قصص من دفتر أوجاع ضحايا العنف الأسري.. وخبراء يضعون روشتة العلاج
تصاعدت وتيرة حوادث وجرائم العنف الأسري، حيث هناك أكثر من 437 شكاوى متعلقة بالعنف الأسري في أقل من عام، وفقًا لآخر إحصائيات نشرت عن المركز القومي للمرأة والطفل لعام 2018.
وبالتزامن مع انتشار الظاهرة وارتفاع معدلاتها على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، تزايدت حالات العنف الأسري، وتنوعت أشكال الاعتداء من الآباء والأزواج أو الأقارب على أطفالهم، بين التعذيب الجسدي والاغتصاب والقتل، في وقائع بدت غريبة على المجتمع المصري.
وأثارت العديد من تلك الوقائع ضجة كبيرة لدى الرأي العام، خلال الفترة الماضية، خاصة مع تداول منشورات على “السوشيال ميديا”، وفضح معظم الخلافات الأسرية على “فيس بوك” وصفحات التواصل الاجتماعي؛ الأمر الذي دفع البرلمان للتدخل على خط الأزمة في محاولة منه الفترة المقبلة تعديلات في القانون؛ للحد من ذلك والعمل على رفع مستوى الوعي القانوني وتوعية الأهل والمجتمع.
وخلال الفترة الماضية، نشر “القاهرة 24” عدة وقائع لجرائم أسرية، من بينها مقتل ربة منزل تعدى عليها زوجها بالضرب في الغربية، والقبض على سيدة متهمة بقتل زوجها في مدينة نصر، وخلافات أسرية وراء مقتل سيدة على يد زوجها بالجيزة، ومقتل ربة منزل على يد زوجها؛ بسبب خلافات أسرية بينهما في المنيا، وتقطيع سيدة لزوجها في إمبابة.
ورصدت “القاهرة 24”، قصص من دفتر أحوال المعنفات، إذ التقت بعضهن، ونقلت تحليلات المتخصصين تجاه تلك الظاهرة لإيجاد الحلول لها.
زينب وحكاية 16 عاما من الألم مع زوج لا يرحم
بعد مرور 16 عامًا على زواج "زينب ع “، قررت ألا تصمت مرة أخرى في التعدي بالضرب عليها مرارًا وتكرارًا من قبل زوجها، ومواصلته تعنيفها ليجبرها على التنازل عن مستحقاتها، وقالت لـ”القاهرة 24"، إنها في عام 2004 تزوجت في أقل من 3 أشهر من “محمد عمر” الذى يعمل مرشد في قسم دار السلام مضيفة: "غلطتي أن تزوجت بسرعة"، حيث كانت هناك خلافات أسرية من بداية فترة زواجهما حتى نهاية مفترق الطرق بينهما عام 2019، عندما اكتشفت خيانته وإقامته علاقات غير شرعية بمسكن الزوجية.
وتابعت زينب، بأن الزوج أدمن المخدرات والاتجار بها، حيث اشتدت حدة الخلاف الزوجي بينهما وتطورت إلى الاعتداء بالضرب عليها إلى أن رفعت دعوى خلع، ولم يتوقف الزوج عن انتهاكاته فخطف أولادها ومكثوا عنده 3 أشهر وتم إعادتهم لها بحكم قضائي، بالإضافة إلى تهديدها والتشهير بصورها الخاصة عبر الانترنت.
وتابعت بأنها ذات يوم عند ذهابها إلى عملها صباحا، اعتدى زوجها عليها بالضرب وسط المارة باستخدام "خرطوم".
ووفقا لفيديوهات أرفقتها بالتحقيق وأرسلتها لـ "القاهرة 24"، أثبتت في محضر رسمي بقسم شرطة دار السلام الواقعة واختتمت بقولها: "نفسي أعيش في أمان بعيد عن شره".
“فوبيا العنوسة” تدفع منال إلى الجحيم الزوجي
"فوبيا العنوسة" دفعت الكثير من الفتيات إلى القبول بأول عريس يتقدم لهن، فيما يعرف بالزواج السريع دون التريث في اختيار شريك الحياه، ووضع معايير الاختيار الصحيحة القائمة على التفاهم والتناسب بين الطرفين هكذا فعلت "منال"، عندما بلغت 31 عاما.
ارتبطت "منال" في أقل من شهر بأول عريس تقدم لها، هربًا من لقب "عانس"، خاصة مع فسخ خطبتها بأكثر من عريس، حيث تقول لـ "القاهرة 24"، إنها بعد زواجها مباشرة اكتشفت أنه كان متزوجا بأكثر من واحدة قبلها، دون علمها.
وأضافت ربة المنزل، أنها عندما طلبت الطلاق منه، رفض الأمر مشترطا عليها أن تتنازل له عن جميع مستحقاتها، علمًا بأنه يملك قطع أراضي وعقارات سكنية ولديه شركات خاصة وسيارات فارهة.
وتضيف “منال”، أنها بعدما طالبته بالطلاق، بدء في التعدي عليها بالضرب وتعذيبها وطالبها بترك منزلها رغما عنها؛ ليجهزه استعدادًا للزواج بأخرى وعندما رفضت أن تترك له الشقة، حبسها 3 أشهر دون طعام أو شراب واستعانت بجيرانها ليطعموا بناتها.
وفي نهاية الأمر، لجأت ربة المنزل إلى نشر فيديو استغاثة عبر "فيسبوك"، وعندما علم زوجها أرسل إليها رسائل تهديد وفى الوقت الحالي تمكث ببيت والدها الكائن في شبرا الخيمة، مؤكدة أنها أقامت دعوى قضائية ضده لإلزامه بدفع نفقتها ومستحقات بناتها وذلك بعد هجره لها وطردها من مسكن الزوجية، وإقامته علاقات غير شرعية في شقته بأكتوبر.
وقالت منال شاكية أمرها: "أنا مليش حد بعد موت أهلي ولا أملك مصدر دخل وعندي بنتين توأم لم يبلغ عمرهما 4 سنوات"، ورغم حصولها على أحكام قضائية لسداد مستحقاتها من بينهم قضية تمكين مسكن الزوجية برقم 1923 لسنة 2021 إداري مركز كرداسة، وحكم تبديد منقولات برقم 4456 لسنة 2021 جنح مركز كرداسة تم الحكم فيها بجلسة3 يونيه الماضي، فضلا عن إصدار حكم بدفع نفقتها كاملة برقم 5963 لسنة 2019 إداري مركز كرداسة و1493 لسنة 2021 إداري مركز كرداسة، إلا أنه لا يتم تنفيذ تلك الأحكام الصادرة لأنه يملك العديد من الأموال والعلاقات –حسب زعمها.
علياء: "تحملت العذاب هربًا من لقب مطلقة"
"ومن الحب ما قتل".. شعار يطلق على قصص الحب الأسطورية التي تنتهى بقتل الحبيبة خوفًا من أن تتركه أو الانتحار معًا ليكون قربانا للحب، الفتاة العشرينية علياء أحمد، جمعها قصة حب و"استورجي" أثاث ولم تكن تتخطى 18عاما.
دامت قصة حبهما لفترة حتى قررا تكليل حبهما بالخطوبة والزواج، وأنجبت منه طفلة سنتين ونصف، وتزوجته رغم رفض أهلها إتمام هذه الزيجة، مضيفة أنها بعد زواجها تركت تعليمها على اعتقاد بأن الحياة معه تكفي، حتى نجح أصحاب السوء بإقناع الزوج بخوض تجربة تعاطي المخدرات واكتشفت الزوجة أمره.
عرف الزوج الوديع طريق الإدمان، ما دفعه لبيع كل شيء حتى ملابس زوجته وأثاث المنزل الذي يقطنه، وتفاقمت بينهما المشكلات لعدم قدرته على تحمل الالتزام بواجباته المفروضة عليه وبدأ يمارس ضغوطا عليها حتى وصل الأمر للاعتداء عليها.
وصلة من الضرب اليومي، بات عنوان الحياة الجديدة لـ "علياء"، فقالت لـ "القاهرة 24"، إن الزوج خط بتعذيبه علامات على جسدها لكنها تغاضت في البداية أملا في انصلاح حاله، وخوفًا من أن تحصد لقب مُطلقة.
حاولت الزوجة مرارًا وتكرارًا مع الزوج- حسب قولها- لكن جميع محاولتها لإصلاحه باءت بالفشل، لمساعدة أهله له وتغاضيهم عن أخطائه، فقررت "علياء" الانفصال عنه لكنه رفض وقال لها "لو ما بقتيش ليا مش هتبقى لحد غيرى.. وهقتلك".
مع مرور الوقت، تدهورت حالتها النفسية إلى أن أصبحت قعيدة على كرسي متحرك، وأصابتها جلطة دماغية، فلجأت إلى القضاء لرفع قضية خلع، لافتة إلى أنه تم القبض على الزوج في عدة قضايا متنوعة.
وأصبحت “علياء وابنتها” ضحايا الزوج الذي اتبع طريق المخدرات وحرم طفلته من أسرة مستقرة.
استشاري علم نفس تكشف أسباب العنف الأسري
الدكتورة إيمان عبدالله استشاري علم النفس والعلاج الأسري، تقول: إن العنف الذى يمارس في الآونة الأخيرة مؤشر لخلل في بيئة المجتمع، وهو إنذار ليس لاضطرابات نفسية فقط بل اجتماعية واقتصادية وثقافية أيضًا.
وتضيف استشاري علم النفس والعلاج الأسري، خلال حديثها لـ "القاهرة 24"، أن أبرز الأسباب التي أدت إلى ارتفاع معدلات العنف الأسري، أن بعض الأسر تربي أولادها على الموروث المجتمعي وهو "عدم المساواة بين الجنسين" فعندهم الأنثى تنشأ على القسوة والعنف والرجل يتربى منذ نعومة أظافره على التسلط والقسوة والعدوان.
وتشير الدكتورة إيمان عبدالله، إلى أن من أهم الأسباب أيضًا غياب الوازع الديني والأخلاقي وعدم التكافؤ بين الزوجين، يؤدى إلى حدوث مشاكل عند الزواج والطلاق، فضلًا عن عدم خصوصية الأسر، وحرية التعبير عن الرأي.
وأضافت “عبدالله"، أن هناك أنواعًا للعنف عديدة تلونها وتشكلها الأسر المصرية وتلبسها للمرأة كثوب من القهر، منها العنف الجسدي والجنسي، وكذلك العنف العاطفي واللفظي والاقتصادي.
وترجح استشاري علم النفس والعلاج الأسري، بأن العنف المنزلي ناتج عن أمراض نفسية واجتماعية واقتصادية، تدفع الزوج إلى ممارسة دوافع عدوانية شديدة حتى يصبح شخص متمرس ضرب زوجته.
وشرب الكحوليات وتعاطي المخدرات والكحوليات من أبرز أسباب اضطرابات العلاقة الأسرية، فضلا عن عدم الانسجام بين الطرفين وفروق السن، وعدم تفهم الزوجة معنى الزواج الحقيقي وغياب أسلوب الحوار البناء.
في أوقات كثيرة، يؤدى العنف الأسري إلى القتل والتشويه وعاهة مستديمة- حسب الدكتورة إيمان.
وتابعت استشاري علم النفس والعلاج الأسري، بأن الحل يكمن في التشديد على الدور الإعلامي، ووضع قوانين تحد من الزواج المبكر، وتوعية الأسر بالمعرفة الجيدة لمن يأتي لزواج بناتهم، وتنشئة الأبناء على الاحترام وتقبل كل منهما الآخر واحترام إنسانية الفرد أيا كان عرقه أو دينه أو جنسيته.
وللأسرة دور كبير أيضا في وضع حد للعنف الأسري من خلال عدم التسرع، والتخطيط جيدا لمستقبل أبنائهم ليس في الزواج فقط ولكن في تربيتهم ونشأتهم وتعليمهم ومراعاة صحتهم النفسية والبدنية ومراعاة الجزء الثقافي والتعليمي.
وشددت الخبير النفسي، على أنه من الضروري تقليل العنف في التعامل مع الأبناء، أثناء تربيتهم وما يشاهدونه من والديهم وتقليل نسبة المشاهدات العنيفة كل ذلك يساعد على تحسين المجتمع وانشاء بيئة صحية سليمة خالية من العنف.
خبير قانوني: هذا ما تفعله الزوجة إذا تعرضت للعنف
من جهته يقول، خالد صفوت بهنساوي رئيس قسم القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة بني سويف، إنه ليس هناك قانون خاص بالعنف الأسرى ضد الزوجات، ولكن قانون العقوبات يعاقب على أي عنف ضد أي شخص.
وتابع بهنساوي، في تصريحات خاصة، بأن الزوجة المعتدى عليها ليس أمامها سوى تقديم دعوى طلاق للضرر وفقا للمادة 6 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929،عندما يقع عليها ضرر مادي أو نفسي من الزوج تطلب من المحكمة التطليق للضرر؛ إذا تعدى الزوج عليها طبقا لقانون الأحوال الشخصية.
وأشار رئيس قسم القانون الجنائي، إلى أن المحكمة إذا تأكدت أن الزوج أساء معاملة زوجته تطلقها للضرر، وإعطائها كافة مستحقاتها وبالنسبة لنفقة المتعة فهي حق للزوجة، إذا ثبت لدى المحكمة أن الطلاق دون رضاها ودون سبب منها، إما إذا لم يثبت لدى المحكمة أن الزوج أساء للزوجة بأي شكل من الأشكال رفضت طلبها وفي هذه الحالة قد تلجأ الزوجة للخلع والتنازل عن كافة مستحقاتها، وقد تلجأ الزوجة ابتداء لطريق الخلع للتخلص من الزوج، وهو السمة الشائعة الآن، حيث أن الخلع تحكم به المحكمة خلال 3 أشهر وهذا الحكم نهائي غير قابل للطعن عليه.
وأوضح “بهنساوي”، أما الطلاق للضرر فيمكن الطعن عليه بطريق الاستئناف، وبالتالي تستغرق الجلسات في المحكمة اكثر من سنة، مؤكدًا أن التعدي والعنف علي أي شخص يعتبر جريمة بصرف النظر عن جنس المجني عليه أو ديانته أو شكله أو عرقه أو لونه وفقًا للمادة 242 من قانون العقوبات وأن قانون الأحوال الشخصية يمنح الزوجة الحق في التطليق للضرر واعطائها كافة حقوقها إذا تعدي الزوج عليها بالعنف هذا بالطبع بالإضافة لاعتبار ذلك الفعل يشكل جريمة إذا تقدمت الزوجة ببلاغ ضد زوجها.
مشروع قانون بإنشاء مفوضية ضد التمييز لتقليل العنف الأسري
وكانت النائبة أمل سلامة، عضو لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب، قالت إن هناك عوائق في المادة 242 في القانون التي تنص على عقوبة الزوج الذى يتعدى بالضرب على زوجته وذلك بالحبس مدة لا تزيد عن سنة مع دفع غرامة لا تزيد عن 200 جنيها ولا تقل عن 10جنيه.
وأعربت البرلمانية عن اعتزامها اقتراح تعديلات قانونية جديدة خلال الفترة المقبلة، للحفاظ على "السلم الاجتماعي"، وسوف يناقش البرلمان قريبا مشروع قانون بإنشاء "مفوضية ضد التمييز.
وأوضحت "سلامة" بأنها في مرحلة إعداد تعديلات جديدة علي قانون العقوبات، تقضي بتغليظ عقوبة اعتداء الزوج على الزوجة بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات، وتصل إلى 5 سنوات، مع زيادة قيمة الغرامة، مضيفة أنها اعتمدت في التعديلات، التي ستقوم بتقديمها للبرلمان، على المادة 11 من الدستور التي تنص على "تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور".
وتابعت “سلامة” بأن التعديلات تتضمن تغليظ العقوبة على الأزواج الذين يرتكبون العنف ضد زوجاتهم، بعد أن لاحظت ارتفاع حالات ضرب الزوجات بشكل يهدد كيان الأسرة المصرية تصل إلى 80٪ حسب إحصائيات المجلس القومي للمرأة.
وأكدت عضو مجلس النواب بأن ذلك سوف يؤدي لخلل جسيم في المجتمع بالإضافة إلى تسبب في أمراض نفسية ومجتمعية عديدة لدى الأطفال، وأن التعديلات ستؤدى في حال الموافقة عليها سلامة الحفاظ على الأسرة المصرية، وتقدير الرجل لدور زوجته في المنزل، وتراجع العنف الأسري، وتمكن المرأة تحقيق المزيد من العطاء لأبنائها والمجتمع.