قصيدة.. لماذا أُسافر ؟ الدكتور أحمد الجعفري
أسافر..
لأن المُدُنَ،
والناسَ،
والبيوتَ،
والشوارعَ …
جميعها أفلتَتْ من المطابع،
ولم تتراصّ علىٰ الأرفُفٍ للزينةِ أو للقراءةِ وقتَ انتهاء شحن الموبايل.
أسافر..
لأنّ العُمرَ واحدٌ..
واحدٌ فقط للأسف،
ولا يجب تبديدُه في محنةٍ واحدةٍ بجغرافيةِ آلامِها،
لا بد أنٌ أشركَ مُدنًا،
وناسًا،
وبيوتًا،
وشورارعَ أخرىٰ كأسبابٍ لجروحي.
فلا ينبغي للشاعرِ أنْ يكونَ وحيدَ الجُرحِ،
ولا أنْ يكونَ الفاعلُ محددًا ومعلوما،
هل تنكر -أيها المعتاد النزف-
أنه يأسوك كثرتُهم
الجروحُ والجارحون -
عندها ستخرج منكَ..
ناظرًا لجسدِكَ بابتسامةٍ الٰهيةٍ،
مشفقًا علىٰ صالبيك،
وداعيًا لهم بالمرحمة..
جميعُهم سيمشون في طريقِ الآلام..
مصطحبين رطوبةَ أغسطس،
وبضعةَ كتبٍ..
- أحدها لأدونيس لزوم الحداثة-
وواحد لواحدٍ بريءٍ من نُطقِهم لاسمِه،
والبقيةُ من طبعةٍ فقيرةٍ لأعمالٍهم الكاملة.
أسافر …
كي تحميَ ذاكرتي قدَميّ من شوكاتٍ قفزَتْ من الأكاليلِ..
طوبىٰ لمن ينتعِلون ذاكرتَهم..
فإذا وَرَدُوا الواديَ المقدسَ خلعوها..
فصاروا أطفالًا،
وهي الحيلةُ التي يتبسّم اللهُ ويقبلها،،
وإذا استمروا كوجوديين..
يؤمنون بنظريةِ النشوءِ والارتقاء،
تؤنسهم المدن ُ،
والناسُ،
والبيوتُ،
والشوارعُ في طريقٍ يخلو من نورِ الايمانِ الذي يعرفه الربّانيون.
أسافر …
كي أقبسَ نورًا أرضيًّا..
يعوضني عن إخفاقي في كشفِ الهيئة..
كنبيٍّ بلا واسطة سوىٰ رغبتِه أنْ يصيرَ نبيّا..
يتباهىٰ أبوه بالنجوم علىٰ كتفيه،
وتستطيل هاماتُ أقربائه علىٰ العائلات الأخرىٰ بقريته،
ولا يُهم ما يلقاه بتدريبات التنزيل الفجريّ،
وتهديد الوحي بأن يقلوه إذا نام للضحىٰ.
أسافر..
لأن هاتفًا يُوزعني أنني سألقىٰ اللهَ في قطارٍ صُدفةً
أو في طابور تذاكر متحفٍ،
أو بجانبي.. وأنا أتفرج علىٰ فرقة موسيقى بالشارع..
وهم يسترزقونني يورو واحدًا
بينما ملك الملوك الرازق الغني يتفرج بجانبي عليهم
أسافر …
فمن غير السفرِ يُقرؤني تلك المكتبة؟!
