"يا عزيز عيني"
• في يوم من أيام سنة 2016 فوجئ عمال وموظفين فندق "راديسون بلو" في مدينة القصير في مصر بوصول الشاب السويدي "ألكساندر ويليامبرج" عشان يشتغل في المكان معاهم!.. إيه العك ده!.. شاب ومن السويد جاى يشتغل في فندق مصري!.. الحكاية إن المليادرير السويدي "ويليامبرج" واحد من أهم وأغنى رجال الأعمال في السويد والعالم ومن الأسرة المالكة في السويد هو أساسًا مالك سلسلة الفنادق دي، والموضوع وما فيه إنه حب يعلم ابنه "ألكسندر" يعني إيه شغل فقرر يبعته على واحد من فروع الفندق بتاعه وبالصدفة الولد حظه جه في فرع مصر.. "ألكسندر" ماجاش لوحده.. جه معاه صديقته واللي المفروض إنها كانت بعد شهور قليلة هتبقى مراته.. اللي هو إنت مش عايز تتجوزها وبتحبها يا عم "إلكسندر"؟.. تمام يبقى خدها وروحوا مصر اشتغلوا عشان تعرفوا قيمة القرش بتيجي إزاي.. "ألكسندر" كان ممكن ينفض لأبوه أو يلح عليه إنه يلغي الفكرة المجنونة بتاعته دي أو حتى يعتمد على والدته إنه تقنعه أو يروح يقعد في أى فيلا أو قصر ووالدته تصرف عليه وعلى صديقته.. بس لأ.. أنا هعمل اللي طلبه الحاج "ويليامبرج".. وصل بالسلامة هو وخطيبته واشتغلوا في الفندق.. كانت الأوامر واضحة ومحددة للمدير المصري.. شغلهم يعني شغلهم دون أى امتيازات ولا استثناءات.. بقوا بينضفوا أوض مع الهاوس كيبينج، وبيغيروا ملايات، ويجمعوا ويلموا أكياس زبالة، ويغسلوا أطباق وكوبايات في الستيورد.. بقوا يغسلوا هدوم في مغسلة الفندق، ويقصوا ورق شجر مع الجنانيني، ويحطوا أكل للزباين في المطعم، ويقشروا خضار في المطبخ.. مرمطة مرمطة يعني.. الولد بعد كام يوم من ضغط الشغل حس بإرهاق فراح كشف عند الطبيب المصري المقيم في الفندق "مينا".. "مينا" كشف عليه، والكلام جاب بعضه وعرف قصته منه وإنه ناوي يبقى رجل أعمال ناجح بكره وبعده وإن ده مش هيحصل غير لما يتعود يشيل مسؤولية وإن المفروض إن أى إنسان ده يبقى هدفه الأهم والأسمى.. "مينا" سمعه تمام التمام وقبل ما يمشي إداله شريط أقراص كعلاج للإرهاق اللي عنده بس "ألكسندر" رفض ياخده لإن مش معاه ثمنه!.. ثمن مين يا عم دا إنت أبوك صاحب الليلة دي كلها.. لأ أنا آسف مش هينفع آخد الشريط منك عشان لسه مقبضتش!.. لما القبض بتاعي ينزل هآجي آخد الشريط.. "مينا" بجدعنة المصريين بتاعتنا قال له أنا هدفع ثمنه يا سيدي وابقى هات لي الفلوس لما تقبض.. "ألكسندر" وافق بالعافية!.. النهاردة "ألكسندر" هو اللي بيدير معظم أعمال والده في السويد وفي كل العالم بمنتهى الكفاءة.. والسبب؟.. عشان قرر يكون متحمل للمسؤولية.
• في سنة 2017 ولما صديقتي "مروة" كانت راجعة لمحافظة المنيا من القاهرة بعد ما خلصت مشوار مهم في الجامعة اللي كانت بتدرس فيها كان معاها ابنها "عزيز" اللي عنده وقتها 5 سنين.. "مروة" منفصلة عن جوزها من سنة 2015 بعد خلافات كتيرة كان أساسها هو أنانيته وعدم تحمله للمسؤولية بالتالي كان الانفصال هو الحل الأنسب لكل الأطراف.. جوزها كإنه ما صدق وخرج من حياتهم دون ما يكلف نفسه يتواصل معاهم بعد كده بأى شكل.. طب بلاش مراتك.. ابنك إيه نظامه!.. لأ برضه.. هما مش اختاروا يمشوا يبقى بالسلامة!.. "مروة" ماكانتش شايفة قدامها أي حل غير إنها تعتمد على نفسها وتعمل استخراج لشهادة تخرجها من الكلية عشان تدور على شغل وتصرف على نفسها وعلى ابنها.. رغم إنها كانت عايشة مع والدها والراجل كان متكفل بكل مصاريفهم بس هي رفضت وصممت إن مصاريفها هي وابنها تكون بمجهودها هي.. لدرجة إنها حتى ما سعتش إنها ترفع قضية على جوزها عشان يدفع حقوقهم المادية اللي القانون بيكفلها ليهم.. كانت حابة تقفل الباب بتاعه بشكل نهائي ودون رجعة.. مع زحمة التفكير وهما راجعين في القطر كانت مكلبشة في الملف اللي فيه شهادتها وبالإيد التانية مكلبشة في إيد "عزيز" كإنها بتستمد منه القوة.. غصب عنها نامت.. صحيت في محافظة سوهاج!.. فات محطتين على مكان نزولها وضاع وقت مش أقل من 4 ساعات ونص!.. طبعًا نزلت جرى من القطر في سوهاج ومعاها ابنها والفكرة إن الوقت كان متأخر تقريبًا الساعة 2 بالليل وأقرب ميعاد لأقرب قطر رايح المنيا هيكون الساعة 7 الصبح!.. المشكلة كمان إن الدنيا في الصعيد بتبقى هُس هُس في التوقيت ده حتى لو في قلب المحطة.. هتعمل إيه وهتروح فين وهتتصرف إزاي؟.. "مروة" بطبعها شخصية متوترة.. أبسط حاجة ممكن تخليها تخرج من ثباتها فما بالك بموقف رخم زى ده!.. غصب عنها من ضغطة الموقف دموعها نزلت بغزارة.. "عزيز" شدها من إيديها عشان توطي وتسمعه.. قال لها: (بتعيطي ليه دلوقتي؟، مش إحنا مع بعض وأنا راجل؟، خلاص).. صياغة الجملة كانت أول مرة تخرج بالجدية والشكل ده من ابنها لدرجة إنها حست إنها ماسمعتش كويس.. سألته: (بتقول إيه يا حبيبي؟).. رد: (متعيطيش أنا راجل كبير ومعاكي، متخافيش).. مسحت دموعها وحاولت تضحك وقالت بصوت طلع غصب عنها برضه ممزوج بالدموع: (مين قال إني بعيط أنا بس خوفت أحسن تكون إنت خايف).. رد بسرعة: (لأ أنا مش بخاف).. قالها وطبطب على وشها بكف إيده الصغيرة.. التفصيلة الحلوة دي خلّت "مروة" تشوف بُعد جديد في شخصية "عزيز" وتحس إن ربنا عوضها بيه يكون السند.. رجعت المنيا وبدأت رحلة البحث عن الشغل ولقت فعلًا في واحد من فروع شركات الاتصالات.. بعد شوية حبت تنفصل عن بيت والدها وتاخد ابنها في شقة خاصة بيهم عشان ماتبقاش حِمل وكفاية إن والدها عنده 3 أخوات غيرها.. عملت كده فعلًا.. ورغم إنها بنت ناس ومتدلعة ومالهاش في المرمطة ولا هلكة الشغل بس كان قرارها اللي مافيهوش تراجع إنها هتكمل.. المرتب كان ضعيف بس ضغطت على نفسها وتعايشت.. عدت سنة ونص.. كان عندها عادة إنها بتحب تجيب لـ "عزيز" نوع معين من الشيكولاتة بس غالي شوية لكن ولما حصل اللي حصل خصوصًا لما سابت بيت أبوها بقت العادة دي نادرة الحدوث.. مفيش أب يجيب ولا فيه جد يجيب بالتالي بقى كل فين وفين لما يحصل مرة من ناحيتها هي.. في يوم وهما على السرير قبل ما يروحوا في النوم قالت لـ "عزيز" أنا عارفة إني بقالي مدة ماجبتش ليك الشيكولاتة بتاعتك بس قريب أوى هجيبها.. كان رد الولد: (لأ ماتجيبيش يا ماما أنا سمعت أستاذ في المدرسة بيقول إنها وحشة وبتبوظ الأسنان).. قالت له ما أنا مش هجيبها كل يوم ومش هتاكلها غير يوم واحد في الأسبوع زى ما متفقين.. رد: (لأ ماتجيبيش حاجة، أنا اللي هجيبلك).. سألته: هتجيبلي إيه؟.. قام وقف فوق السرير ورد وهو بيتنطط: هجيبلك كل حاجة نفسك فيها.. "مروة" ضحكت.. هو قال بغيظ عيالي: أنا بتكلم جد.. قالت له بصدق وأنا عارفة إنك بتتكلم بجد وكفاية وجودك في حياتي.. مرت الأيام أكتر وأكتر وبدأت "مروة" تكتشف مع الوقت إنها بتلاقي فلوس في شنطتها أكتر من الطبيعي أو من اللي هي عارفة إنه معاها!.. اللي هو أنا متأكدة إن الشنطة ماكنش فيها غير 50 جنيه إزاى بقوا 120!.. لوقت مش قليل فضلت فاهمة إن القصة نسيان منها بس مع تكرارها وقفت مع نفسها وقفة إن لأ!.. هي آه حاجة حلوة بس أنا ماكبرتش للدرجة دي والزهايمر مستحيل هيكون تملك مني بالشكل ده!.. ركزت.. وعرفت اللي بيحصل.. الحكاية إن الأخ "عزيز" كان بيتسحب في نهاية كل أسبوع وأمه نايمة ويفتح شنطتها يحط فيها فلوس!.. نهارك منيل!.. عملت كده إزاي وجبت الفلوس دي منين.. واجهته.. أنكر.. ضغطت عليه.. اعترف.. قال إن الفلوس دي هي مرتبه الأسبوعي اللي بياخده كأجر له من الوقوف في كانتين المدرسة!.. المدرسة بتاعت "عزيز" عايزة الأطفال اللي فيها يجربوا الحياة العملية فطلبت من الأطفال إن اللي يحب يشتغل في الكانتين مقابل أجر يقول، وطبعًا "عزيز" كان من ضمن اللي عملوا كده!.. كان بيقبض في الأسبوع 70 جنيه.. ياخدهم باليمين ويحطهم في شنطة أمه بالشمال!.. حضنته، وسألته: (عملت كده ليه يا حبيبي؟، هو أنا اشتكيتلك؟).. رد: (فاكرة يوم ما توهنا في المحطة؟).. هزت راسها بالموافقة.. كمل: (لأ مش فاكراه عشان لو فاكراه هتكوني فاكرة إني قولتلك متخافيش أنا معاكي).. في اللحظة دي اتأكدت "مروة" إنها خلفت راجل يعتمد عليه وإن تحمل المسؤولية حاجة بتتولد مع البني آدم بصرف النظر عن عمره.. وقتها حست إن أى تعب هي شافته في حياتها هيهون عليها مادام جنبها "عزيز".
• في الزمن ده لو لقيت حد يقدر يشيل مسؤولية؛ شيله فوق دماغك.. معيار اختيارك لـ صديق أو شريك حياة أو حد يدخل حياتك بأى صورة؛ إنه يكون متحمل مسؤولية.. حد تقدر تعتمد عليه إنه يشيلك وقت اللزوم.. الاختبار الحقيقى والفلتر اللي عمره ما بيكدب في معرفة الناس: ده يقدر يشيل مسؤولية ولا لأ؟.. يقدر يستوعبك؟.. يقدر ينط حواجز الخلافات عشان يرسى بـ العلاقة لـ بر الأمان؟.. عيل؟.. بيخاف؟.. بيتهرب إنه ياخد خطوة؟.. بيختفي وقت ما بتعوزه؟.. الشاب اللي بيدخل البيت من بابه عشان يربط كلام ده قد المسؤولية.. البنت اللي قررت تشتغل عشان تجيب لنفسها حاجة نفسها فيها وتشيل جزء من العبء عن أسرتها دي مسؤولة.. الست اللي بتنفصل عن جوزها وبتقدر تعيش وتتكفل بنفسها وعيالها دي مسؤولة.. على فكرة ممكن تكون عظمتك في إنك تقدر تشيل مسؤولية نفسك حتى!.. اللي بيقدر يشيل مسؤولية في الزمن ده حتى لو مسؤولية نفسه يبقى شخصية عظيمة وبنت ناس ومتربي صح.. عالم علم النفس "سيجومند فرويد" بيقول: (معظم الناس لا يريدون الحرية حقًّا، لأن الحرية ينطوي عليها مسؤولية، ومعظم الناس خائفون من المسؤولية).