الأحد 22 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

صائد الدبابات

الإثنين 26/يوليو/2021 - 06:57 م

مصر ولادة كما يقولون، فيها من الرموز والقدوة الكثيرون الذين نفتخر بهم في كل المجالات، والذين قدموا أرواحهم وعمرهم في سبيل أن تظل رايتها خفاقة بين الأمم، والتي ستظل صفحات التاريخ تذكر سيرتهم العطرة إلى آخر الزمان، ومن تلك الرموز الوطنية التي سنقدمها اليوم هو محمد عبد العاطي عطية شرف المعروف بصائد الدبابات.

ولد عبد العاطي في قرية شيبة قش إحدى قرى مركز منيا القمح شرقية، توفي والده وهو في التاسعة من عمره وتولى تربيته أخوه الأكبر عبد الحميد، وتولاه بالرعاية والعطف حتى أنهى تعليمه وتخرج في مدرسة هاني كامل الثانوية الزراعية عام 69.

وكان عبد العاطي عنيدًا، ثائرًا عندما يشعر بالظلم، وكان بسيطًا مرحًا، يعرف دوره وما عليه وما تحمّله أخوه الأكبر ووالدته في تربيته حتى حصل على دبلوم الثانوية الزراعية، وتقدم للتجنيد وهو يعلم أن هناك أرضًا مغتصبة وحرب استنزاف دائرة على أشدها لإعادة الأرض والكرامة.

 ارتدى عبد العاطي الزي الكاكيَّ الأصفر الذي زاده عزةً وشرفًا وقوة وعزيمة، والتحق بسلاح المدفعية وانغمس في تدريبات شاقة وقاسية، وفي مركز التدريب تعلم في مصنع الرجال كيف يحافظ جندي على سلاحه، وتدرَّب كفرد مدفعية صاروخية في مركز التدريب حتى انتقل إلى كتيبته القتالية، حيث لا مكان هنا للهزل ولا لتضييع الوقت، وحيث الانغماس في التدريب الشاق حتى يكتب له التوفيق وينال إعجاب قادته، وكان شعاره الإتقان الشديد والجدية والصرامة حتى يكون في المقدمة بلا منازع.

وهذا ما حدث عندما قاموا بأول اختبار بالذخيرة الحية، حيث كان دائمًا في المقدمة، ورُقي إلى رتبة العريف ثم إلى الرقيب، ليواصل تألقه في التدريب والاختبارات التي كانت تتم بالذخيرة الحية. ولذلك نال الهدايا والمنح والتذكارات بل والإجازات نتيجة تقدمه في وحدته، والتي انضمت إلى أحد التشكيلات بالجبهة وتلك هي اللحظة التي انتظرها كل أفراد الوحدة هو الثأر من العدو الغادر الخسيس.

وقد رُقِّيَ عبد العاطي إلى رتبة رقيب أول، وتلك الترقية لها حكاية حيث كان في ميدان الرماية، وعندما استعد للاشتباك لاحظ من خلال منظاره أن الهدف خارج مدى الصاروخ فوقف واستأذن قائده في أن الهدف خارج المدى، ولكن قائده طلب منه الاشتباك، وبالفعل ضرب صاروخه وسقط قبل الهدف، وعندما طلب منه مرة أخرى الاشتباك وقف وكرر نفس ما قاله بكل ثقة، وهنا أدرك قائد وحدته ذلك، وقاموا بقياس ميدان الرمي الذي كان يشرف عليه الخبراء الروس، وهنا اتضح صدق ما قاله عبد العاطي، فتم تعديل الهدف حسب مرمى الصاروخ فرمى وأصاب، ومن هنا كانت ترقيتة الثالثة إلى رتبة رقيب أول.

وكما كان عبد العاطي بارعًا في توجيه الإصابة بالصواريخ كانَ بارعًا في لعبة كرة القدم مجنونته والتي نال بسببها شهرة واسعة في الجيش الثاني كله، ولكن قائده أراد أن يوجه تركيزه إلى هدف أسمى إلى المعركة.

وقد صدرت الأوامر بالعبور لكتيبته التي كانت أفضل كتيبة صواريخ مضادة للدبابات بين وحدات الجيش، وكان عبد العاطي أمهرهم دائمًا لما يعطيه للتدريب من اهتمام وأهمية وتركيز وجدية، وكان الجيش المصري على استعداد للمعركة في نفس الوقت الذي توهم العدو الصهيوني أننا نخشى بأسهم وعتادهم وأننا موتى لن نحارب.

وبدأت حرب العزة والكرامة وخاضها رجال لا يخافون الموت، وكان عبد العاطي من هؤلاء الرجال فقد دمر أكثر من 23 دبابة مع أفراد طاقمه لدرجة أذهلت الجميع وأكسبته شهرة واسعة، ونشرت صورته في كل الجرائد تشيد به وبدوره العظيم وبالجيش المصري الذي حطم غرور الجيش الذي ظن أنه لا يقهر.

فكان عبد العاطى يقف في الضفة الشرقية، وينتظر اللحظة التي يرمي نفسه فيها في القناة ليعبر ذلك المانع المائي ويدخل ليحطم تحصينات العدو ويسترد أرضه وأرض أجداده، وليطرد العدو ويمحو آثار نكسة 67، وهذا ما حدث في يوم السادس من أكتوبر يوم الخلاص والشرف، صدرت التعليمات بعبور وحدته بعد أن حصلت على مهامها القتالية بدقة، وكان المفروض أن يقود عبد العاطي المجموعة الثالثة، ولكنه استأذن قائده في قيادة المجموعة الأولى حتى يكون له شرف العبور في الموجات الأولى، لكن قائده أوضح له أنه يجب أن يلتزم بالتعليمات الصادرة، وأن الفرق بين المجموعات هو دقائق معدودة، ولكن الحماس يدب في قلب الجميع، وبعد لحظات من عبور المجموعات لكل الوحدات اهتزت الأرض من وابل النيران الموجه إلى تحصينات العدو، وصدح الجميع بـ الله أكبر تدوي في المكان، بين صدمة العدو المذعور من الجيش المصري الذي عبر القناة الملغمة بالنابالم وبين تحطم خط بارليف ذلك السد المنيع وبين تحطيم غرور العدو وكبريائه في اللحظات التي كان يقذفه فيها أكثر من 2000 مدفع في وقت واحد تحطم دشمه وتحصيناته.

وبعدها اندفعت القوات للاشتباك مع قوات العدو، وها هي اللحظة التي ينتظرها عبد العاطي ورفاقه، وبدأوا في اصطياد دبابات العدو لوقف تقدمها نحو القوات المصرية، وكان هو في الاحتياطي يحسد زملاءه الذين يصطادون الدبابات، وينتظر اللحظة التي يدخل فيها الاشتباكات، وخصوصًا بعد أن علم باستشهاد أصدقائه جعفر بيومي وصبحي يعقوب وحامد عيد، وكانوا لا يقلون براعة عن عبد العاطي نفسه الذي ذهب إلى قائده يطلب الانضمام إلى الخطوط الأمامية بدلًا عن هؤلاء الشهداء، ولكن طلبه قوبل بالرفض حتى من قائد كتيبته، حتى كان اليوم الثالث من العبور وصدرت الأوامر له باحتلال نقطة وعمل كمين للعدو، الذي تقدمت دباباته الثلاث عشرة ودخلت مدى ضرب الأبطال، وسُمح لهم بالاشتباك، ونالت منها صواريخ عبد العاطي ورفيقه بيومي، ودمر عبد العاطي 9 دبابات وبيومي 4 دبابات، وذلك خلال 20 دقيقة فقط، وبعدها تعالت الصيحات الله أكبر، وهذا يدل على معدن البطل المصري فان كان العدو يتباهى بعتاده فنحن نملك الإيمان والعزيمة، فلقد تم سحق سريّة كاملة بفضلهما.

وبعدها صدرت لهم الأوامر باحتلال نقطة أخرى، مع رفاقه وقائد سريته، وظهرت ست دبابات للعدو، لم يعطِ عبد العاطي الفرصة لأحد من زملائه فدمّر منها خمس دبابات وحدة، وفرت السادسة وهرع عبد العاطي بعدها إلى قائده الذي أصيب ليقدم له الإسعافات الأولية وندمه على هروب الدبابة السادسة.

وزادت شهرة عبد العاطي، وأصبح مثل النجوم اللامعة، الكل يتحدث عنه وعن بطولاته، ولكن كل ما يهم عبد العاطي هو دحر العدو، ولذلك طلب من قائده أن يتم نقله إلى مكان به اشتباكات، فهو منذ أربعة أيام والوضع هادئ والمكان ليس به أكل عيش كما قال لقائده وقوبل طلبه بالرفض.

ولكن سرعان ما حاولت دبابة من دبابات العدو الالتفاف إلى موقعهم وإصابتهم بنيرانها، ولكن عبد العاطي استطاع برغم جغرافية المكان الصعبة أن يوقف تلك الدبابة إلى الأبد ويصيبها قبل أن تقضي على موقعهم بنيرانها الغزيرة، الأمر الذي دفع العدو إلى إرسال طيرانه للقضاء على ذلك الموقع، وألقت عليه كمية هائلة من النيران ولكن قواتنا من الدفاع الجوي تصدت لها، وأصابت عددًا من طائرات العدو، حتى دفع العدو بمدفعيته طويلة المدى بنيرانه على الموقع ليدمره بمن فيه حتى ظن أنه تم القضاء عليه دفع العدو بثلاث من سياراته المدرعة لاحتلاله، ولكن كان عبد العاطي في انتظارها هو ورفيقه عوض اللذين أصابا تلك الأهداف معا.

وقد شكل هذا الموقع نقطة حصينة، صعب على العدو اختراقها أو المرور منها فكان نصيب دباباته ومدرعاته التدمير بكل أفرادها.

ودمر عبد العاطى دبابة كانت تقصف موقعه وتظهر وتختفي بسرعة، وتراوغ مستغلة موقعها بين تبّتَيْن، وكان صعبًا اصطيادها، واستمرت في محاولاتها مرات عديدة حتى تيقن الماهر بأنها ستكرر حركتها وأطلق صاروخه قبل أن تظهر بين التبَّتَيْنِ، وفي تلك الأثناء ظهرت وأصاب صاروخه الهدف، وكان إصابة تلك الدبابة من العلامات الكبرى في حياة عبد العاطي، وتلقى تهنئة مدير سلاح المدفعية وقتها. وبعدها أصاب دبابة في منطقة ميتة أي صعب اصطيادها ولكنه أصابها.

 وكان عبد العاطى يساعده في تجهيز الصواريخ الخولي عبد الفضيل، الذي كان ساعده الأيمن، والسبب الرئيسي في سرعة اشتباك عبد العاطي مع دبابات العدو.

وصدرت الأوامر بوقف إطلاق النيران، ولكن العدو الخسيس لم يلتزم وحاول احتلال موقع كتيبة عبد العاطى، وهجم بمدرعتين تصدى لهما بيومي وعبد العاطي كلٌّ بصاروخه حتى قضوا على آمال العدو باحتلال تلك النقطة.

ووضعت الحرب أوزارها وبدأت طوائف المصريين تزور الجبهة ليشاهدوا الأبطال في مواقعهم، وكان لقائهم مع كتيبة عبد العاطي التي ذاع صيتها، ولقد شاهدوا المعرض من الغنائم من دبابات العدو ومدرعاته حول الموقع الذي تحتله تلك الكتيبة، وشهدوا ببراعة عبد العاطى ودماثة خلقه، ويذكر عبد العاطي أنّ لقاءه بالمشير أحمد إسماعيل في معرض الغنائم بأرض المعارض كان من أسعد لحظاته، حيث عرفه المشير والذي أثنى عليه، وعلى ما قام به من بطولات هو وزملاؤه، ويومها نادى عليةه المشير لكي يقص شريط افتتاح المعرض. وفى اليوم التالي كانت صورته في كل الصحف والمجلات، وتذكر في نفسه كيف لفلاح بسيط أن يقص شريط وسط كبار مسئولي الدولة الكبار.

وعندما نزل إلى قريته استقبل بكل أكاليل الانتصار، وسرعان ما عاد إلى وحدته وفي طريقه مر على جريدة الجمهورية لرغبته وأمنيته في الحصول على صورته مع الوزير وما أن علم الجميع بوجوده حتى استقبلوه استقبالًا يليق بالأبطال، وذهب إليه رئيس مجلس الإدارة بنفسه ليستقبله في مكتبه، وقدمت إليه الصورة التي أرادها.

وانهالت عليه الدعوات من الصحف والمجلات والإذاعة، فعبد العاطي بطل مصر وسط جبل شاهق من الأبطال الذين أنجبتهم مصر، ومن حقنا أن نفخر ونعتز بأبطالنا وقد كرمته الدولة هو وكل زملائه وحصل على نجمة سيناء، وكذلك تم تكريمه في محافظته، وكذلك في محافظة أسوان وفي كل مكان كانت تطؤه قدمه، ورغم ذلك التكريم والإجلال ظل على بساطته وتواضعه برغم أنه صاحب الرقم العالمي الثالث في اصطياد وتدمير الدبابات.

ولقي عبد العاطي ربه في شهر رمضان الكريم يوم 9 ديسمبر 2001.

 

تابع مواقعنا