الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

خدعة الكمال وهوّة الابتذال

الأحد 08/أغسطس/2021 - 09:14 م

لست ممن يتبنون فكرًا داعمًا لتكبيل حريات الأفراد وممارستهم لحقوقهم المشروعة في التفاعل والتواصل والترفيه والتسلية والاستفادة بكل ما خلقته تكنولوجيا الاتصال والإعلام المتلاحقة من وسائل تخدم هذه الأغراض، لكن ما أفرزته هذه الوسائل أيضًا من تشوهات فكرية ونفسية وأخلاقية هو مدعاة للتوقف والتدبر في مصابنا القيمي الأليم.

فكثير منا وقعوا فريسة للخداع البصري والفكري الذي تمارسه نخبة المؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في إظهار أنفسهم بحالة من الكمال والمثالية التي تتناقض تمامًا مع النقص الذي هو جزء أصيل من فطرة الإنسان وتكوينه، حيث يقود ادعائهم الدائم للمثالية المتابعين إلى إدراكٍ منحرف للواقع، وتبني معايير غير منطقية لإحراز النجاح.

الأمر الذي أغرى كثيرين إلى الاندفاع المستميت نحو هذا الكمال الزائف ورغد الحياة المشتهى، فأصبح الابتذال هو عنوان السعي للثراء السريع بغض النظر عن مشروعية الطريقة، فالغاية بتحقيق الشهرة والثراء باتت مبررًا كافيًا لاستخدام أحط أنواع الوسائل.

والغريب في الأمر أن هذا الهوس لم يعد يقتصر على فئة بعينها دون غيرها، وبتنا نرى رجالًا ونساء في سن الرشد، يتراقصون داخل غرف نومهم في بث مباشر بغية حصد آلاف المتابعات، وغيرها من الأفعال الشاذة، ناهيك عما يمارسه بعض الشباب والبنات من انحلال وتعرٍّ، ومحتوى خارج وألفاظ نابية وإيحاءات جنسية صادمة لتحقيق نفس الهدف، وكأن الفراغ الفكري والثقافي والأخلاقي قد استحوذ على الجميع.

ورغم التحذيرات الكثيرة التي يطلقها الذين ما زالوا يمسكون بزمام عقولهم أمام هذا الجنوح الأخلاقي والقيمي على وسائل الإعلام التفاعلية بأنماطها المتعددة اليوم؛ فإنها ليست كافية لإحداث التغيير، وبات من الضروري وضع استراتيجية مدروسة وممنهجة لتنمية الوعي ومجابهة كل هذا الانفلات الحادث في المجال العام الافتراضي من أجل حماية أنفسنا وأبنائنا من هذه العيوب المتخيلة الممتلئة بمخاوف الفشل وهواجس التقصير، في سبيل تحقيق الكمال الذي لم ولن يصل إليه أحد أبدًا.

أيضًا من الضروري التعاون على تعظيم المنافع وتقليل الأضرار الناجمة عن الاستخدام المفرط لوسائل الإعلام التفاعلية، من خلال قوانين تتواكب مع هذا التطور ويتساوى أمامها الجميع، وبدلًا من أن نجلس لنتأمل شكل النهاية في وقت تتعرض فيه كل القيم والأعراف والمثل الإنسانية والمجتمعية التي تربينا عليها لتجربة صعبة؛ علينا أن نصنع بأيدينا مجتمعًا صحيًّا لنا وللأجيال المقبلة قبل فوات الأوان.

وكما عملت الدولة خلال السنوات القليلة الماضية على برنامج ضخم لعلاج إدمان المخدرات، من خلال إنشاء صندوق مكافحة وعلاج الإدمان يستهدف سحب سمومها من أجساد وعقول شبابنا، نأمل، وهو ليس عنا ببعيد، في استحداث برنامج مماثل كآلية وطنية تستهدف علاج إدمان وسائل التواصل الاجتماعي ومجابهة تأثيراتها السلبية الجمة على الفرد والأسرة والمجتمع، من خلال وضع خطط للعلاج والتوعية بجميع الاضطرابات النفسية والسلوكية التي تنتج عن الاستخدام المفرط لها أو الانسياق نحو مغرياتها الهدامة، والتي لا تقل خطورة عن إدمان المخدرات.

تابع مواقعنا