية، بمحطاتها المتفق عليها ومتقضياتها التي تحظى بإجماع الأسرة الدولية، وصولا إلى عقد الانتخابات في موعدها، فالمساس بهذا الموعد المحدد، والمتفق عليه من كافة الفرقاء والأطراف، قد يدخل البلاد مجددا في نفق مظلم من الخلافات والتشرذم السياسي، وهو ما لا يرغب فيه أي طرف، فأبناء الشعب الليبي جميعًا يتطلعون لعبور هذه المرحلة الدقيقة والصعبة بأمان، وصولا إلى أول الطريق إلى الاستقرار في آخر هذا العام إن شاء الله".