شعراء الكدية (4).. "أبو الشمقمق" منزله الفضاء وسقف بيته السماء
شهد العصر العباسي ظاهرة أدبية، هي شعر الكدية أي التسول بالشعر، ومثّل هذ النوع من الشعر مجموعة من الشعراء الهامشيين في المجتمع، وكان شعرهم انعكاسًا لحياتهم الاجتماعية من الفقر وبؤس الحال.
ومن بين شعراء الكدية أبو الشمقمق، وهو مروان بن محمد وهو من الموالي أصله من خراسان لكنه ولد وعاش في البصرة.
والبيت هو المرآة التي تعكس الحالة الاجتماعية للإنسان، وبيت أبو الشمقمق عبر عن فقره بشكل مقنع جدا عندما وصفه في شعره يقول:-
فمنزلي الفضاء وسقف بيتي *** سماء الله أو قطع السحاب
فأنت إذا أردت دخلت بيتي *** علي مسلمًا من غير باب
لأني لم أجد مصراع باب*** يكون من السحاب إلى التراب
فبيته خالٍ من أساسيات الحياة، فهول بلا باب ولا سقف ولا مصراع، لذلك فهو يقدم في موضع آخر من شعره ما يتمنى أن يتوافر في بيته، وهو ليس بالكثير فيقول:-
ما جمع الناس لدنياهم*** أنفع في البيت من الخيز
والخبز واللحم إذ نلته*** فأنت في أمن من الترز
وقد دنا الفطر وصبياننا *** ليسوا بذي تمر وأرز
كانت لهم عنز فأودى بها *** وأجدبوا من لبن العنز
فلو رأوا خبزأ على شاهق*** لأسرعوا للخبز بالجمز
وفلسفة الشاعر الساخرة هنا تقدم وجهة نظره في الحياة فأفضل ما يجمعه الإنسان في بيته هو ما يسد به رمقه من الخبر واللحم، لكنه يرسم مفارقة في بيته مؤداها أن أولاده لا يمتلكون شيئا من ذلك حتى في رمضان، بل لا يملكون حتى تمرًا يفطرون عليه.
وما دام الأمر كذلك لإنسان لا يجد ما يطعمه وأولاده فإن ذلك لا بد أن ينعكس علة البنية الجسدية فتكون نحيلة هزيلة تتسم بالضعف وتتحول إلي شيء محال تصوره، يقول أبوالشمقمق:-
أنا في حال تعالى الله *** ربي أي حال
ولقد أهزلت حتى محت *** الشمس من خيالي
من رأى شيئا محالا *** فأنا عين المحال
أبو الشمقمق شاعر سليط اللسان
وقد أبو الشمقمق كان ذا لسان سليط سخره لهجاء الناس والسخرية منهم فحرموه أعطياتهم، وكان من بين من يهجوهم الفضل بن يحيى البرمكي ومنصور بن زياد كاتب الخليفة هارون الرشيد، لأنهما لم يخلعا عله من عطاياهم.
أيا كان الأمر فإن شعر أبو الشمقمق ومن على شاكلته من شعراء الكدية يمثل تصويرا للحالة الاجتماعية التي وصل إليها حال بعض طبقات المجتمع في العصر العباسي.