محاكمة القرن والمواجهة الكبرى
إذا كانت أشكال التطرف تختلف مضامينها وفقا للأساس الذي ترتكن إليه، فإنها تتفق وتشترك وتسير في اتجاه واحد، وهو ما يكسبها صفة الإرهاب اللعين.
ولنا هنا أن نقرر حقيقة مؤكدة أنه "مهما تعددت الأسباب فالإرهاب واحد"، فبعد المواجهة الأخيرة مع داعية التيار السلفي "محمد حسان" ومن قبل ذلك المواجهة مع نظيره المتشدد "محمد حسين يعقوب" أمام محكمة الجنايات المختصة بمحاكمة خلايا داعش بإمبابة يتضح لنا مدى زيف هذه الجماعات، وأفكارها المغلوطة حول الإسلام، بعد أن صدرتها للقاصي والداني في شتى أرجاء المعمورة فدفع شبابنا المغيب الثمن غاليا ظنا منه أن في هذه الأبواق النجاة!
فهكذا رأينا كيف بدأت تنهار كل هذه المراكز المتطرفة، بتأويلاتها المصطنعة، التي ما دام أربكت الظهير المجتمعي، بمظاهرها الكاذبة والخادعة، لا سيما بعد أن اختصرت تاريخها الدعوي، في وصلات من الردح والصريخ عبر شرائط الكاسيت سابقا، وفضائيات التطرف أمس القريب!
يكمن الفارق الأساسي بين التطرف والإرهاب في أن التطرف فكر إنما الإرهاب فعل، على أن هذا التمييز لا يعني انقطاع الصلة بينهما، فكلاهما يتصل بالآخر اتصال السبب بالنتيجة، فالتطرف هو المقدمة الأساسية والسبب الأهم في صناعة الإرهاب.
فلن أقول في "حسان ويعقوب والحويني وبرهامي والعدوي وغيرهم الكثير والكثير" كيت وكيت، فكلنا يعلم أفكارهم، بل وعايشنا مواقفهم المتشددة قبل ذلك، وأنهم بذلك المسؤولون أولا وأخيرا عما أصاب بعض الشباب من حول فكري وتطرف أعمى طريقهم.
ولكني هنا أقول وأكرر مرارا وتكرارا: حان الوقت، بل وبات ضروريا، تعرية هذا الفكر الضال المنحرف، ضربا لرموزه، وكشفا لزيفهم أمام الرأي العام كخطوة جادة على الطريق الصحيح والتي لطالما طال انتظارها لتخليص المجتمع من براثن هذا العفن الفكري.
كما بات ضروريا تفكيك هذا الفكر الهدام، واستنهاض ولاية مؤسسات الدولة الثقافية، والدينية، والتعليمية، والإعلامية، لكونها القنوات الشرعية لتصحيح المفاهيم، وعقد المراجعات عبر أثير البث الفضائي حسبة لله والوطن.
فهكذا رأينا كيف أن مصر قد حاربت الإرهاب وحدها، وقضت على حلمه المنشود إلى الأبد، وكيف أن قضاء مصر الشامخ قد اتخذ خطوات استباقية في تسليط الأضواء حول الأفكار الدخيلة على الأمة لطرحها على مائدة البحث المستنير، وهذا قطعا يثبت أن قضاة مصر الأجلاء لا يصدرون أحكاما على الجاني وحسب، بل يواجهون أفكارا داخل محراب عدالتهم فيقومون المعوج، ويبعثون برسائل قوية ليتدارك كل سائر في طريق الظلام أمره فيعدل مساره.
فهكذا بدأت تحمل هذه الجماعات المتأسلمة، عوامل سقوطها المدوي، لا شيء اللهم غير أنها سارت عبر تاريخها التكفيري ضد صحيح الدين الحنيف، وضد كل القيم والأعراف الإنسانية، وكذا ضد التاريخ.
حتى إن أيادي الغرب التي كانت تحركها من خلف الكواليس، بدأت هي الأخرى تلفظها، إما لانكشاف اللعبة وخيوطها، أو خوفا من أن تصيبها لعنتها، وقد جربت ذلك شيئا قليلا.