ولنا بعد الثلاثين حياة لا تشبه الماضي!
يوم أن احتفلت بعيد ميلادي الثلاثين منذ عام، هالني الرقم، ما زلت الأنثى التي تفرح بالعروس الصغيرة والهدايا التي تأتي على غير موعد والركض لمنح جسدي حرية الحركة بعيدًا عن القيود المكممة، هالني أن أنظر ورائي فأرى ذكريات وصل عمرها إلى خمسة عشر عامًا فأقول يا الله كيف حملت هذا الرقم وأنا مازلت أحبو، هدأت فقط حين نظرت أمامي فوجدت إمكانية صنع ذكريات أخرى تصلح لعشرة أعوام أو ربما أكثر.
الله لا يمنحنا القوة عبثًا، بل في التوقيت المناسب، لذلك ما بين اندفاع العشرينات وهدوء الأربعينات يبقى الثلاثون سن فوران الشباب الحقيقي، وفي الغرب يعدونه المرحلة الذهبية التي تمنحك الفرصة في حسم جميع القرارات وبدء قرارات جديدة قد تضطر يوما لحسمها أيضًا.
والآن بعد مرور أول أعوامي أو بالأحرى صنع ذكريات تصلح لفوران الشباب أعترف أن الحياة في أول خطواتها بعد الثلاثين لم تمنحني فرصة الثبات والركود التي كنت أظنها طمأنينة، من اليوم أخبرتني أن هذا وقت الحساب، حسم القرارات المؤجلة، التخلص من كل ما هو مرهق، العيش للذات قليلًا، الأنانية قليلًا، حب النفس قليلًا، لم استوعب كل ما فعلته أو ربما أفزعني أنني قادرة على كل هذا، استجديت أعوام أخرى أهيئ نفسي لكل هذا لكنها لم تمنحني وقتًا، أقول لنفسي هل أرادت الحياة اختصار الوقت أم أنها شعرت أني متأخرة فقررت أن تُدَفِّعني كافة الفواتير المتأخرة مرة واحدة وبأثر رجعي.
نعم لم يكن عامًا ما مضى، يقول محمد حسنين هيكل إن القرون تُحسب بعدد سنوات التغيير ولذلك فالقرن العشرين لمصر ليس إلا خمسون عامًا في الحقيقة، وأقول أنا ليس 365 يومًا ما مضى من حياتي، فلا يمكن في عام واحد أن يحدث كل هذا!
بعد الثلاثين استطعت تخطي أزمات حياتية كثيرة كانت معلقة فلا أنا قادرة على حسمها أو تجاوزها أو التخلص منها أو العيش في ظلالها، وفجأة وجدتني أقف لأقول يكفي، واستطعت أن أتحدى كثيرين دون أن يهتز لي جفن، ولم تكن شجاعة قدر ما كنت وصلت للمرحلة التي ليس بعدها شيء، كنت أخوض حربي بمنطق من لا يملك شيئًا يخسره فلا بد من النصر.
بعد الثلاثين بدأت مسارات حياتية على المستوى العملي لم أكن أتخيل أنني سأصل إليها في يوم، صحيح ظلت هناك أحلام أعمل لها، لكنها كانت بعيدة إلى الحد الذي يجعلني أقول لنفسي الآن لم تكن الأحلام عبثًا، ولم يكن الدعاء خطيئة، فما أسررت به إلى الله سمعه واستجاب له فبتّ عاجزة عن شكره.
بعد الثلاثين تأسفت لنفسي التي ظلمتها كثيرًا حين شككت فيها في وقت من الأوقات، وظننت إنها غير قادرة على فعل شيء قبل أن تفاجئني أنها أقوى مما توقعت، وأصلب مما اعتقدت فتحملت معي كل التقلبات وهي موقنة إننا سنصل إلى بر في النهاية.
وأخيرًا بعد الثلاثين أدركت أن القلب حُمّل بما لا يستطيع طويلًا، وأنَّ ليلًا دون أن أسمعه، واستجدى الصراخ فتغاضيت، وبكى سرًّا فتركته وشأنه حتى بات ليس مني، وربما إلى الآن غاضب، رغم كل ما فعلته لكي يهدأ، تخفت جراحه، تُدواى آلامه، لكنه غاضب، ربما تلك مهمة السنين المقبلة أن أجعله يبتسم.
أقول لنفسي الآن في عام جديد، كل ما مضى مضى، انتهى ما كان لا بد أن ينتهي، وبدأ ما أتوقع بدايته، وليس عليّ إلا السير، وطالما أن الله لا يضيع الأحلام؛ فلأحلمْ.