إبكي يا قلبي على الحنية
من 9 سنين الكاتب الصحفي "وليد المنصوري" ولما سافر في دورة تدريبية صحفية في واحدة من الدول الأوروبية لأول مرة في حياته وكان من حظه الكويس إن معاه مراته في السفرية على أساس إنها هتكون من أسباب تخفيف حدة الغربة عليه خصوصًا كمان إنهم كانوا لسه متجوزين جديد.. فوجئ في أول يومين ليهم هناك إن فيه إزاز وقع على رجل مراته في المطبخ الساعة 3 الفجر وهي واقفة بتشرب.. الدم غرق الدنيا وكان واضح إن الإزاز عمل جرح غائر.. خرج من الأوضة على صرخة مراته وماكنش عارف إيه اللي المفروض يتعمل وهما أغراب في البلد اللي هما فيها واللي يسمع عن أهلها إنهم مش شعب ودود بالتالي مش هيكون عارف يروح فين وييجي منين.. مراته لما حست بالقلق في عينه طمنته وهى بتتحامل على نفسها وقالتله إن لما الدنيا تنور والنهار يطلع هتبقى فرصة كويسة إنهم يلاقوا حد يكلموه أو يسألوه وإن مفيش داعي للقلق.. طنش كلامها وربط مكان الجرح بقطن كتير عشان يمنع الدم وشالها على إيديه الإتنين وخرج يجري بيها في الشوارع عشان يلاقي صرفة.. كان بيجري دون مبالغة ومراته مش قادرة تتكلم من الألم بس عيونها فيها نظرة إمتنان لا محدودة.. مع كل شارع بيعدي منه وبيلاقي الدنيا هُس هُس كان إصراره إنه يكمل بيزيد.. حتى لما ربنا قدّر مراته إنها تنطق كلمة في عز الوهن قالت بصعوبة: (رجعنا البيت يا وليد مش هنلاقي حد فاتح دلوقتي أنا بقيت كويسة)؛ كان بيطنش كلامها كإنه مش سامعها.. بيقول إنه ماكنش متخيل فكرة إنها تتعور ويبقى عاجز إنه يساعدها.. الموضوع مش موضوع ترييح دماغ بس هو فعلًا مش قادر يستحمل فيها ده!.. من كرم ربنا ولطفه إنهم بعد نحو نص ساعة لف قدر "وليد" يلاقي صيدلية والدكتور اللي فيها كان شخص لطيف إلى حد ما وبيفهم في الإسعافات الأولية وعمل اللازم ونجت مراته.. لما فتحت عينها بصعوبة وقبل ما يرجعوا البيت تاني كانت الكلمة اللي رماها الدكتور في ودنها بالراحة هي: (أنتي محظوظة بـ حنية زوجك).. "وليد" ماسمعش الكلمة بس هي قالتلهاله لما رجعوا البيت فقال وهو بيكتب الموقف إنه مش شايفها حاجة غريبة بالعكس دي مطلوبة.. لو ماكنتش حنين على اللي مني يبقى هبقى كده مع مين.. ده الطبيعي.
• في نص الثمانينات حصلت قصة حقيقية وذُكرت في كتاب (The best of bits and pieces).. عن أسرة بسيطة في ظروفها وفي عددها.. مكونة من أب وأم وبنت اسمها "ماري" عندها 6 سنين وولد اسمه "أندرو" عنده 4 سنين.. الولد تعب جدًا في يوم وصرخ وهو ماسك راسه من الوجع ولإنهم أسرة بسيطة وعلى قد حالهم مقدروش يجيبوا إلا دكتور صغير على قدهم برضه يكشف على "أندرو".. عمل الكشف والأشعة والتحاليل.. التشخيص؟.. الولد هيموت في خلال شهور قليلة لإن فيه ورم في قاع الجمجمة.. الفكرة إن حساسية مكانه + عمر الولد الصغير بيخلّوا العملية مستحيلة ومفيش أى حد يجرأ يمد إيده في رأسه.. يعني بإختصار وزى ما قال الدكتور بالظبط: (لن ينقذ حياته إلا "معجزة").. الأب والأم استسلموا لـ القضاء والقدر.."ماري" كانت هتتجنن على أخوها ولسه كلمة الدكتور بترن في ودانها (لن ينقذ حياته إلا "معجزة").. بالتفكير العيالي بتاعها اللي كل مقوماته حاجة واحدة بس هي "الحنية"؛ لمت كل الفلوس اللي موجودة في الحصالة بتاعتها وطلعتهم وعدتهم.. كانوا عملات معدنية كتير ولما حسبتهم لقت الإجمالي بتاعهم = دولار واحد!.. خدت الحصالة بـ اللي فيها ورغم إنها لسه 6 سنين طلعت لوحدها ومن ورا أبوها وأمها على أقرب صيدلية لـ بيتهم.. صاحب الصيدلية كان قاعد مع أخوه اللي جاى يزوره من شيكاغو واللي بقاله فترة كبيرة ماشافهوش وبيدردشوا وفجأة لقى كف صغير اترفع فوق الترابيزة الزجاجية اللي قدامه ونفس الكف ده بيرزع كذا عملة معدنية ورا بعض وبيهبدهم فوق الترابيزة.. الراجل اتخض وقام من الكرسى عشان يشوف مين العيل اللي واقف تحت المكتب ومش باين ده وإيه العملة اللي بيحطها دي.. لقاها "ماري".. مظهرها صدمه.. لابسة هدوم باين عليها الفقر والمستوى الإجتماعي البسيط بتاعهم.. شعرها الصغير ملموم بـ توكة رخيصة.. ضوافر إيديها متوسخة بشكل واضح.. سألها: (ماذا تريدين؟).. ردت بعفوية: (معجزة).. سألها بتعجب: (نعم!).. ردت: (أخى " أندرو " سيموت والطبيب قال إنه بحاجة إلى معجزة كى ينجو فأتيت لأشترى معجزة من عندك؛ أليست تلك صيدلية؟!).. الصيدلي بنفاذ صبر وضيق شاور لها بـ قرف وقال:(إنصرفي فـ ليس عندنا معجزات للبيع).. البنت اتعصبت وصرخت بمنتهى السوقية والعنف: (لا لن أغادر من هنا قبل أن أحصل على معجزة).. الصيدلي لف حوالين الترابيزة عشان يطردها بره وقبل ما يلمسها أخوه مسك إيده وطلب منه إنه يسكت واتكلم هو مع البنت.. أخوه حط إيده على كتفها وسألها: (ما نوع المعجزة التي يحتاجها أخوكي؟).. ردت بحيرة حقيقية: (لا أعلم ولكن رأسه يؤلمه بشدة).. الأخ فكر لحظة وسألها تاني: (كم معكي من النقود؟).. ردت: (دولار واحد).. الراجل ضحك وطبطب عليها ومد إيده لها عشان تناوله الفلوس وهو بيقول بصدق: (ممممممم يالحسن الحظ؛ إنه الثمن المناسب تمامًا للمعجزة).. البنت سألته بإستغراب ممزوج ببهجة: (هل تتحدث بجدية؟ ستعطيني فعلًا معجزة بـ الدولار؟).. رد عليها بسرعة: (طبعًا، وخذيني الآن إلى منزلكم لكى أرى "أندرو" بنفسي).. مين الراجل ده؟.. الدكتور "كارل أرمسترونغ" جراح المخ والأعصاب المشهور وقتها وواحد من أباطرة الجراحات الحرجة!.. قبل ما يدخل البيت اتفق مع البنت إنها ماتقولش لـ أبوها وأمها قصة الدولار اللي هو خده ده خالص وإن ده يفضل سر بينهم.. البنت وافقت.. دخلوا.. دكتور "كارل" عّرف نفسه لـ أبوها وأمها وقال لهم إنه سمع قصة "أندرو" من أخته وحابب يكشف عليه ويشوف الأشعة بتاعته بنفسه.. شافها.. قرر يخوض المغامرة ويعمل العملية لـ الولد.. لما عرفوا حقيقة شخصيته ومكانته العالية خافوا من ثمن العملية واللي أكيد هيكون مكلف جدًا ده أشهر وأكيد أغلى دكتور في أمريكا !.. الأب سأله على إستحياء وبخجل:(وبالنسبة للتكلفة؟).. رد "كارل": (لقد وصلت بالفعل).. وسط إستغراب الأب والأم؛ الدكتور والبنت بصوا لـ بعض بصة سريعة بإبتسامة وهي بتغمز له وبتعض على طرف شفتها.. ماضيعوش وقت كتير في إستغرابهم لإنهم كـ أب وأم في المقام الأول هدفهم يتعلقوا في قشاية في إنقاذ إبنهم.. اتعملت العملية ونجحت وعاش "أندرو" في واحدة من أعقد العمليات الجراحية وقتها وفضل سر الدولار بين الدكتور "كارل" و"ماري".. في سنة 1989 وبعد العملية بحوالى 4 سنين فيه برنامج تليفزيونى شهير استضافوا الأسرة دي عشان يحكوا عن نجاة إبنهم من الموت ونجاح العملية بإعتبارها واحدة من المعجزات الطبية.. بعد ما كلهم خلصوا كلامهم (الأب، الأم، وحتى "أندرو") المذيعة صرخت بإعجاب: (و أو إنها معجزة).. ساعتها وبمجرد ما اتقالت كلمة "معجزة "اتكلمت "ماري" واللي كانت ساكتة طول القعدة ورفعت إيديها وقالت بفخر: (نعم معجزة وبدولار واحد فقط).. وراحت حكت القصة بتاعتها بالتفصيل لـ أول مرة قدام ملايين المشاهدين وسط ذهول الكل حتى أسرتها لكنها شافت إن ده حق دكتور "كارل" عليها إن كل الناس تعرف عظمته.. "ماري" وهى بتحكي كانت بتتكلم إنها كانت واثقة لما خرجت من البيت يومها للصيدلية إنها هتلاقي حل لأخوها..إيه نوع الحل أو طبيعته أو طريقته مش عارفة بس اللي عارفاه إنها هتلاقيه.. بس لحظة هي العيلة المفعوصة دي جابت الثقة بتاعتها منين!.. بس لو دققت هتلاقيها مش ثقة قد ما هي "حنية".. الحنية هي اللي حركتها.. ونفس الحنية برضه اللي حركت د."كارل" لما شاف حنية البنت على أخوها.. يعنى من الآخر "حنية" جابت "حنية" جابت "معجزة".
• صديقي "محمد" لما خطب "آيه" كانت الصفة اللي شدته ليها والعكس هي "الحنية".. فكرة إن كل واحد فيهم بيخاف على التاني خوف حقيقي نابع من حنية خالصة بيور كانت قادرة تشد كل طرف للطرف التاني بسلاسة وإن الأمور تكون ماشية في سكة الجواز بسرعة أكبر من المعتاد.. أصل ليه التأخير!.. بقى عادي إنهم وأثناء خروجهم في فسحة من الفسح بتاعت الخطوبة إن "آيه" تشوف قطة صغيرة بتنونو في الشارع عمرها أسبوعين تلاتة بالكتير فتقرر وهو يوافقها إنهم يقفوا عشان يجيبولها لبن وميه وأكل ويطمنوا إنها بقت في أمان لما يحطوها على جنب عشان مفيش عربية كده ولا كده تخبطها.. بقى عادي برضه إنك تشوف المود بتاع أى حد فيهم مش متظبط طول ما التاني عيان أو عنده أى أزمة!.. يعني "محمد" عنده مشكلة في الشركة اللي بيشتغل فيها تلاقي "آيه" بتتصل بيه كل نص ساعة عشان تتطمن إنه كويس!.. أو إنها تعمل مشكلة بينها وبين البيت عندها لأى سبب ما فيقرر "محمد" اللي مايهونش عليه إنها تبات زعلانة إنه ياخد على عاتقه مهمة إن مزاجها لازم يبقى رايق!.. يجيب لها هدية يرميها في البلكونة بتاعتها!.. عارف إنها تحب الفنان الفلاني فيعمل قرد لحد ما يجيب رقمه ويعمل مكالمة جماعية بينهم هما التلاتة عشان يخليها تسلم عليه.. وهكذا.. اتجوزوا.. وكبُعد جديد من أبعاد الحنية اللي بينهم قرروا من بداية الجواز إن كل واحد منهم هينقل للتاني خبرته في الحتة اللي بيفهم فيها واللي ناقصة التاني وهنعلم بعض.. "آيه" ممكن تضطر تغيب عن البيت يوم أو إتنين كل شهر عشان تزور والدتها، وظروف شغل "محمد" مش هتسمح إنه دايمًا يروح معاها بالتالي هيقعد من غير أكل بالتالي ده ماينفعش بالتالي برضه لازم تعلمه الطبخ.. ودي كانت مهمة "آيه".. "آيه" برضه مش بتعرف تسوق عربيات وكان نفسها من زمان تتعلم تحسبًا لأى ظرف ورغم إن بيتها كان عندهم عربية بس رفضوا يعلموها لكن لما اتجوزت صمم "محمد" إنه يعلمها السواقة عشان كان بيخاف عليها في المواصلات ومرمطتها ثم إن محدش عارف بكره فيه إيه.. ودي كانت مهمة "محمد".. ياما أكل إتحرق وباظ في السكة، وياما العربية اتهربدت واتخبطت مليون مرة بس هنفضل مستمرين في اللي قررناه.. بعد الجواز بكام شهر يادوب وقبل الفجر بلحظات "محمد" جاله مغص صعب وعنيف.. ألم بيفرتك الجناب وترجيع مش عايز يقف.. "آيه" سندت إيده على كتفها ونزلت بيه السلم وركبته العربية وساقت بيه لحد أقرب مستشفى!.. مع إنها ماكنتش لسه متمكنة من السواقة 100 % وهبدت بيه العربية مليون مرة عقبال ما وصلوا بس ساقت والمحرك الأساسي اللي كان بيحركها وخلاّها تسوق بحرفنة غير منطقية هو خوفها على جوزها.. أو حنيتها.. "محمد" إتلحق بسبب حنية "آيه" واللي كان سبقها حنيته هو كمان عليها.. كالعادة حنية جابت حنية جابت إنقاذ إنسان.
• الفنان "فان جوخ" قال: (لطالما دفعت بي حاجتي إلى الحنان لإلتماسه عند أشخاص كانوا يحاولون تدميري).. من غلطات عمرنا إننا في أوقات كتير بنطلب "الحنية" من ناس قلوبها حجر، وبنعمي عيوننا عن قسوتهم، وبننسى في النص إن "الحنية" مش شيء مكتسب دي يا بتتولد بيها يا بتعيش عمرك كله تسمع عنها من بعيد لبعيد.. اللي إتولد حنين هيكمل كده، واللي إتولد قاسي برضه هيكمل كده.. الشخص الحنين "الحنية" بالنسباله منهج وطريق.. د."أحمد خالد توفيق " قال: (الشخص الحنون لا يفرق بين إعطاء الحنان وتلقيه).. محظوظ اللي يتولد "حنين"، ويتعامل مع غيره أو يتعاموا معاه بـ "حنية".. ده المعيار الوحيد اللي بتتأكد من خلاله إنك إنسان نضيف.