رنا البحيري تكتب: المختلون إنسانيًّا
تواتر خلال الأيام القليلة الماضية عدد ليس بقليل من حوادث القتل الأسرية الصادمة التي تثير الدهشة وتستدعي مشاعر الخوف والألم، لما وصل إليه الحال اليوم من عنف مفرط بين أفراد الأسرة الواحدة، تصدّعت معه أركان البيت المصري الهادئ والقويم، والسؤال المهم هنا: من مهّد لهؤلاء المختلين إنسانيًّا طريق القتل فبات أسهل السبل للخلاص من مشكلاتهم؟
وحتى لا ندفن رؤوسنا في الرمال كالنعام لا بد أولًا من المصارحة والمكاشفة، لأنها الخطوات الأولى في رحلة البحث عن الحل، فالزوجة التي طعنت زوجها في قلبه ليقتل على الفور، والزوج الذي قتل زوجته خنقًا، والابن الذي تجرّد من كل معاني الإنسانية فتخلص من أمه، والأب الذي أطلق الرصاص على ابنه بدم بارد ليسقط غارقًا في دمائه؛ كل هؤلاء وغيرهم لم يقوموا بالجريمة منفردين، بل كان وراءهم من حرّض ودفع بهم لارتكابها، في لحظة غفلة سوداء لا يعقبها سوى الندم، وللأسف المحرضون هذه الأيام ما أكثرهم.
على سبيل المثال لا الحصر، الفن الذي كانت أسمى أهدافه أن يجعل حياة الإنسان أكثر احتمالًا، في خضم صراعات الحياة الدائمة، بات أكثر المحرضين له على الغلظة والقسوة، وأصبح العنف ركنًا أساسيًّا في البناء الدرامي لكثير من الأعمال الفنية التي تحتوي على مشاهد دموية مفزعة، وكأنها تتنافس في من يستطيع المبالغة في تقديم العنف أكثر من الآخر.
والحجة التي نسمعها دائمًا هي أن الفن مرآة الواقع، لكن الحقيقة التي تهربنا منها لسنوات طويلة هي أن الهدف الأساسي لانتشار دراما القبح هو تحقيق مكاسب مادية ضخمة لصانعيها، دون النظر لتبعاتها الخطيرة على الجمهور، التي تترسخ في عقله الباطن لتصبح مستساغة مع مرور الوقت، وتضيء أمام عينه في لحظة ضعف إنساني مباغتةً لتُحوله إلى مجرم في حق أقرب الأقربين إليه،
فما الذي ما زلنا ننتظره حتى نعيد النظر ونفرض قدْرًا من الرقابة على كل ما يقدم باسم الفن من محتوى هادم لقيم المجتمع والأسرة المصرية والفن منه براء؟!
وفي خضم الحديث عن انتشار الجرائم التي انتهكت حرم الأسرة وقدسيتها؛ لا يمكن أن نغفل دور وسائل التواصل الاجتماعي بتطبيقاتها المختلفة العامرة بكل مفردات البلطجة والعنف والانحلال الأخلاقي، والتي وقعت فريسة لها كثير من الأسر بغية تحقيق مكاسب مادية سهلة وسريعة في ظل غياب الرقابة والمساءلة.
الشعب المصري دائمًا ما كان يوصف بأنه شعب متدين بطبعه، لكن ما نشهده اليوم من جرائم شاذة يؤكد أن هناك خللًا كبيرًا أصاب الوازع الديني عند الكثيرين في مقتل، ولا بد لعلماء الدين المستنيرين الوسطيين أن يكون لهم دور في استفاقة هذا الوازع الذي غاب أو تغيب عمدًا.
لا بد أن نستنهض الهمم لمواجهة هذه الجرائم بكل السبل، قبل أن تتحول إلى ظاهرة تنهش في بنية المجتمع وتهدم أسسه، لأن الإنسانية إذا غابت انهارت معها الأوطان.