في ذكرى وفاته.. حافظ وشوقي يرثيان جرجي زيدان
تمر اليوم ذكرى وفاة الكاتب والأديب الكبير “جرجي زيدان”، وهو من أهم الكتاب والصحفيين في التاريخ الحديث، ويعد من منشئي فن الرواية الحديث.
اشتهر زيدان بكتابته التاريخ في شكل روايات تتحدث عن الفترات المختلفة من تاريخنا العربي، وقد رثى أكبر شعراء العصر عند وفاته.
وفي السطور التالية نعرض لكم أهم المرثيات التي كتبت له.
أمير الشعراء أحمد شوقي يرثي جرجي زيدان
ممالكُ الشرقِ، أم أدراسُ أطلالِ
وتلك دولاته، أم رسمها البالي؟
أَصَابَها الدهرُ إلاَّ في مآثرِها
والدهرُ بالناس من حالٍ إلى حال
وصار ما نتغنَّى من محاسنها
حديث ذي محنة ٍ عن صفوه الخالي
إذا حفا الحقُّ أرضًا هانَ جانبُها
كأنها غابة ٌ من غيرِ رئبال
وإن تحكَّم فيها الجهلُ أسلمها
لفاتكٍ من عوادي الذل قتَّال
نوابغَ الشرقِ، هزُّوهُ لعلّ به
من الليالي جمودَ اليائس السَّالي
إن تنفخوا فيه من روح البيانِ، ومن
حقيقة ِ العلمِ ينهضْ بعدَ إعضال
لا تجعلوا الدينَ باب الشرِّ بينكمُ
ولا محلَّ مباهاة ٍ وإدلال
ما الدينُ إلا تراثُ الناس قبلكمُ
كلُّ امرىء ٍ لأبيه تابعٌ تالي
ليس الغلوُّ أَمينًا في مَشُورته
مناهجُ الرشدِ قد تخفى على الغالي
لا تطلبوا حقّكم بغيًا، ولا صلفًا
ما أبعدَ مصلحة ٍ ضاعت بإهمال
كم همَّة ٍ دفعتْ جيلًا ذرا شرفٍ
ونومة هدمتْ بنيانَ أجيال
والعلمُ في فضله، أَو في مفاخِره
ركنُ الممالكِ، صدرُ الدولة ِ الحالي
إذا مشتْ أمّة ٌ في العالمين به
أبى لها اللهُ أن تمشي بأغلال
يقِلُّ للعلم عندَ العارفين به
ما تقدر النفسُ من حبٍّ وإجلال
فقفْ على أهله، واطلبْ جواهره
كناقدٍ ممعنٍ في كفّ لآل
فالعلم يفعل في الأَرواح فاسدُه
ما ليس يفعل فيها طِبُّ دجَّال
ورب صاحبِ درسٍ لو وقفتَ به
رأيت شبه علم بينَ جهّال
وتسبق الشمسَ في الأَمصار حكمتُه
إلى كهولٍ، وشُبّانٍ، وأَطفال
زيدانُ، إني مع الدنيا كعهدِك لِي
رِضَى الصديقِ، مقِيلُ الحاسدِ القالي
رثاء حافظ ابراهيم لجرجي زيدان
دَعاني رفاقي والقوافي مَريضةٌ
وقد عَقَدَتْ هُوجُ الخُطوبِ لساني
فجئْتُ وبي ما يَعلَم اللهُ مِنْ أسًى
ومِنْ كَمَدٍ قد شَفَّني وبَراني
مَلِلْتُ وُقوفي بينكم مُتَلَهِّفًا
على راحِلٍ فارَقْتُه فشَجاني
أفيِ كلِّ يومٍ يَبْضَعُ الحُزْنُ بَضْعَةً؟
مِنَ القلب إنِّي قد فَقَدْتُ جَناني
كَفاني ما لُقِّيتُ مِنْ لَوْعَةِ الأسَى
وما نابَني يومَ (الإمام) كَفاني
تَفَرَّقَ أحبابي وأهلي وأخَّرَتْ
يَدُ اللهِ يَوْمي فانتَظَرْتُ أواني
ومالي صديقٌ إنْ عَثَرْتُ أقالَني
ومالي قريبٌ إنْ قَضَيْتُ بَكاني
أرانيَ قد قَصَّرْتُ في حَقِّ صُحْبَتي
وتَقصيرُ أمثالي جِنايَةُ جاني
فلا تَعْذِروني يوم (فَتْحي) فإنني
لأعْلمُ ما لا يَجْهَلُ الثَّقَلان
فقد غابَ عنّا يومَ غابَ ولم يَكُن
له بَيْنَ هالاتِ النَّوابِغِ ثاني
وفي ذّمتي (لليازجيّ) وَديعَةٌ
وأخرى (لزَيْدانٍ) وقد سَبَقاني
فيا ليْتَ شِعْري ما يَقولان في الثَّرى
إذا الْتَقيا يومًا وقد ذَكَراني
وقد رَمَيا بالطَّرْف بين جُموعِكُمْ
ولم يَشْهَدا في المَشْهَدَيْنِ مكاني
أيَجمُلُ بي هذا العُقوقُ وإنّما
على غير هذا العَهْد قد عَرَفاني
دَعاني وفائي يومَ ذاكَ فلمْ أكُنْ
ضَنينًا ولكنّ القريضَ عَصاني
وقد تُخْرِسُ الأحْزانُ كلَّ مُفَوَّهٍ
يُصَرِّفُ في الإنْشادِ كلَّ عِنانِ
أأنْساهُمَا والعِلْمُ فوق ثَراهُما
تَنَكَّس من أعْلامِهِ عَلَمانِ
وكم فُزْتُ مِنْ رَبِّ (الهِلالِ) بحِكْمَةٍ
وكم زِنْتُ من رَبِّ (الضِّياء) بَياني
(أزيْدانُ) لا تَبْعَدْ وتلك عُلالةٌ
يُنادي بها النَّاعونَ كلَّ حُسانِ
لكَ الأثرُ الباقي وإنْ كنتَ نائيًا
فأنتَ على رَغْم المَنِيَّةِ داني
ويا قبرَ (زَيْدانٍ) طَوَيْتَ مُؤَرِّخًا
تَجَلَّى له ما أضْمَرَ الفَتَيانِ
وعَقْلًا وَلُوعًا بالكُنوز فإنّه
على الدُّرِّ غوّاصٌ ببحْرِ (عُمانِ)
وعَزْمًا شَآمِيًّا له أيْنَما مَضَى
شَبَا هِنْدُوانيٍّ وحَدُّ يَماني
وكفًّا إذا جالَتْ على الطرْس جَوْلَةً
تَمايَلَ إعْجابًا بها البَلَدانِ
أشادَتْ بذِكْرِ الرّاشِدين كأنّما
فتى (القُدْسِ) ممّا يُنْبِتُ الحَرَمانِ
سَألْتُ حُماةَ النَّثْر عَدَّ خِلالِه
فمالي بما أعْيا القَريضَ يَدانِ