أمهات مع وقف التنفيذ.. محرومات من رؤية الأبناء رغم حصولهن على أحكام قضائية
كانت الحياة طبيعية لإيمان الشموني التي ألفت أن تمنح لأسرتها كل شيء، بداية من الوقت وصولًا إلى التضحية بكل الأماني التي رسمتها لنفسها وتناستها في الطريق مع الزواج ثم الخلفة، ثم الأولاد الذين كبروا وأحلامهم أصبحت أكثر ضرورة للتحقيق من أحلامها هي نفسها، ومع كل عيد كانت الضحكات تملأ الدنيا، ومع ذلك لم يشفع لها كل ذلك أمام زوجها الذي قرر أن يهدم هذه الحياة.
أزمة إيمان بدأت منذ نحو عامين ونصف وبعد الطلاق الرسمي، حيث رسمت لنفسها حياة مختلفة، الأم الحاضن التي لديها 3 أطفال أكبرهم في عمر الثالثة عشر، وأصغرهم بسن ست سنوات، لكن مرة أخرى يذهب كل شيء هباءً عندما استغل الزوج العيد، ليستغله وسافر بأسرته لمعايدة والدتها بالقاهرة، وهناك قرر أخذ الأطفال والرجوع وحدهم دون أمهم، وحاولت الأم الاحتفاظ بهم ودخلت بأبنائها غرفة وغلقت الباب لحين الاستنجاد بأحد الأقارب الرجال، ولكنه كسر الباب وضربها وأخذهما رغما عنها، رحلوا يومها ولم يعودوا ومع تقديم عدة بلاغات والحصول على أحكام بعودتهم، أصبحت إيمان أمًّا مع وقف التنفيذ.
ما تتعرض له إيمان تتعرض له عشرات الحالات من الأمهات الحاضنات، وثّق منها التحقيق 5 حالات لعدم تنفيذ أحكام نهائية باسترجاع الأم لأطفالها في فترة الولاية، لاستغلال الرجال عدم وجود آليات تنفيذ فعالة فيما يخص تسليم الصغير بموجب قرار المحامي العام الوقتي أو حكم ضم الصغير القضائي.
وحسب نص قضائي منشور فيما يخص نفس نوعية القضايا، صادر عن محكمة النقض، يرى المشرّع أن عدم تنفيذ الحكم عمل غير آثم ويخرج من دائرة التجريم، بينما قالت محكمة النقض إنه لا عقوبة إلا بنص يعرف الفعل المعاقب عليه ويبين العقوبة الموضوعة.
وحصلت إيمان على عدة أحكام بالتنفيذ لاسترجاع أبنائها، لكن احتفظ الأب بالولدين الكبار معه كل هذا الوقت، ولم تتمكن من تنفيذ الأحكام القضائية، غير أن إيمان تسمح للأب حتى اللحظة برؤية ابنه الأصغر الذي ما زال معها، بينما يرفض هو أن يجعلها ترى ابنيها الذين اختطفهما منذ عامين ونصف فيقول لها: "ابنك عندك وولادي عندي"، لتستمر المأساة.
حسب أميرة طنطاوي منسقة مبادرة "أمهات مع وقف التنفيذ"، فإن هناك استغلالًا واضحًا للمادة 292 من قانون العقوبات، يتطلب إبداء مقترح بتعديل كلٍّ من المواد 284 والمادة 292 لإيجاد عقوبة رادعة لتجريم الخاطفين وتحويل المادة من جنحة إلى جناية والعمل على تشديد العقوبة وتفعيلها لتكون رادعة لكل من تسول له نفسه انتقاص حق أصيل من حقوق الطفل.
المادة 292 من قانون العقوبات نصت على: “يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة لا تزيد على خمسمائة جنيه أي الوالدين أو الجدين لم يسلم ولده الصغير أو ولد ولده إلى من له الحق في طلبه بناء على قرار من جهة القضاء صادر بشأن حضانته أو حفظه، وكذلك أي الوالدين أو الجدين خطفه بنفسه أو بواسطة غيره ممن لهم بمقتضى قرار من جهة القضاء حق حضانته أو حفظه ولو كان ذلك بغير تحايل أو إكراه”.
حسب طنطاوي، في حالة عدم التسليم، لا تعتبر تلك عقوبة قوية رادعة، حيث إن الحكم في حالة إثبات الامتناع هو أن يتم الاستشكال أو الاستئناف عليه، ومعروف عرفًا أنه عند الاستئناف تخفف العقوبة بالغرامة المالية فقط، ألا وهي 500 جنيه، فأصبحت غير فعالة في تنفيذ قرار تسليم الصغير.
وقف التنفيذ
أنوار في عشرينيات عمرها، فرحتها الحقيقة في ابنتيها اللتين لم تبلغا السادسة بعد بينما لا تكاد الصغرى تنطق اسم ماما، بدأت قصتها مع زوجها داخل العمل عندما التقيا في أحد مستشفيات الإسكندرية، حينها ودون مقدمات تقدم لها ثم تزوجا، وبعد 5 سنوات أصبحت الحياة لا تطاق، ما جعلها تطلب الطلاق، لكن كان التعدي والضرب مصيرها، ومع الوقت خطف البنت الكبرى.
تقول أنوار إنها تقدمت بعدة بلاغات، إلا أن شيئًا لم يتغير بعدها، فيما لا تزال القضية معلقة في المحاكم وهي على ذمته، بينما يتم حرمانها من رؤية بنتها الكبرى، والتهديد في حال عدم تسليمها للبنت الصغرى بخطفها هي الأخرى والاعتداء على أسرتها يوميًّا من قبل أسرة زوجها.
أنوار كان نصيبها من اسمها ابنتيها اللتين تضيئان حياتها، إحداهما 5 سنوات ونصف أصبحت مع والدها الذي اختطفها ويرفض عودتها لوالدتها، والثانية عام ونصف ما تزال رضيعة وربما هذا ما منع الأب من اختطافها، حصلت بالفعل على حكم محكمة بالتنفيذ لكن كالعادة، لا جديد لتنطفئ حياة أنوار وتبقى مهجورة بحكم المجتمع فاقدة لابنتها بالمخالفة للقانون غير الفاعل.
أميرة طنطاوي، مسؤول مبادرة "أمهات مع وقف التنفيذ"، أشارت بدورها إلى أنه بناءً على معاناة الحاضن أصبح هناك ضرورة ملحة لوجود آلية لتفعيل قرار تسليم الصغير، وعمل ضبط وإحضار للطرف الخاطف أو الممتنع عن التسليم، وإلزامه بتسليم الصغير والتعهد بعدم التعرض للطرف الحاضن أو الصغير.
وطالبت بأن يتم إدراج اسم الخاطف أو الممتنع عن التسليم على السيستم بمجرد صدور قرار المحامي العام بتسليم الصغير، لسرعة تسليم الخاطف إلى أقرب مركز شرطة وإلزامه بتسليم الصغير، وتجريم كل من يثبت اشتراكه في الخطف أو التستر على الخاطف وتوقيع عقوبة الخطف عليهم بالحبس والغرامة.
تزوجت السورية رنا عام 2009 من المصري منذر عليوة داخل سوريا، عملها داخل إحدى المنظمات متعددة الجنسيات ساعد على تسريع تعارفهما ثم الزواج، لينجبا بعدها عبد الرحمن، ومع مرور الوقت وقيام ثورة 30 يونيو ضد نظام حكم الإخوان، فوجئت الأم أن الأب منتمٍ لجماعة إرهابية، بعد سفره لتركيا مع أغلب عناصر الجماعة لكن الصدمة الحقيقة كانت منذ 3 سنوات.
تشير رنا إلى أن جدة الطفل استغلت دراسته داخل إحدى المدارس المملوكة للأسرة، لتختطفه منذ 3 سنوات كاملة، ومن ثم السفر به إلى تركيا، ورغم حصولها على عدة أحكام بضم ابنها فإنها لم تتمكن من التنفيذ وإعادة الابن لأحضانها، حيث تشير إلى أن الأب منذر عليوة الإعلامي بقناة الشرق طلبها في بيت الطاعة، على الرغم من كل هذه المخالفات، وبقيت هي لا حول لها ولا قوة.
حالة رنا، استندت إليها نرمين أبو سالم الحقوقية والمتخصصة في الدفاع عن الأمهات الحاضنات، لتأكيد ضرورة عمل تتبع للخاطف بإذن النيابة بمجرد تسليم قرار التنفيذ للصغير للنيابة العامة، خاصة في حالة اختفاء الخاطف وعدم الاستدلال على عنوانه، ومخاطبة الإنتربول في حالات الخاطفين خارج البلاد، ومنعه من السفر والتزام السفارات بتسليم الصغير بمجرد الاطلاع على قرار تسليم الصغير.
وتضيف لـ"القاهرة 24" أن وجود قانون بتجريم الخاطفين للصغار أصبح ضروريا، متمثلًا في أن تنص المواد الخاصة بقانون العقوبات على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 7 سنوات وغرامة مالية 100 ألف جنيه كل من الوالدين أو الجدين أو من أسهم في التستر أو المكر لاختطاف الصغير لعدم تسليمه للطرف الحاضن، أو ثبت تورطه في خطف الصغير سواء إكراهًا أو بحيلة أو من امتنع من بيده الصغير عن تسليمه لمن معه الحكم بالضم أو قرار التسليم للمقتضى له بهذه الحضانة وثبوت محاولة إبعاد القاصر أو خطفه أو حمل الغير على خطفه أو احتجازه لإبعاده أو ثبوت أي نوع من أنواع الابتزاز المادي أو المعنوي للطرف الحاضن بعملية إبعاد القاصر لهذا السبب، ويعاقب المتورط معاملة الخاطف وتطبق عليه نفس العقوبة والغرامة المالية".
(تم إنتاج هذه القصة بدعم من مجلة "احكي" والسفارة الهولندية بالقاهرة، نتاج لورشة تدريب الإعلاميين على تناول القضايا الحساسة للنوع الاجتماعي).