في نجاح وفشل وزراء ثقافة مصر
تعجّب صديقي الذي يعرف موقفي وقناعاتي جيدًا، وسخطي على مظاهر التردي والتجريف الثقافي والاقتصادي والاجتماعي في سنوات حكم الرئيس الأسبق مبارك، عندما قلت له: إن مصر لم تعرف وزيرًا حقيقيًّا مؤثرًا للثقافة بعد فتحي رضوان وثروت عكاشة في زمن الرئيس عبد الناصر، إلا الوزير فاروق حسني في زمن مبارك.
وأن كل من حملوا حقيبة وزارة الثقافة منذ 2011 حتى اليوم، فشلوا فشلًا ذريعًا في أن يتركوا أثرًا خلفهم يبقى من بعدهم، أو أن يُحدثوا بوجودهم فارقًا في المشهد الثقافي المصري، رغم نبل وإخلاص وعلم وثقافة بعضهم، مثل الدكتور جابر عصفور، والدكتور عماد أبو غازي، والراحل الدكتور شاكر عبد الحميد.
ومرجع نجاح فتحي رضوان وثروت عكاشة وفاروق حسني، أنهم كانوا رجال دولة من الطراز الأول، وموضع احترام وتقدير من السلطة الحاكمة، واستطاعوا بسبب قربهم من مؤسسة الرئاسة استخدام إمكانات الدولة في خدمة غاياتهم ومشاريعهم الثقافية.
سواء كان هذا المشروع، التغيير الاجتماعي وتثقيف الجماهير، ونشر الوعي الوطني والحداثي في حالة فتحي رضوان وثروت عكاشة، أو كان مشروع تدجين المثقفين وإعادتهم إلى حظيرة المؤسسة الثقافية، وجعل الفن والثقافة وسيلة لتجميل وجه نظام مبارك وعائلته وإضافة طابع مدني حداثي عليه، يُرضي العالم الخارجي، كما في حالة فاروق حسني.
ولقد كان الراحل الأستاذ فتحي رضوان على وعيٍ كبيرٍ بتلك الحقيقة، ولهذا ذكر في كتابه (72 شهرًا مع عبد الناصر) ما يفيد بأن وزير الإرشاد القومي (الثقافة) يجب عليه لكي يجعل وزارته تقوم برسالتها الجدية الفاعلة، وينأى بها عن مؤامرات أصحاب الهوى والمطامع، أن يكون ثابتًا في مقعده، مؤيدًا بالسلطة، محميَّ الظهر بها، وأنه حرص دائمًا على أن يكون على علاقة طيبة ومتينة ودائمة، وتواصل مستمر مع الرئيس جمال عبد الناصر.
وبناءً عليه، فمن الإنصاف أن نقول: إن فشل وزراء الثقافة بعد ثورة يناير في أن يُحدثوا بوجودهم فارقًا في المشهد الثقافي المصري، يعود لسببين:
السبب الأول: يعود لمُقوّماتهم الشخصية والفكرية والثقافية، ولكوْن بعضهم كان دون المستوى والمؤهلات المطلوبة لهذا المنصب المهم.
السبب الثاني: يرجع لعدم وجود مشروع ثقافي للدولة، يهدف لبناء الإنسان المصري على أسس جديدة، والارتقاء بثقافة وفكر ووعي المصريين، وتكون وزارة الثقافة بإمكاناتها وكوادرها هي رأس حربة هذا المشروع.
وترتب على غياب هذا المشروع الثقافي - في ظني- أن نظرت السلطة لوزراء الثقافة بوصفهم مديرين ومشغلين للوزارة، وجعلت هدفهم وتكليفهم الاستراتيجي، تيسير شئون الوزارة بقدر الإمكان، وبأقل الإمكانات.
في النهاية أحب أن أقول: إن ثورة 25 يناير، بما لها وما عليها، وثورة 30 يونيو، التي استعدنا بها الدولة من حكم جماعة الإخوان المسلمين، قد أعادا الروح لمصر دون أن يُعيدا إليها وعيها.
وقد علمتنا تجربة العقد الماضي، وكل التهديدات والمخاطر التي تعرضنا لها، أن مصر لن تتغير نحو الأفضل، وتحافظ على إنجازات ومكتسبات نظام الحكم الحالي، وخياراته وأحلامه الوطنية، إلا بعد أن يعود إليها الوعي قبل الروح:
الوعي بالتهديدات والمخاطر التي نجونا منها، وأسقطت ومزقت وحدة الكثير من الدول حولنا.
الوعي بثقل وقيمة التاريخ العريق الذي يحمله المصريون على ظهورهم.
الوعي بسمات وخصائص الروح والثقافة والهويّة المصريّة.
الوعي بحقيقة ومستجدات العصر والإقليم والعالم الذي أصبحنا نعيش فيه.
الوعي بقيمة وأهمية الدولة الوطنية المدنية ومؤسساتها العريقة، كطوق نجاة لنا جميعًا في لحظات التهديد والخطر.
الوعي في النهاية بأهمية التفكير العقلاني النقدي، الذي يمكن المصريين من مراجعة ورفض دعاوى أنبياء الوطنيةِ والتديّنِ الزائفين، ومعرفة الصادقين منهم والمدلسين، ومعرفة من يقول لهم الحقيقة، ومن يبيع لهم الوهم.
وعودة هذا الوعي ونشره لن يكونَ دون وجود مشروع ثقافي وطني يؤمن بأبعاده وجوانبه المتعددة المثقفون، وتدعمه الدولة ومؤسساتها المختلفة، وتستخدم كلَّ إمكاناتها وأدواتها في تفعيله وإنجاحه.
مشروع ثقافي وطني يُحدث فارقًا في حاضر ومستقبل ووعي وثقافة المصريين، وينفذه ويُديره مفكرون ومثقفون ورجال دولة من الطّراز الأول، مثل الراحلين فتحي رضوان وثروت عكاشة.