شعراء الكدية (5).. الأحنف العكبري "عاش في قلة مال في معشر أنذال"
شهد العصر العباسي ظاهرة أدبية، هي شعر الكدية أي التسول والتكسب بالشعر، ومثّل هذ النوع من الشعر مجموعة من الشعراء الهامشيين في المجتمع، وكان شعرهم انعكاسًا لحياتهم الاجتماعية من الفقر وبؤس الحال.
ومن بين شعراء الكدية أبو الحسن الأحنف العكبري، واسمه الكامل أبو الحسن عقيل بن محمد والعكبري نسبة إلى مدينة عكبري بالعراق، وهو من أبرز شعرا الكدية واتسم شعره بالطرافة والظرف.
ولأن البيت هو أول ما يعبر عن حال الإنسان وطبقته الاجتماعية التي ينتمي إليها من فقر أو ثراء فإن العكبري يحرص على ذكره في شعره، لكنه يذكر أنه لا بيت له أصلا فيصف حالة فقره وبؤسه يقول:
العنكبوت بنت بيتا على وهن... تأوي إليه ومالي مثله وطن
والخنفساء لها من جنسها سكن... وليس لي مثلها إلف ولا سكن
ولأن الكدية من الأشياء غير المقبولة اجتماعيا فك العصور فإن الآخرين يلومون العكبري على كديته وتسوله بالشعر وهو مما يذكره في شعره
لائم لأمتي أطال التعدي.. لو برد بالملام إذ لام رشدي
قال لي أنت فيلسوف حيول.. عالم كيس بخل وعقد
هات قل لي ولا تقل قول زور... لم تكدي؟ فقلت من ضعف جدي
وفي البيت الأخير يدافع الأحنف العكبري عن نفسه لوم الآخرين على احترافه الكدية وانخراطه في عالم المتسولين ويبرر لهم سبب كديته وتسوله بالشعر.
وأمام هذا الفقر والحرمان نجد الشاعر يلوم دهره وأهله ويعاني من الذل والاغتراب، فيقول:
عشت في ذلة وقلة مال... واغتراب في معشر أنذال
بالأماني أقول لا بالمعاني.. فغذائي حلاوة الآمال
لي رزق يقول بالوقت في... الرأي ورجل تقول بالاعتزال
وأيا كان الأمر فإن شعر الأحنف العكبري ومن على شاكلته من شعراء الكدية يمثل تصويرا للحالة الاجتماعية التي وصل إليها حال بعض طبقات المجتمع في العصر العباسي.
