ساهم في حرب أكتوبر ودعّم فلسطين.. رحلة البابا شنودة من التعليم والتعمير إلى "الفردوس"
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية، اليوم بذكرى الميلاد الـ98 للراحل قداسة البابا شنودة الثالث.
ميلاده ونشأته
وُلد البابا شنودة الثالث في 3 أغسطس 1923 في قرية "سلام" بأسيوط، باسم نظير جيد روفائيل، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي قبل أن يصبح البطريرك، وهو رابع أسقف أو مطران يصبح بطريركا بعد البابا يوحنا التاسع عشر عام 1928، ومكاريوس 1942، ويوساب الثاني 1946.
رهبنته وحياة الدير
رُسم البابا شنودة في يوم السبت 18 يوليو 1954 راهبًا باسم أنطونيوس السرياني وجد في الحياة الديرية والفكر الرهباني حياة مليئة بالحرية والنقاء، ومنذ عام 1956 حتى عام 1962 عاش حياة الوحدة في مغارة تبعد نحو 7 أميال عن مبنى “الدير" مُكرسًا فيها كل وقته للتأمل والصلاة.
وأمضى أنطونيوس السرياني 10 سنوات في الدير دون أن يغادره، ثم رُسم أسقفا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي وتولى عمادة الكلية الإكليركية، وبعد وفاة البابا كيرلس السادس في عام 1971 تقدم لمنصب البابا 11 شخصا ووقع الاختيار على 5 منهم الأنبا شنودة وفي 29 أكتوبر من نفس العام أجريت الانتخابات لـ3 مرشحين وفي قداس القرعة الهيكلية حُسم الاختيار ليكون شنودة الثالث البابا 117 في تاريخ البطاركة.
اختياره وتنصيبه بطريركًا
في صباح يوم 14 نوفمبر أقيمت مراسم التنصيب ورسامة الأنبا شنودة بطريركًا ورئيسًا على الكنيسة القبطية، وقد أذيع الحفل من دار الإذاعة والتلفزيون في مصر على الهواء مباشرة، وقُدر عدد الحاضرين نحو 10 آلاف شخص.
دخل البابا شنودة ساحة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في موكب بهي إلى باب الكاتدرائية المغلق، وسلمّه الشماس مفتاح الكنيسة حسب طقوس تجليس البطريرك الجديد، ليأخذ البابا المفتاح، ويفتح باب الكنيسة لتبدأ مراسم تجليس البابا الـ 117، وهو يرتل المزمور 117 قائلًا: "افتحوا لي أبواب البر لكي أدخل وأشكر الرب".
ومنذ عام 1971 استمر البابا شنودة بطريرك للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لتبدأ رحلة استمرت 43 عامًا من العطاء والتعليم والتعمير حتى وفاته فى 17 مارس 2012.
البابا وحرب أكتوبر
في حرب أكتوبر 1973، عقد قداسة البابا شنودة اجتماعا مع الكهنة والجمعيات القبطية لحثهم على الإسهام في دعم المجهود الحربي، وطلب من كل كنيسة وجمعية تقديم تقرير يومي له عما تقدمه، كما شكّل لجنة لجمع التبرعات ولجنة للإعلام الخارجي، وقدمت الكنائس والجمعيات القبطية مبلغ 15 ألف جنيه، حيث أوفد قداسته نيافة الأنبا صموئيل لتسليمها للدكتور عبد العزيز كامل، وزير الأوقاف في ذلك الوقت.
كما قدمت الكنيسة 100 ألف بطانية لوزارة الشؤون الاجتماعية، و30 ألف جهاز نقل دم لوزارة الصحة.
شنودة والسادات
لم يذهب البابا مع مع الرئيس الأسبق أنور السادات عام 1977 عند زيارته لإسرائيل، ما أثار حفيظة السادات، لا سيما بعد أن رفعت مظاهرة من الأقباط في الولايات المتحدة لافتات مناهضة للسادات.
ووصل التوتر إلى البابا شنودة، بعد قراره بعدم الاحتفال بالعيد في الكنيسة وانقطع للصلاة في الدير، لينتهى الأمر بوضع البابا تحت الإقامة الجبرية بدير وادي النطرون.
وكسب البابا، شعبية كبيرة بين العرب نتيجة موقفه من عدم زيارة القدس إلا بعد إقامة الدولة الفلسطينية، وكان الرئيس ياسر عرفات يزوره عندما يأتي إلى مصر، وكان الأقباط الذين يزورن القدس يطلبون العفو من البابا عند العودة.
البطريرك الـ117 ومبارك
على خلاف علاقة البابا والسادات، كانت العلاقة بين البابا والرئيس السابق حسني مبارك، أكثر حميمية، حيث رفع مبارك الإقامة الجبرية عن البابا عندما تولى الرئاسة.
ورغم الأحداث الطائفية الكثيرة التي تمت إبان حكم مبارك، إلا أن العلاقة بين الطرفين كانت جيدة لدرجة أن البابا كان يؤيد نظام مبارك خوفًا من حكم الإسلاميين، وكان تأييده لنظام مبارك معروفًا للجميع من خلال تصريحاته الصحفية المختلفة.
البابا ومشاكل الأقباط
ساعدت شخصية البابا القيادية والملهمة على التعامل مع مشاكل الأقباط بحكمة، وكان يرفض دائمًا التدخل الغربي، لا سيما من الولايات المتحدة وأوروبا في الشأن القبطي الداخلي.
وآمن البابا دائمًا بأن حل مشاكل الأقباط يجب أن يتم في داخل مصر، وكانت قيمة المُواطنة من القيم الراسخة لديه، وكان يعلي شأن مصر في كل المُنتديات الداخلية والخارجية.
ومع ذلك انتقدته بعض الدوائر العلمانية داخل الكنيسة نتيجة الدور السياسي الذي كان يقوم به، لا سيما تأييد نظام مبارك، ودفع الأقباط على المشاركة السياسية في الاتجاه الذي يرسمه وليس اختيار الأقباط أنفسهم.
البابا المثقف
كتب البابا شنودة ما يقرب من 132 كتاب في مختلف القضايا المسيحية والروحية، ويعد كتاب “انطلاق الروح” أشهرهم وأهمهم على المستوى الكنسي، وأيضًا كتب العديد من الكتب، منهم كتاب “إدانة الآخرين”، طكتاب الأسرة الروحية السعيدة"، “الخدمة والخادم”، “الإنسان الروحي”، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب الأخرى بالعناوين والقضايا المختلفة، كما كتب أيضًا البابا شنودة الثالث 3 مقالات كان لهم أبلغ الأثر، وهما:
- “إننا ندافع عن أراضينا وهو دفاع عن الحق”.
- “أرض سيناء مقبرة للإسرائيلين”
- "الصهاينة أعداء المسيحية كما أدلى قداسته بحديث للتلفزيون المصرى قال فيه:
(يسعدنى أن أبعث إليكم فى هذه ألفترة الحاسمة من تاريخنا وأحب أن أبدأ كلمتى بأن أشكر الله الذى منحنا القوة حتى انتصرنا هذا الانتصار، نتوجه بخالص تحياتنا وتهاتنينا إلى الرئيس المحبوب أنور السادات).
البابا القوي رغم الآلام
"الطريق إلى الفردوس".. كان هذا ما أطلقه البابا شنودة الثالث على المرض الذي هاجمه، رغم قوته وشراسته، ليضرب بذلك أروع الأمثلة في الصبر والتحمل، والامتثال لإرادة الله.
ورغم مُعاناته، لخّص فلسفته في الصحة والمرض بقوله: "بضعف الطبيعة البشرية نطلب الصحة، لكننا لا نعرف ما هو المفيد لنا.. ربما يتعبني المرض بشدة على الأرض، لكنه يضمن لي الملكوت السعيد، إذا كان قبوله بشكر وصبر، وربما ينال المرء صحة جسدية ولكن يغضب الله، وينهمك في الشر ويخسر الله".
عانى البابا الراحل على مدار حياته من مرض الفشل الكلوي المزمن، الذي صاحبه لسنوات طويلة، كان يتلقى خلالها 3 جلسات للغسيل الكلوي أسبوعيًا في وحدة مُخصصة له داخل المقر البابوي، بعد رفض جسده أكثر من مرة الاستجابة إلى عملية زرع كلى، كما نصح الأطباء.
وفي سنواته الأخيرة، أصيب البابا شنودة بمرض سرطان العمود الفقري، الذي سبّب له آلامًا لا تُحتمل في العظام، كانت تدفعه أحيانا للتوقف عن الحديث أثناء عظاته، وإغلاق عينيه من الألم، قبل أن يعود بعدها بقليل ليبتسم في وجه الجميع، رافضًا الاستسلام لآلامه.
تنيح البابا شنودة في 17 مارس عام 2012 عن عمر ناهز الـ89 عامًا.